بحكم التجارب الحياتية اكتشف الإنسان حاجته إلى الهواء، وعلمته قساوة تلك التجربة أنه من المستحيل أن يعيش بدون هواء، كما أن باقي الكائنات الحية التي عرفها تحتاج أيضا إلى الهواء كي تعيش. ومع التقدم في العلم يكتشف الانسان أن عنصرا واحدا فقط من العناصر المكونة للهواء هو الضروري للبقاء حيا. وتمكن العلماء من التعرف على غاز الحياة: الأكسجين، وتعرفوا على خصائصه الكميائية، وأدواره في الحياة. وقصة اكتشاف الأكسجين قصة مثيرة، تستمد أهميتها من أهمية ذلك العنصر نفسه. كما اكتشافه والتعرف على خصائصه ومزاياه الكميائية أدى إلى عدة استعمالات صناعية. فما هي قصة اكتشاف غاز الحياة؟ وما هي خصائصه وحجم توفره على الأرض؟ لا لون له ولا رائحة ولا طعم الأكسجين، حسب الجزيرة نت، أحد أهم العناصر الطبيعية الذي تعتمد عليه مُختلف أنواع الكائنات الحية بهدف التنفس، كما يعتمد عليه البشر في الصناعات المختلفة لما يمتلكه من مميزات. وعلى الرغم من تلك الأهمية لم يكتشف الكيميائيون هذا العنصر إلا منذ ما يقرب من 250 عاما. والأكسجين غاز لا طعم له أو رائحة أو لون، ويُعَد أكثر العناصر المتوفرة في كوكب الأرض بعد عنصري الهيدروجين والهيليوم، فهو يمثل حوالي 21% من مكونات الغلاف الجوي، و89% من مياه البحار. وتُرجح الجمعية الكيميائية الأميركية أن الكيميائي الإنجليزي جوزيف بريستلي هو أول من اكتشف غاز الأكسجين في شهر أغسطس/آب من عام 1774، حينما أجرى تجربة تضمنت تسخين مادة أكسيد الزئبق حمراء اللون، فنتج عنها غاز لا لون له. رحلة اكتشاف عنصر الهواء أسهم فلاسفة اليونان الأقدمون في إيضاح مفهوم الذرة، وأرسوا معتقد أن كل الأشياء الموجودة في الكون تنقسم إلى وحدات صغيرة أطلقوا عليها العناصر (Elements)، وأشار أرسطو إلى أن كل المواد الموجودة في الكون تضم واحدا أو أكثر من تلك العناصر الأربعة: الهواء والماء والنار والأرض، وهو ما يعني تعاملهم مع "الهواء" كعنصر واحد لا يحوي عددا من الغازات. ولاحقا، أجرى العالم اليوناني "فيلو البيزنطي" تجربة مهمة غيرت الكثير من المفاهيم عن طبيعة "الهواء"، وقد وصفت خطوات تلك التجربة في الفصل الثامن من كتاب (Pneumatica)، وهي كلمة لاتينية تعني "علم الخصائص الميكانيكية"، كتبه المهندس والفيزيائي اليوناني هيرون السكندري (Heron of Alexandria). لإجراء التجربة -التي أطلق عليها تجربة الشمعة المحترقة- استعان "فيلو" بوعاء وشمعة وجرة (إناء) زجاجي رفيع مقلوب، وثبت هذه الشمعة داخل الوعاء، ثم ملأه بالماء، وأشعل الشمعة، ثم غطاها بالإناء الزجاجي الذي يلامس سطح الماء، وبعد مرور بعض الوقت تنطفئ الشمعة ويرتفع مستوى الماء داخل الإناء الزجاجي، وفسر "فيلو" ذلك الأمر باختفاء الهواء من الإناء نتيجة احتراق الشمعة، واحتلال المياه المساحة التي فرغ الهواء منها. الكيميائيون يتوصلون لنظرية فلوجيستون استمر إجراء التجارب المعتمدة على نظرية فيلو البيزنطي، وقد لاحظ ليوناردو دافينشي الرسام المعروف والعالم الموسوعي (Polymath) استهلاك جزء من "الهواء" في أثناء عمليات التنفس أو الحرق، وهو الأمر الذي أكده المزيد من الباحثين فيما بعد. وفي عام 1669، أشار الكيميائي الألماني يوهان يواخيم بيكر إلى أن المواد تتضمن 3 أنواع من عنصر "الأرض"، هي: العنصر الذي يمكن التحقق منه (Verifiable)، والزئبقي (Mercurial)، والقابل للاشتعال (Combustible)، وأوضح أن حرق المواد يؤدي إلى إنتاج العنصر الأرضي القابل للاشتعال، وهو العنصر الذي أطلق عليه الكيميائي جورج إرنست ستال اسم: فلوجيستون (Phlogiston)، وهي كلمة يونانية تعني "محترق". ولتوضيح النظرية يُمكن القول إن مادة الخشب تحتوي على عنصرين: الفلوجيستون والرماد، وحرق الخشب يصدر عنه الفلوجيستون ولا يتبقى إلا الرماد. اكتشاف غاز الأكسجين وقد أجرى جوزيف بريستلي تجربته الأكثر شهرة عبر الاستعانة بعدسة قطرها حوالي 30.5 سنتيمترا ووجه أشعة الشمس خلالها إلى كتلة من مادة أكسيد الزئبق الموجودة داخل وعاء زجاجي مقلوب موضوع في حوض ممتلئ بالزئبق. نتج عن تلك التجربة انبعاث غاز وصفه بريستلي بأنه "أفضل 5 أو 6 مرات مقارنة بالهواء التقليدي"، وعبر بعض التجارب ساعد التعرض إلى ذلك الغاز على زيادة حدة احتراق اللهب، وساعد الفئران على العيش حياة أطول 4 مرات مقارنة بتعريضهم لنفس الكمية من الهواء التقليدي، وأطلق بريستلي على ذلك الغاز اسم (Dephlogisticated air) أو الهواء الخالي من الفلوجيستون. وفي أكتوبر/تشرين الأول اللاحق سافر بريستلي إلى عدة بلدان، منها دولة فرنسا حيث قابل الكيميائي أنطوان لافوازييه الذي أخبره عن نتائج تجاربه، وبين الأعوام 1775 و1780 أعاد لافوازييه تجارب بريستلي حتى تمكن من تحديد طبيعة غاز الأكسجين، وأوضح دوره في الغلاف الجوي وخلال عمليات الاحتراق والتنفس، وأطلق عليه اسمه الحالي "أكسجين". ورغم حصول بريستلي على سبق اكتشاف الأكسجين، تشير عدة مصادر إلى تمكن العالم السويدي كارل فيلهلم شيلي من فصل الأكسجين عبر إجراء تجارب تشابه ما أجراه بريستلي من تجارب اعتمدت على إحراق بعض المواد وملاحظة الانبعاثات الناجمة عن تلك العمليات، وأجريت هذه التجارب في عام 1771، إلا أن نتائجها لم تُنشر حتى عام 1777. وقد أسهم اكتشاف الأكسجين والتعرف على خصائصه في حدوث تطورات صناعية عدة تتعلق بتطور مفهوم "الاحتراق" (Combustion)، وهو ما ساعد تباعا في تطوير المحركات البخارية، ونشأة الثورة الصناعية.