لا يمكن للمتتبع الموضوعي لواقع المشهد الإعلامي المغربي، سواء على مستوى القنوات المغربية العمومية أو القنوات على اليوتوب وكذلك الجرائد بكل تلويناتها وكل مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن يلاحظ الارتباك والارتجالية الواضحة، التي وصلت لدرجة التفاهة، حيث لم نعد نشاهد برامج تربوية وثقافية هدفها الرفع من جودة الإعلام، كما ليس هناك برامج هدفها محو الأمية السياسية حتى على السياسيين أنفسهم الذين لم يعد يحملن من ممارسة العمل السياسي غير الاسم، على اعتبار الواقع الذي أصبح عليه العمل السياسي بالمغرب، بل أصبح الهدف هو الحصول على أكبر نسب للمشاهدة وتحقيق ملايين اللايكات وخلق البوز، فالمجتمع الذي أصبح فيه المختلون عقليا، وأصحاب العقد مشاهير يحظون بحصة الأسد في الاعلام بكل أنواعه، والمجتمع الذي أصبح فيه مايعرف ب “روتيني اليومي” أشهر من كل المبدعات في الأداب والاقتصاد والطب ووو، وأصبح مدخولهم اليومي يفوق مدخول الأساتذة الباحثين، هو مجتمع وصل الى القاع وأصبحت التفاهة تحركه وتتحكم فيه أكثر من أي شيء أخر، وينطبق عليه قول الفيلسوف الكندي آلان دونو بأن “التافهين ربحوا الحرب، وسيطروا على عالمنا وباتوا يحكمونه، فالقابلية للتعليب حلَّت محل التفكير العميق”، أي أن العصر هو عصر التفاهة والميوعة بكل تجلياتها، لم يعد للجادين مكان سواء على المستوى المادي أو الرمزي، فكل وسائل الاعلام اصبحت تمنح حيز كبير جدا لأخبار نجمات الرداءة كالزيادة في الوزن أو القيام بعملية التجميل من عدمها وكذلك الاهتمام بنجمات الروتين اليومي، وأخر أغنية وزواج وطلاق مشاهير التفاهة، والخيانة ووو، في حين لم يعد للفكر في هذا الإعلام سوى الهامش، لماذا لم تنحوا القنوات المغربية منحى بعض القنوات في الدول الأوربية خاصة الفرنسية منها ووضع برامج هدفها تعريف المشاهدين بتاريخهم حتى يتمكن المواطن من الاضطلاع على تاريخه وإدراك موقع بلاده بالعالم خاصة الناشئة ، ما يغلب على الإعلام المغربي كثرة البرامج التافهة التي تهدف إلى تكريس ثقافة هزان لكثف وشطيح ورديح، حتى أصبح بعض المغاربة يخجلون من مشاهدة هذه القنوات مع أفراد أسرهم، الملاحظ هو أن هذا الإعلام ابتعد عن الدور المنوط به وهو التثقيف ونشر الوعي وتكوين مواطن قادر على إدراك الأشياء المحيطة به ، بل أصبح دورها هو الإشهار على اعتبار كثرة الإشهار في هذه القنوات، كما هناك انتقائية في اختيار المواضيع والتي تخدم جهة معينة على اعتبار أن الاعلام هو وسيلة من الوسائل التي توظف لخدمة إيديولوجية معينة، وحتى بعض أشباه الصحافيين سامحهم الله يعتقدون أنفسهم في مزرعة خاصة، وليس في قناة عامة ملك لجميع المغاربة وان أجورهم مستخلصة من دافعي الضرائب . لا يمكن لأي مجتمع التطور والازدهار وتحقيق التنمية على جميع المستويات ، إلا بوجود إعلام مسؤول وقادر على نشر الوعي بين صفوف المشاهدين، وليس الاعلام الذي يراهن على التفاهة. جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة