أجمع خبراء وأساتذة جامعيون على أن التفاهة أضحت مسيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي خاصة خلال السنوات الأخيرة، معتبرين أن أغلب المؤثرين تحوّلوا لقدوات مجتمعية همّهم الأول الربح المادي دون النظر لجودة محتواهم. جاء ذلك في ندوة فكرية من تنظيم نادي الصحافة بالمغرب والمركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الإعلام والاتصال، بشراكة مع المعهد العالي للإعلام والاتصال، بعنوان:" محتوى وسائل التواصل الاجتماعي، ما بين حرية التعبير والتفاهة". وجاء هذا اللقاء في سياق إطلاق عريضة على شبكة الأنترنيت للتوقيع، تحت عنوان"توقفوا عن تحويل التفاهات إلى قدوة ونجوم"، والتي لقيت إقبالا واسعا واحتضانا من المواطنين والفاعلين في مجال الصحافة والإعلام والتواصل ورحبت بها الأوساط الإعلامية والحقوقية والجامعية. وقارب المشاركون في هذه التظاهرة الفكرية، من زوايا متقاطعة جانبا من الإشكاليات التي تطرحها بعض محتويات وسائط التواصل الاجتماعي المنتشرة في الفضاء الأزرق، ضدا على حرية التعبير ومبادئ حقوق الانسان، وانعكاساتها في غالب الأحيان على تفشي التفاهة التي تعد ظاهرة كونية. وفي هذا الصدد، اعتبر الباحث في التواصل السياسي، عبد الوهاب العلالي، أن التحولات التي عرفها المجتمع وانتقاله من مجتمع وسائل الإعلام الجماهيري إلى مجتمع المعلومات والمعرفة، أدى إلى انتشار ظاهرة النشطاء والمؤثرين على حساب تراجع وانكماش الفاعل السياسي والإعلامي. وأشار العلالي إلى أن المؤثرين بمواقع التواصل الاجتماعي يستطيعون التطرق لمواضيع يعجز الصحافيون والسياسيون على التحدث عنها لاعتبارات مختلفة، مضيفا أن الصحافي مقيد بالقوانين المنظمة للمهنة وتحكمه ضوابط التحرير عكس المؤثرين الذين يهتمون بشكل أساسي بالتباهي بعدد متابعيهم وما سيجنونه من أرباح مادية. وأبرز المتحدث ذاته أن مواقع التواصل الاجتماعي أضحت مجالا خصبا لخلق مناصب شغل دون الحاجة لتكوين أو دبلوم، مشيرا إلى أن أغلبهم يعتمدون على الغرائز لجلب المتابعين. إلى ذلك، دعا العلالي الصحافيين للدفاع عن مهنتهم عبر الدفاع عن القيم الصحافية بأشكال متعددة، سواء ذاتيا بأن يحرم، على حد قوله، الصحافي على نفسه بأن ينتج مواد غير أخلاقية وتغيب عنها المصداقية، مع العمل كقطاع على إعادة الثقة بين المجتمع والصحافة وبذل جهود لتغيير طرق الممارسة الصحافية ومنافسة إعلام التضليل والأخبار الكاذبة. وشدد هلى ضرورة تحالف جميع الفاعلين ضد قيم التفاهة والتحسيس بخطورتها على المجتمع، داعيا لاعتماد نظام تعليمي جديد يتوافق مع مجتمع المعرفة والمعلومات، وموصيا الصحافيين المهنيين بالتحري حول المواضيع التي يطرحها "المؤثرون التافهون" وإعادة صياغته وفق المعايير المهنية. من جانبه، قال الإعلامي والكاتب عبد العزيز كوكاس، إن التفاهة ليست وليدة اليوم بل ظهر مفهومها عبر مر التاريخ في جميع المجالات من سياسة إلى اقتصاد وسينما وغيرها، غير أن وسائل التواصل وسعت، على حد قوله، من مساحة انتشار التفاهة. واعتبر كوكاس أن الأمر الخطير في مواقع التواصل هو سرعتها في التأثير على المستهلك فضلا عن غياب نماذج إيجابية للنجاعة في هذا الفضاء ورغم ذلك تجد نفسها "مكرمة ومبجلة"، مشددا على ضرورة العمل على مفهوم "التربية في الإعلام" لخلق مناعة أخلاقية لدى مستخدمي التواصل الاجتماعي. وانتقد المتحدث ذاته دور المدرسة في هذا الأمر، التي أصبحت، على حد تعبيره، متخلفة مقارنة بمحيطها، وأضحت بدورها تطرح إشكالات كبرى ولا تؤدي دورها في التنشئة الاجتماعية، معتبرا أن ما يغري في وسائل التواصل هي المجانية وانتهاك الحرمة والخصوصية، ومؤكدا أن القوانين لن تحد من التفاهة. ونبه الكاتب والإعلامي ذاته إلى أن الخطورة في التفاهة هي أنها أصبحت مجالا للدعاية والربح المالي وخلق فرص عمل مجانية، داعيا لمحاربة الصور الوهمية والأسماء المستعارة، ومحذرا من تداعيات تراجع وظيفة الصحافي في المجتمع. من جهتها، أوضحت الجامعية والناقدة، زهور كرام، أن القاعدة الساحقة في المجتمع لا تعتبر ما ينشر على مواقع التواصل من أعمال بديئة (لا تعتبره) تفاهة، مشيرة إلى أن التافهين تحولوا إلى رموز وتحول معهم المتابعون إلى تابعين وهو الأمر الذي يؤسس، على حد قولها، لظاهرة القطيع، مبررة سيطرة التفاهة بأن التقنيات الرقمية هي أدوات في يد العموم وبالتالي ينتج الجميع ما يحلو له دون قيد أو شرط. وانتقدت كرام استضافة عدد من المؤثرين في وسائل الإعلام العمومية الرسمية لأن ذلك منحهم، على حد قولها، سلطة في المجتمع، مشيرة إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي تغير من تفكير الإنسان وتتحكم في مشاعره وأحاسيسه وتقيده، منبهة إلى أن تغير مفاهيم المجتمع ساهم في انتشار التفاهة ما يهدد، على حد قولها، التعاقد الاجتماعي. المخرج السينمائي، عز العرب العلوي، قارب الموضوع بنظرة فنية سينمائية، مشيرا إلى أن التفاهة في السينما تختلف من دولة لأخرى وتغير مفهومها مع مرور الزمن، غير أنها سيطرت، على حد قوله، على المشهد الإعلامي خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي. وأكد العلوي أن عددا من المنتجين أصبحوا يركزون على الربح المادي وما سيجنوه في شباك التذاكر دون التركيز على جودة العمل الفني، معتبرا أن غياب الدعم يدفع المنتجين للإنتاج الذاتي وينتظرون من العمل أرباحا مالية، كما أن بعضهم يلجؤون، حسب المتحدث ذاته، إلى الاستحواذ على القاعات السينمائية لضمان مشاهدة عمله دون منافسة. من جانبها، استغربت الفاعلة الجمعوية فدوى ماروب، من كثرة المواقع الإلكترونية في المغرب رغم أن هذه المواقع تتراجع نسبتها في عدد من الدول، داعية لتقنين المشهد الإعلامي ومحاربة التفاهة عبر محاربة المواقع الإلكترونية. وشددت ماروب على ضرورة محاربة المجتمع والدولة للمؤثرين الذين ينشرون التفاهة، فضلا على تركيزها على دور المجلس الوطني للصحافة في مراقبة المشهد الإعلامي وتقنينه.