مشاعر فرحة قوية تلك التي عبرت عنها فئات مختلفة من المجتمع المغربي بفوز المنتخب الوطني لكرة القدم على نظيره الكندي وتأهله للدور الثاني من كأس العالم في نسخته الحالية، ومهما اختلفت طرق التعبير عن الفرح، إلا أنها ذوّبت الاختلافات في لحظة طغى عليها الاحتفال. داخل ملاعب كرة القدم، وأمام شاشات التلفاز بالمقاهي والمنازل، الجميع ينتظر ويأمل في انتصار المنتخب المغربي على نظيره الإسباني والتأهل لدور الربع، ففي الوقت الذي يعقد فيه البعض آمالا قوية بالفوز، آخرون يغلب عليهم الشك ويسيطر عليهم التشاؤم، فكيف يفسر علم النفس هذه المشاعر التي توحد مئات الآلاف من الناس؟ يقول أستاذ علم النفس الاجتماعي، محسن بنزاكور، إن "الانفعال في علم النفس هو تعبير عن الوجدان، وحين نقول الإنسان في كرة القدم فإن الدافع وراء انفعالاته هو الانتظارات الكبير، خاصة عبر التحفيز الذي يشكل محركا أساسيا للجمهور، مثلا حين يقول مدرب المنتخب المغربي وليد الركراكي سوف أشتغل على تغيير العقليات فإنه بذلك يحفز الجمهور". يقول أحمد ذو 25 سنة من مدينة الرباط: "فرحتنا بفوز المنتخب فرحة مستحقة وطال انتظارها بعد عدة نكسات عاشتها الكرة المغربية وكانت آخر خيبة أمل في كان مصر 2019 بعد الإقصاء أمام البنين، اليوم من حقنا أن نفرح ونفتخر بمنتخب قوي فاز على منتخبات مصنفة عالميا، وفي تظاهرة قوية فالأكيد أننا سنخرج للشوارع للتعبير عن سعادتنا". ليلى التي كانت تقف بجانب أحمد لها رأي مختلف،حيث تعتبر أنه "لا يهم الفوز بقدر ما تهم المشاركة، فأعتقد أن مشاركة المغرب في كأس العالم بحد ذاتها فوز، نحن نعلم مستوى لعب الفرق الأخرى، والعوامل التي تدفعنا للشك في مضي المنتخب المغربي قدما هي متعددة، لكننا مع ذلك ننتظر ونحن على أعصابنا وندعو الله أن يوفق المغرب". فما التفسير المنطقي للفرحة الهستيرية التي تنتشر بين صفوف المجتمع بفئاته المختلفة بعد انتصار المنتخب، إذ يشمل حتى تلك التي لا تهتم بكرة القدم ولا تشاهدها؟.. هذا السؤال يجيب بنزاكور بأن هذا الأمر تفسر ثلاثة عوامل. واسترسل المتحدث أن العامل الأول يتمثل في قوة الحشد، مستشهدا بما جاء في كتاب كوستاف لوبون "سيكولوجية الجماهير"، حيث إن "الحشد يسرقك من ذاتك"، وهي نفس الفكرة التي يؤكدها بنزاكور بقوله " الإنسان كيفما كانت وضعيته الاجتماعية قوة الحشد تسحبه". فيما يخص العامل الثاني، بحسب بنزاكور، فهو الشعور بالانتماء، ف"للهوية الوطنية دور مهم عبر عدة عوامل النشيد والعلم الوطني هنا تأثير الانتماء على الفرد"، بينما يتمثل العامل الثالث في "وقع مفهوم الانتصار عند الإنسان، هذا الانتصار الذي لا يتعلق بشخص معين وإنما هناك وحدة في مفهوم الانتصار حتى الذين لا يهتمون فإن الانتصار انتصارهم هم أيضا". كل هذه العوامل ترتبط لتمنحنا انفعالات إيجابية، بحسب المتحدث، ف"انفعالات الجمهور جميلة إن قيدت بالتعقل، وأن يحكمها منطق الانتماء إلى نفس الوطن والإحساس بالعزة وفرحة الانتصار". ومهما اختلفت المشاعر، يضيف المتحدث،"بين الأمل القوي في الانتصار، والخوف الشديد من الهزيمة"، فإن النتيجة واحدة وهي انفعالات الفرحة والخوف طوال مدة المقابلة، فحين يكون التشجيع موجه للمنتخب الوطني فإن كل الاختلافات تتبخر، ويتحول التشجيع المبني على التعصب إلى تشجيع ذو صبغة انتمائية فتجد المشجعين تحت ألوان وخلفيات مختلفة لكن ما يجمعهم الشيء ذاته. يضيف بنزاكور في هذا الصدد: "الصبغة الايجابية لانفعالات جماهير المونديال، وشعور السعادة الذي يوحد الجميع يكمن في كون أن كأس العالم مؤطر بعكس المقابلات الوطنية حيث أن ما يحكم المقابلات الوطنية هو اللون أو المدينة".