الإرهاب الفكري.. ظاهرة موغلة في القدم ومعروفة لدى مختلف شعوب العالم إعدام لافوازييه.. جريمة ضد الإنسانية ظاهرة الإرهاب الفكري موغلة في القدم ومعروفة لدى مختلف شعوب العالم. وإذا كانت العديد من الشعوب قد قطعت مع هذه الظاهرة المتوحشة لإيمانها بضرورة التعايش بين أطياف المجتمع الواحد، مهما اختلفوا فكريا وإيديولوجيا وسياسيا، بترسيخها لقيم الديمقراطية التي وحدها تتيح إمكانية التعايش هذه، فإن مجتمعاتنا العربية ما زالت ترزح تحت نير هذه الظاهرة التي باتت تستفحل ويتصاعد منسوب ضحاياها، إذ مازال هناك دعاة امتلاك الحقيقة في الفكر وفي السياسة وفي الدين، وهؤلاء بالضبط هم من ينظرون إلى خصومهم المختلفين على أنهم أعداء، ويوجبون، بالتالي، مضايقتهم أو تصفيتهم الجسدية. وفي تاريخنا الحديث والمعاصر ما ينم عن أن هذه الظاهرة ما تزال في استفحال، وأن دعاة امتلاك الحقيقة ومحتكريها في تصاعد حتى بات الاختلاف عن أو مع هؤلاء الدعاة أمرا محرما وتبعاته خطيرة تصل إلى حدود التكفير الذي تستتبعه إقامة حد القتل. إن قوائم الذين قضوا اغتيالا بسبب أفكارهم كثيرة، وقوائم المحكوم عليهم بالقتل مع وقف التنفيذ كثيرة هي الأخرى. وحسب وقائع الاغتيال التي كنا شهودا عليها في وقتنا الحاضر، أو تلك التي أرخت لها كتب التاريخ، تظل الفئة المستهدفة من عمليات التصفية الجسدية هي تلك التي آثرت أن تجدد في طرق التفكير وأعملت العقل من أجل فهم جديد لعناصر هويتنا بما في ذلك عنصر الدين الذي حرروه من إسقاطات المقاربات المتحجرة، وفتحوا بذلك بابا جديدا للاجتهاد، يتيح لنا استيعاب ماضينا وحاضرنا بشكل أفضل، كما يتيح لنا استشراف مستقبلنا... نأتي في هذه السلسة الرمضانية على استذكار بعض من هؤلاء ممن أصابهم سلاح الجهل في مقتل. نستذكرهم اليوم، رفقة قرائنا الكرام، اعترافا لهم بانتصارهم لقيمة العقل كضرورة لا محيد عنها لبناء المجتمعات الحديثة. في عالم الفلسفة والأدب والعلم يكون الاغتيال جريمة إنسانية، على عكس ما هو عليه بالنسبة للاغتيالات التي تكون بمبرر سياسي ولو أن ذلك يبقى غير مقبول. من هنا اعتبر إعدام مؤسس علم الكيمياء لافوازيه في عهد الإرهاب خلال الثورة الفرنسية على يد قادة الثوار جريمة لا تغتفر. حول إعدام هذه الشخصية الفذة الذي عالج بذكائه المتعدد النواحي، شتى المشكلات في نظام الضرائب، والعملة، والمصارف، والزراعة العلمية، وأعمال البر العام، قال العالم الفلكي والرياضي لابلاس وهو يشهد إعدامه لقد استغرق حز عنقه دقيقة من الزمن .. و لكن فرنسا تحتاج لمئة عام حتى تلد عالماً آخر مثله. بخصوص هذا العالم الذي امتاز بالوضوح والقدرة الهائلة على التنظير واستحق تقديرا على ذلك أن يوصف بأنه أبو علم الكيمياء، نورد بعض المعطيات المدونة على موقع الموسوعة الحرة تعميما للفائدة: مأساة فرنسا بإعدامها أبو الكمياء انطوان- لوران دُ لافوازييه عاش ما بين 26 غشت 1743 - 8 مايو 1794م. هو أحد النبلاء الفرنسيين ذو صيت في تاريخ الكيمياء والتمويل والأحياء والاقتصاد. وهو أول من صاغ قانون حفظ المادة، وتعرّف على الأوكسجين وقام بتسميته (في عام 1778م)، وفنّد نظرية الفلوجستون، وساعد في تشكيل نظام التسمية الكيميائي. وعادةً يشار إلى لافوسيه بأنه أحد آباء الكيمياء الحديثة. تم إعدامه بعد قيام الثورة الفرنسية، بتهمة ترطيب تبغ الجيش خلال عمله في لجنة المعايير المترية، ورغم أنه لم يثبت عليه شيء وما زالت العبارة التي قيلت له في قاعة المحكمة : "الجمهورية ليست بحاجة إلى علماء بل بحاجة إلى عدالة" وصمة في تاريخ القضاء الفرنسي واستخفافاً مشيناً لعبقرية مثيلها نادر في التاريخ. بدأ محاميا ثم نال جائزة لابتكاره نظاما جديدا لإنارة الشوارع في باريس، وكان يقضي وقت الفراغ في الأبحاث الكيميائية، حيث يعرف بأبي الكيمياء الحديثة وهو مثل كثير من الناس قد درسوا علوماً أخرى غير التي برزوا فيها، فقد درس القانون، وحصل على شهادة علمية فيه، ولكنه لم يعمل بالقانون. التحق بالكثير من الوظائف المدنية، وكان بالغ النشاط في أكاديمية العلوم الملكية، كما أنه عمل في منطقة تحصيل الضرائب، ولذلك عندما قامت الثورة الفرنسية فقد ارتابوا في أمره. وحاكموه ومعه 27 عضواً من هذه المنظمة ومحاكمات الثورة لا تكون دقيقة بقدر ما هي عاجلة، وفي يوم 8 مايو سنة 1794 حوكموا جميعاً وأدينوا، وتقرر إعدامهم شنقاً ولكن زوجة لافوازييه سعت لإنقاذه..