"الصمت المضلل" .. هذا توصيف أطلقه خبراء في التربية على ظاهرة يتمكن الأطفال من خلالها من الإيقاع بآبائهم في فخ الوهم أنهم يعيشون في أمن وسلام واطمئنان مع أجهزتهم الالكترونية. ويحس الآباء بالأمان وهم يرون طفلهم في غرفته بعيدا عن أشرار الشارع ومخاطره المختلفة، ويزدادون اطمئنانا حين يروه منشغلا بجهازه الالكتروني دون شغب ولا ضجيج ولا عراك ولا توترات ظاهرة. ولا يدرك الأبناء، أو أنهم يتناسون، أن طفلهم بحركاته الروتينية وتركيزه الشديد وصمته العظيم يبحر في أخطر وسط على حياة الأطفال عرفته البشرية. وفي ظل الانتشار الواسع للأجهزة الالكترونية المربوطة بالأنترنيت، يمكن تخيل حجم الأسر التي تعيش الوهم بسبب "الصمت المضلل" لأطفالهم. فما هي المخاطر التي ييواجهها الأطفال على الشبكة العنكبوتية؟ وما سبل وقايتهم منها؟ 33% من مستخدمي الإنترنت أطفال تقول "المفوضية الأوروبية" (European Commission) إن واحدا من كل 3 مستخدمين للإنترنت هو طفل، أي نحو 33% من مستخدمي الإنترنت في العالم أطفال، وهؤلاء الأطفال يدخلون إلى الإنترنت في سن أصغر من أي وقت مضى عبر مجموعة متنوعة من الأجهزة، وهم يقضون مزيدًا ومزيدًا من وقتهم على الإنترنت، ويتصفحون وسائل التواصل الاجتماعي، ويلعبون الألعاب، ويستخدمون تطبيقات الهاتف المحمول، ويحدث هذا في كثير من الأحيان من دون إشراف الكبار. وفي الحقيقة يمكن أن تكون شبكة الإنترنت شيئا رائعا للأطفال إذ يمكنهم استخدامها للبحث، ومساعدتهم في أداء واجباتهم المدرسية، والتواصل مع المعلمين والأطفال الآخرين، واستخدام الألعاب التفاعلية. مخاطر شديدة ولكن الوصول عبر الإنترنت يأتي أيضا مع مخاطر شديدة، مثل المحتوى غير اللائق، والتسلط والتنمر الإلكتروني الذي يواجهه العديد من صغار السن، والمحتالين عبر الشبكة الذين يتواصلون مع الأطفال باستخدام التطبيقات والمواقع التي يتفاعل فيها هؤلاء الصغار، وقد يتظاهر المحتالون بمظهر طفل أو مراهق يتطلع إلى العثور على صديق جديد، ويحثّون الطفل على تبادل المعلومات الشخصية، مثل العنوان المنزلي ورقم الهاتف، أو يشجعون الأطفال على الاتصال بهم والتواصل معهم تمهيدا لاستغلالهم والتغرير بهم. وهنا، يجب أن يكون الآباء على دراية بما يراه أطفالهم ويسمعونه على الإنترنت، ومن يلتقون وما يشاركونه عن أنفسهم، ولهذا يجب على الآباء والأمهات الحديث مع أطفالهم، ومراقبة أنشطتهم بدلا من الاعتقاد أنهم هادئون وآمنون في غرفهم. الصمت المضلل وفي هذا السياق، تحذر نيك ويتون، مديرة مدرسة "جيه إتش جودوين" الابتدائية في مدينة تشيستر البريطانية، من الهدوء الظاهري للأطفال وهم متصلون بالشبكة؛ فهذا "الصمت قد يكون مضللا" كما تؤكد ويتون في تصريحات لشبكة "بي بي سي" (BBC) التي نشرت أخيرًا تقريرا مطولا عن هذا الموضوع. وتوضح مديرة المدرسة التي تضم 180 تلميذا تراوح أعمارهم بين الرابعة والنصف إلى 11: "يمكن أن يصاب الأطفال بصدمة نفسية بسبب مقاطع الفيديو المروعة التي يشاهدونها على