"خطر الذكاء الاصطناعي أكبر بكثير من خطر الرؤوس الحربية النووية. تذكروا كلامي هذا، الذكاء الاصطناعي أخطر بكثير من الأسلحة النووية"، هذا الكلام قاله "إيلون ماسك" سابقا، وكل يوم يكتشف العالم أن الخوارزميات تجتاح حياة البشر بشكل يثير القلق والخوف في نفس الوقت. فالوجه المشرق للذكاء الاصطناعي يبشر بمزيد من الرفاه واليسر في الحياة، لكن الوجه الآخر يطرح علامات استفهام قوية حول مستقبل طبيعة الحياة البشرية في ظل هيمنة الذكاء الاصطناعي، وخلفه الشركات العابرة للقارات. ويقدم مجال الفنون نموذجا عن الكيفية التي يمكن فيها للذكاء الاصطناعي أن يدمر أشياء ميزت الانسان عبر آلاف السنين، ويتعلق بالإبداع الفني، وخاصة في مجال الفنون التشكيلية. وإذا شئنا أن نختصر القصة، فقد أصبحت "الأعمال الفنية" التي ينتجها الذكاء الاصطناعي تنافس بشراسة ما ينتجه الفنانون التشكيليون، وتنظم لها عروض تباع فيها لوحاتها بأثمنة خيالية أيضا. وتوجد اليوم تطبيقات عدة مبرمجة صناعيا عبر أنماط رياضية وخوارزميات معقدة لتحاكي ضربات الفرشاة والحركات الفعلية التي يقوم بها الرسامون الحقيقيونن حسب الجزيرة نت. ومن بين العديد من الأمثلة على تلك التطبيقات "ميدجورني" (Midjourney) و"ستايل جان" (StyleGAN) و"ستابل ديفيوجن" (Stable Diffusion) وغيرها. ويستطيع أي شخص عبر إدخال كلمات معينة لتلك التطبيقات، تعبر عن طبيعة العمل الفني الذي يرغب فيه، أن يحصل على لوحة أو تصميم أو رسمة على الوجه الذي يشاء. البداية والنهاية لهارولد كوهين تعود بداية استخدام الذكاء الاصطناعي في عالم الفنون التشكيلية إلى الفنان البريطاني هارولد كوهين Harold Cohen (1 مايو/أيار 1928 – 27 أبريل/نيسان 2016)، حسب المصدر السابق، والذي صمم تطبيقا حاسوبيا -يُسمى "آرون" (AARON)- مكونا من عدة برامج مجتمعة؛ ويستطيع أن ينتج أشكالا فنية بشكل مستقل عن أي تدخل بشري. طوّر كوهين تطبيق آرون بهدف استخلاص رموز وأشكال فنية مجردة مثل تلك التي كان يرسمها الإنسان البدائي. وبالفعل نجح في ابتكار رسومات بسيطة بالأبيض والأسود لكنها كانت شديدة البدائية بالنسبة لكوهين فأتم رسمها بيده لاحقا، وعرضت في متاحف عالمية منها تات (TATE) في لندن. كانت ذروة نجاح البرنامج متمثلة في استخدام فرش وأصباغ خاصة اختارها البرنامج نفسه دون وساطة من كوهين. وقد اجتذبت فكرة كوهين والأعمال الناتجة عن تقاطع الحاسوب (الكمبيوتر) والذكاء الاصطناعي والفن قدرا كبيرا من الاهتمام. ويعد اليوم رائد استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج فنون تشكيلية. الإنسان ضد الآلة قد ينقلب السحر على الساحر أحيانا، فاليوم باتت الأعمال الفنية المنتجة من قبل الذكاء الاصطناعي تنافس في مزادات عالمية أعمالا أخرى من إنتاج البشر. فما بدأ في القرن المنصرم كابتكار تكنولوجي صار مجالا واسعا من التطبيقات المبرمجة والخوارزميات المعقدة. وأشهر مثال على ذلك، بورتريه "إدموند دي بيلامي" (Edmond de Belamy). العمل عبارة عن لوحة ضبابية لرجل يرتدي قميصا أسود وياقة بيضاء، وتنتمي إلى سلسلة من الصور المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي وتسمى (La Famille de Belamy) أو أسرة بلامي، والمستعارة من كلمة "bel ami" والتي تعني الصديق الجيد باللغة الفرنسية. بيعت اللوحة في مزاد دار كريستيز للمزادات في نيويورك بمبلغ 432 ألف دولار عام 2018، على الرغم من أنها كانت مقدرة بسعر لا يتجاوز 10 آلاف دولار قبل البيع. أخلاق الخوارزميات في الوقت الذي تستطيع فيه التطبيقات المبرمجة إنتاج أعمال فنية وفنون تشكيلية بجزء بسيط من التكلفة التي قد يتطلبها اللجوء إلى اليد العاملة البشرية، قد يكون لجوء الكثير من المتاحف ودور العرض وتجار الفن إلى الذكاء الاصطناعي بشكل واسع مسألة وقت لا غير. فإذا تفوق الذكاء الاصطناعي على السمات البشرية مثل الموهبة والخيال الجامح والفضول الابتكاري ستجد البشرية نفسها أمام وحش عملاق يهدد وجودها بأسره. فهل يجب أن تكون هناك قواعد أخلاقية تحكم عالم الذكاء الاصطناعي؟ يجادل الكثيرون حول كيفية تطبيق قواعد أخلاقية على خوارزميات معقدة هي الأساس الجوهري في عالم الذكاء الاصطناعي الذي لا يعرف ما هي الأخلاق. معارك حامية الوطيس في الأول من سبتمبر/أيلول الماضي، أثار الفنان الأميركي جيسون ألين جدلا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي بعد أن فاز بالجائزة الأولى في معرض ولاية كولورادو في الولاياتالمتحدة من خلال عمله الفني الذي تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي، "دي أوبرا سبيشل" (D'opera Spatial) والذي يصور 3 أشخاص مظللين بنوافذ مذهبة، مستخدما برنامج "ميدجورني". ويعود سبب استعار الغضب ضد فوز جيسون إلى أنه لم يبذل جهدا إبداعيا والعمل في النهاية ليس من خياله إذ إن الأمر اعتمد على إدخال كلمات توضيحية لبرنامج الذكاء الاصطناعي ليقوم هو بالأمر، ويرى الفنان البريطاني ألكس هارود أن التجربة البشرية بكل ما فيها من ألمعية وحس ابتكاري وخبرة وتعقيدات نفسية لا يمكن مقارنتها بتطبيقات تحكمها الخوارزميات.