وكانت سيدة بالغة الذكاء وساعدته كثيراً في أبحاثه. وعند محاكمة لافوازييه تقدمت زوجته بطلب العفو عنه ورفض القاضي طلبها قائلاً "إن الثورة لا تحتاج إلى عباقرة". تم إعدام العالم الكيميائي الفرنسي لافوازييه بالمقصلة بسبب عدم تأييده لمنهجية الثورة الفرنسية وانقلابها من طغيان إمبراطوري إلى طغيان الهمجية الثورية .. ما قبل لافوازييه عندما ولد لافوازييه في باريس كان علم الفيزياء متخلفاً كثيراً عن علوم الكيمياء والرياضيات والفلك، وعلى الرغم من أن كثيراً من الحقائق الكيميائية قد اهتدى إليها العلماء فإن أحداً منهم لم يفلح في أن يصوغ هذه الحقائق في نظرية شاملة. وكان يعتقد في هذا الوقت خطأ أن الهواء عنصر. كما لم يفهم أحد مكونات النار، بل أن الفكرة الشائعة في ذلك الوقت كانت خاطئة جداً، كان يعتقد أيضاً أن كل المواد القابلة للاحتراق تتكون من مادة سميت "الفلوجيستون"، وأن هذه المادة تنطلق أثناء الاحتراق. وفي الفترة بين 1754 و 1774 أفلح عدد من الكيميائيين النابهين مثل جوزيف بلاك وجوزيف بريستلي وهنري كافنديش وغيرهم في فصل غازات هامة: كالأكسجين والهيدروجين وثاني أكسيد الكربون ولما كان هؤلاء العلماء قد سلموا بوجود مادة الفلوجيستون فإنهم لم يدركوا معنى المواد الكيماوية التي اكتشفوها، فكانوا يشيرون مثلاً إلى الأوكسجين على أنه الغاز الذي تجرد من الفلوجيستون، ولم يفهم أحد في ذلك الوقت لماذا يزداد احتراق عود من الخشب في غاز الأكسجين أكثر من احتراقه في الغاز العادي. ما بعد لافوازييه كانت تجارب لافوازييه من النوع الكمي بالدرجة الأولى. قام بتعيين تركيب حامضي "النيتريك والكبريتيك" وكان أول من أنتج الغاز المائي"" Water - Gas واخترع المغياز "" Gasometer وهو جهاز لقياس كميات الغازات يستعمل عادة في المختبرات. أدخل لافوازييه مصطلحات وأسماء كيميائية جديدة قبلها غيره من الكيميائيين وحلت محل النظام القديم. استطاع لافوازييه وحده أن يضم فتافيت الحقائق الكيميائية التي اكتشفت. ويصنع منها إطاراً متكاملاً. وأول ما فعله هو إنكار ما سماه العلماء بالفلوجيستون، كما أنه الوحيد الذي أكد أن الاحتراق معناه الاتحاد الكيميائي بين الأوكسجين والمادة المشتعلة، كما أن الماء ليس عنصر ولكنه اتحاد كيميائي بين الأكسجين والهيدروجين وكما أن الهواء ليس عنصر وإنما هو أيضاً مركب من غازين هما الأوكسجين والهيدروجين، وهذه الحقائق تبدو واضحة تماماً هذه الأيام. ولم تكن واضحة تماماً في عهد لافوازييه ولا الذين سبقوه، بل إن عدد من علماء عصره كالعادة لم يصدقوا ما أتى به لافوازييه بعد أن كشف لهم هذه الحقائق الجديدة، ولكن بعد أن أصدر لافوازييه كتابه الشهير مبادئ الكيمياء سنة 1789، أخذ الجيل الجديد من العلماء يقتنع بوجهة نظره. وبعد أن كشف لافوازييه أن الماء والهواء ليسا من العناصر، فإنه قد كتب قائمة بهذه العناصر الجديدة، ثم إنه أول من اتخذ للعناصر وللمعادلات الكيميائية رموزاً. وبمقتضى هذه الرموز أصبحت الكيمياء عالمية، ويمكن فهمها في كل لغة. مزيد من اسهاماته لافوازييه هو العالم المسئول عن جعل الكيمياء علماً دقيقاً، وذلك بإجراء تجارب شديدة الدقة والوضوح على التفاعلات الكيميائية. ساهم أيضاً بصورة متواضعة في دراسة علم الجيولوجيا وكذلك في علم وظائف الأعضاء. وهو الذي أثبت أن عملية التنفس هي عملية احتراق أيضاً، وبناء على ذلك فإن الكائنات الحية، الحيوان والإنسان، تستمد طاقتها من عملية احتراق بطيئة للمواد العضوية مستخدمة في ذلك الأكسجين الموجود في الهواء الذي نستنشقه. ولهذه الدقة والوضوح والقدرة الهائلة على التنظير استحق لافوازييه أن يوصف بأنه أبو علم الكيمياء. قوانين لافوازييه 1-- قانون بقاء الكتلة وينص على أن وزن مادتين كيميائيتين منفصلتين توازي وزن المادة الجديدة الناتجة من اتحادهما. 2-- ينص قانون حفظ المادة أن: المادة لا تفنى ولا تستحدث بل تتغير من شكل إلى شكل آخر