الإنترنت"، وتشرح السيدة ويتون أنها ترى "أطفالا لا تتجاوز أعمارهم 6 سنوات يلعبون ألعاب حاسوب ذات التصنيف 12 على الإنترنت.. لدينا حالات لأطفال يحتاجون إلى دواء للنوم، وهذا أمر مقلق جدا". وتضيف "بعض الأطفال الذين يأتون إلى المدرسة ينامون في الصف الدراسي ولا ينتبهون لدراستهم، لأنهم كانوا مستيقظين طوال الليل وهم يلعبون على أجهزتهم وهواتفهم. وبلغ الأمر ببعضهم تنظيم مسابقة على واتساب (WhatsApp) أيهم يلعب مدة أطول ويمكنه البقاء مستيقظا أطول وقت، وكان الفائز طفلا أرسل آخر رسالة في الساعة الرابعة فجرا". وبالإضافة إلى مشاهدة المحتوى غير اللائق عبر الإنترنت، أو السهر إلى وقت متأخر، يمكن أن يكون الأطفال المتصلين بالإنترنت عرضة للاعتداء الجنسي؛ ومثل هذه القضايا مألوفة للباحثة البريطانية المتخصصة بهذا الموضوع ريتشيل أوكونيل التي درست وحققت في عدد كبير من قضايا المتعلقة بإساءة معاملة الأطفال عبر الإنترنت، وعملت على تقنيات إحصائية لتحديد المعتدين، حسب ما ذكرت شبكة "بي بي سي" في تقريرها السابق. وفي سياق بحثها، دخلت إلى الإنترنت متظاهرة بأنها طفلة تبلغ من العمر 8 سنوات وليس لديها أصدقاء في المدرسة، وتريد تكوين صداقات جديدة عبر الشبكة، وفي الحقيقة فإن فهمها لعقلية "الحيوانات المفترسة" التي تطارد الأطفال يجعلها تؤكد أن "الأطفال الوحيدين غالبا ما يكونون هدفا". تزور السيدة أوكونيل في عملها العديد من المدارس، وتجد أن كثيرًا من الآباء ليس لديهم أدنى فكرة عن التطبيقات التي يمكن لأطفالهم الوصول إليها. وتوضح "يبدو أن وضع صور سيلفي عارية على الإنترنت قد أصبح من طقوس المرور الآن، وهو أمر لا يعرفه الآباء الذين لا يعرفون كيف يصبحون آباء على صعيد العالم الرقمي"، وهو ما يولد شعورا بالعجز والحيرة لديهم. إستراتيجية خاصة للتخلص من هذه الحيرة وهذا العجز، ولمعالجة هذه المشكلة الخطيرة وضعت المفوضية الأوروبية إستراتيجية خاصة للتعامل معها بهدف توفير بيئة آمنة للأطفال على الشبكة الدولية. وتسعى هذه الإستراتيجية إلى زيادة الوعي وتعزيز محو الأمية الرقمية بين القاصرين وأولياء الأمور والمعلمين، كما أنها تحارب مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال عبر الإنترنت من خلال شبكة خطوطها الساخنة (INHOPE). قوانين أمان الإنترنت وضعت الولاياتالمتحدة قانونا فدراليا خاصًّا لحماية خصوصية الأطفال على الإنترنت (COPPA)، ويسعى هذا القانون لحماية الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 13 عامًا عندما يكونون متصلين بالإنترنت، وهو مصمم لمنع أي شخص من الحصول على المعلومات الشخصية للطفل من دون معرفة أحد الوالدين بها والموافقة عليها أولا. ويتطلب القانون من المواقع والمنصات الإلكترونية توضيح سياسات الخصوصية الخاصة بها، والحصول على موافقة الوالدين قبل جمع أو استخدام المعلومات الشخصية للطفل، مثل الاسم أو العنوان أو رقم الهاتف أو رقم الضمان الاجتماعي، كما يحظر القانون أيضا على أي موقع أن يطلب