لم يترك أجدادنا مجالا من مجالات الحياة إلا ونسجوا فيه مأثورات وأمثالا وحكما يتوارثونها جيلا عن جيل. فيها دروس وقيم، عبر يستفاد منها في مواجهة مصاعب وإكراهات الحياة في المجالات الواحية التي تعرف بالنذرة والصراعات القبلية على الموارد الطبيعية القليلة أصلا. وفي العلاقات الأسرية والمعاشرة بين الزوجين ترك أسلافنا عشرات الأمثال، أختار لكم منها واحدا من أهمها على الإطلاق. يقول : Awl tarbat g tmgra, as ur tawlt g tmghra تزوج الفتاة في حقل الحصاد، وليس في حفلة عرس. والشاهد على اعتبارنا لهذا المثل مهما للغاية، هو مضمونه الذي يحاول تسليط الضوء على أزمة كبيرة لازالت مناطق الجنوب الشرقي تعاني منها عموما وهي الطلاق. إن اختيار الزوجة في المجتمعات الواحية لا يولي لمعيار جمال ملامح الوجه والجسد تلك الأهمية التي أصبحت عليه اليوم، في زمن "الفيلتر" ومواقع التواصل الاجتماعي التي حولت وشوهت معايير الجمال الأصلية إلى مجرد ملامح وجه وقوام رشيق ! إن المثل يحاول أن يلفت انتباه الشباب المقبلين على الزواج إلى أن معيار الاختيار لابد أن يكون أولا في مدى قدرة الفتاة على تحمل أعباء الحياة ومصاعبها. وكونها تحصد في الحقول كما صورها لنا المثل السابق، دلالة على كونها فعلا أهلا بالثقة ماذامت تشمّر على دراعيها في أحد أصعب المهام التي تخصص للرجال فقط وهي الحصاد. ولقد سبق لنا أن ناقشنا هذا الموضوع في مقال سابق تحت عنوان "معايير الجمال بواحة دادس، من خلال طقس إنزال العروس" حيث يظهر أن قيمة المرأة الحقيقية لا تكمن في مجرد جمالها الظاهر عموما، لكن هنالك أمور أكبر قيمة من تلك، وأهمها تحمل المسؤولية، معرفة العادات والتقاليد، الصبر على الفقر والحاجة، تحمل أعباء الأسر الممتدة ... ولعل هذا المعيار الذي شابه الاختلال هو الشيء الذي بسببه أصبحنا نرى العديد من حالات الطلاق بواحة دادس وباقي الواحات المجاورة عموما، فلا الفتيات عدن قادرات على تحمل تلك المسؤولية التي تنتظرهن، ولا الشباب قادرون على التغاضي عن معيار الجمال على حساب المعايير الأخرى الأكثر أهمية، مما يصدمهم بعد الزواج، حينما يجدون أنهم أصبحوا يتحملون مسؤوليات أكثر من التي كانوا يتحملونها حينما كانوا عند أمهاتهم اللاتي تزوجن في مواسم الحصاد، وعشن في زمن المثل السابق.