لا شك في أن الذكاء الاصطناعي لا يزال مستمرا في جنونه، ومستمرا في عملية إسباغ القوة المطلقة على الحياة البشرية. بعدما أصبح عقلا اصطناعيا (شبه واعي) يفكر مثل عقل الإنسان، وهذا الأخير الذي أصبح يضع عقله جانبا، ويعتمد بالدرجة الأولى على تطبييقات الذكاء الاصطناعي من قبيل " ChatGPT " لتلبية احتياجاته والإجابة على تفسيراته. فهل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقوم بمَهمّة الشاعر والموسيقي والفنان التشكيلي؟ هل اقترب زمن انقراض الأدب والموسيقى والفن على وجه الأرض؟ اعترف طلاب جامعيون بجامعات في بريطانيا، أنهم اعتمدوا على تطبيق برنامج الذكاء الاصطناعي ChatGPT لمساعدتهم على كتابة مقالات أكاديمية، كما أضافوا أنهم تلقّوا تقييمات جيدة وعالية للمقالات المكتوبة باستخدام برنامج الدردشة المدعوم بالذكاء الاصطناعي. بعدما استطاع برنامج ChatGPT على إنتاج استجابات شبيهة بالردود البشرية والقيام بأعمال ومقالات أكاديمية، الشيء الذي يثبت أن خطر الانقراض البشري قريب لا محالة. حيث أصبح بإمكان الذكاء الاصطناعي بضغطة زر واحدة، إنتاج موسيقى مطوّرة، بعدما تمكّن من إكمال السيمفونية العاشرة للموسيقار " فان بيتهوفن"، باستخدام نموذج '' DALL-E-2 '' وهو برنامج يبتكر الفنون والأغاني، طورته نفس الشركة المطوّرة "OpenAI" لبرنامج الدردشة الآلي " ChatGPT ". ليصبح كل شخص كيفما كانت " حالته الفكرية" قادرا على القيام بعمل إبداعي أدبي دون أدنى مجهود، فقط بالاستعانة بهذا البرنامج الذكي اصطناعيا، حيث يقوم هذا الأخير بإنشاء محتوى أدبي جاهز مرفقا أيضا بصور تعزز المقال أو النص الادبي المطلوب. يقول البعض أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون فرصة جيدة لمساعدة الفنانين والادباء على اكتشاف فنون جديدة مبتكرة يتم الاستعانة بها في أعمالهم، في حين أن البعض الآخر يرى الأمر عكس ذلك تماما، باعتباره تهديدا مخيفا، سيطال مستقبل الفنانين والأدباء لمواجهتهم روبوتات تنافس أعمالهم وتحبط قدرتهم على الاستمرار، وتوصد أمامهم أبواب المستقبل في صناعة الأدب والشعر والكتابة، بعدما تمّ الإشادة بروعة النتائج ونصوص لها معنى واضح لا تشوبه شائبة. قام "كونراد تسير" أستاذ التسويق و أبحاث الاتصالات في فورتسهايم الألمانية، بتكليف طلاّبه بصنع عمل فني بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، ليقوموا بتوجيه أمر لبرنامج ChatGPT ، بأن يقوم بتأليف قصيدة شعرية بأسلوب الشاعر الألماني " Heinrich Heine" ، ليصفوا التجربة بكونها " ممتعة"، لكن القصائد المدعومة من طرف البرنامج الآلي، تفتقد للحسّ الأدبي و الإلهام و لا تطابق أساليب الفنانين و الشعراء و الكتّاب بالشكل الدقيق. وجاء في هذا الصدد، أنه لا يمكن للفن أن يندثر بسبب خطر جنون الذكاء الاصطناعي، حيث صرّحت المحاضرة في جامعة "توبنغن" الألمانية " يسيكا هيسن"، المتخصصة في قضايا الأخلاق المتعلقة بالإعلام الرقمي قائلة أن: " الفن تجربة تفاعلية، يقوم فيها الأفراد بالتفكير في ردودهم تجاه الواقع" الشيء الذي لا يستحسن للآلة أو الروبوت القيام به. وأضافت " هيسن" أن الذكاء الاصطناعي عمله فقط التركيز على الأنماط والاحتمالات، حيث لا يمكنه أن ينتج عملا دون أن يحصل عليها، فمن خلالها يجهز أرضية خصبة لنتائجه الآلية وتقديم عملا فنيا كاملا بناءا عليها. كما اعترفت "هيسن" عن قدوم مستقبل زاهر لابتكار الفن وأعمال الزخرفة يمكن استخدامها في ديكور البيت والمطبخ، لكنه لن يصل لمستوى أن ينافس الحس الأصلي لهالة الفنان والموسيقي والكاتب، فهذا مرتبط فقط بشخصية الفنان. بالرغم من أن الذكاء يشكل ثورة رقمية مخيفة ذات مخالب تبث الرعب على الذكاء البشري، إلا أنه وبحسب الباحثين والمراقبين، لا يمكن أن تصل لمستوى العقل البشري، ولا يمكن أن تحل محله فيما يخص الفن خاصة، لأن الفنان والموسيقى والكاتب أو الأديب، يتميز بمَلكَته وأسلوبه الخاص، لا يضاهيه فيه أحد، ولا يمكن للآلة أن تتمرّد، وتحل محل القدرة الإبداعية للفنان، بل ستشكّل عنصر تحقيق الحاجات وليس عنصر استلاب فكري أو إنساني.