من الطفل تقديم معلومات شخصية أكثر من اللازم للعب لعبة ما أو الدخول في مسابقة عبر الشبكة. أدوات الحماية عبر الإنترنت تتيح لك أدوات عبر الإنترنت التحكم في وصول أطفالك إلى مواد البالغين والمساعدة في حمايتهم من المحتالين عبر الإنترنت، ويوفر العديد من مزودي خدمة الإنترنت (ISPs) خيارات تحكم للوالدين. كذلك يمكنك أيضا الحصول على برامج تساعد في منع الوصول إلى المواقع وتقييد إرسال المعلومات الشخصية عبر الإنترنت، وهناك برامج أخرى لمراقبة نشاط الأطفال عبر الإنترنت وتتبعه، وذلك وفق ما ذكرت منظمة "صحة الأطفال" (Kids Health) الأميركية على منصتها. ولكن الأهم من حظر المواد والمواقع الخطرة هو تعليم أطفالك كيفية السلوك الآمن والمسؤول عبر الانترنت، وفيما يأتي نقدم لكم بعض الإرشادات الأساسية لمشاركتها مع أطفالكم وتعليمهم إياها من أجل الاستخدام الآمن عبر الإنترنت كما ذكرت المنصة السابقة. إرشادات أساسية لمشاركتها مع أطفالكم الإرشادات التالية يجب أن تكون واضحة لدى أطفالكم، حسب منظمة "صحة الأطفال"؛ تحدثوا معهم عنها دائما، وناقشوها واشرحوها لهم، وأجيبوا عن أسئلتهم بخصوصها مهما كانت ومن دون تذمر، فمن المهم أن يفهم طفلك المخاطر التي يواجهها عبر الشبكة الدولية، وهي: * اتبع قواعد الأسرة، وتلك التي وضعها مزود خدمة الإنترنت. * لا تنشر أبدا أو تتاجر بالصور الشخصية. * لا تكشف أبدا عن أي معلومات شخصية، مثل العنوان أو رقم الهاتف أو اسم المدرسة أو الموقع. * لا تشارك كلمات المرور مع أحد سوى والديك. * لا توافق أبدا على الاجتماع وجها لوجه مع أي شخص قابلته عبر الإنترنت من دون موافقة ولي الأمر و/أو إشرافه. * لا ترد أبدا على رسائل التهديد والتخويف التي تردك عبر البريد الإلكتروني أو في وسائل التواصل الاجتماعي، وأخبر والديك عنها فورا. * أخبر دائمًا أحد الوالدين أو أي شخص بالغ موثوق به عن أي اتصال أو محادثة كانت مخيفة أو مؤذية. مبادئ أساسية للإشراف الأبوي وفي هذا السياق ذكرت المنصة بعضا من المبادئ التوجيهية الأساسية للآباء: * اقضوا وقتا على الإنترنت مع أطفالكم لتعليمهم السلوك المناسب عبر الشبكة. * ضعوا جهاز الحاسوب في مكان عام حيث يمكنكم مشاهدة استخدامه، وليس في غرف النوم الفردية، وراقبوا أيضا أي وقت يمضيه أطفالكم على الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية. * ضعوا إشارة مرجعية على مواقع الأطفال المفضلة لسهولة الوصول إليها. * تحققوا من فواتير بطاقتكم الائتمانية والهاتف بحثا عن أي رسوم أخرى غير مألوفة لديكم. * تعرفوا على طرق الحماية عبر الإنترنت التي توفرها المدرسة لطفلكم، إن وجدت، وكذلك المراكز التدريبية والتعليمية التي يزورها أولادكم، أو منازل الأصدقاء أو أي مكان يمكن للأطفال فيه استخدام الحاسوب من دون إشرافكم. * تعاملوا مع طفلكم بجدية إذا أبلغ عن أي مضايقات يتعرض لها عبر الشبكة، فكثير من الآباء والأمهات يهملون مثل هذه الشكاوى من أطفالهم مع أنها قد تكون بالغة الخطورة.