القضاء سلطة مستقلة في أداء مهامها والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، و هو حجر الأساس في إقامة العدل بين جميع الناس، وإرساء قيم النزاهة والمساواة وتكافؤ الفرص والحفاظ على حقوق المواطنين ط، ثم أن استقلال القضاء وحصانته ضمانتان أساسيتان لحماية الحقوق والحريات . ولا يجوز لأية جهة وبأية صورة التدخل في عمل القضاة أو في شأن من شؤون العدالة وإلا اهتزت صورة القضاء، وبالتالي يتم التشكيك في استقلاله وعدم الثقة في أحكامه. فدولة الحق و القانون، تقاس باستقلال قضائها ، الذي يضمن الطمأنينة للمواطنين، وإرساء قواعد العدل والانصاف، ومحاربة الفساد والظلم وإقامة المساواة بين الناس. فالعدل، كما يقال، أساس الحكم. ولذلك فإن السلوك الأخلاقي للقضاة و معاونيهم ، له دور أساسي في توفير المحاكمة العادلة وشرعية القرارات الأحكام القضائية . كما أن فساد منظومة العدالة ، الناتج بصفة أساسية عن التدخل في عمل القضاة، له تأثيرات سلبية على استقلال السلطة القضائية وعواقب مباشرة بشكل عام على عمل مؤسسات الدولة، و إقامة العدل ومكافحة الفساد بما يحقق الأمن والاستقرار والطمأنينة في المجتمع ، حيث يخلق عقبة كبيرة أمام الحق في محاكمة عادلة ، وكذلك يقوض بشدة ثقة المواطنين في القضاء ، ويضعف قدرة القانون على ضمان حماية حقوق المتقاضين ، ويؤثر على مهام وواجبات قضاة النيابة العامة وقضاة الحكم والمحامين وغيرهم من المهنيين القانونيين. وجدير بالإشارة في هذا الصدد إلى أن بلادنا قد وضعت أسس و قواعد استقلال السلطة القضائية، وذلك من خلال ما يلي: أولا: الإطار الدستوري للمملكة المغربية الذي كرس مبدأ فصل السلط واستقلال القضاء، حيث جعل الفصل 107 من الدستور المغربي لسنة 2011 السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية، و الفصل 109 الذي منع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء؛ و أن لا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط، و الفصل 110 الذي أوجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون. كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها ، و الفصل 112 الذي حدد النظام الأساسي للقضاة بقانون تنظيمي، و ليس بقانون عادي ولا بمرسوم ، تفضيلا لهم و تمييزا لهم عن غيرهم من موظفي الدولة والمؤسسات العمومية ، و الفصل 113 الذي ينص على إحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية كمؤسسة دستورية للسهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولاسيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم . علما بأن هذا المجلس يرأسه الملك ( الفصل 115 ) . وبناء على ذلك ، قامت كل من وزارة العدل و المجلس الاعلى للسلطة القضائية و رئاسة النيابة العامة بتنسيق مع كل المتدخلين في مجال العدالة بالعديد من التدابير الرامية الى تنزيل المقتضيات الدستورية و القانونية المتعلقة بإصلاح و تحديث منظومة العدالة، بصفة عامة ، واستقلال السلطة القضائية بصفة خاصة . غير أن بعض العناصر في جهاز القضاء ، لم تستوعب هذا التوجه الإيجابي لعملية الإصلاح و تلك التراكمات الإيجابية التي ترمي إلى إرساء قضاء مستقل و نزيه ، حيث تعطي صورة سيئة عن مؤسسة القضاء بارتكابها أفعالا مخالفة للدستور و للقانون، لها تأثير مباشر على استقلال القضاء ، علما بأن هناك عددا كبيرا من القضاة ، نساء و رجالا ، يتصفون بالنزاهة والتجرد والكفاية والاستقلال ، يستحقون التقدير و الاحترام و الاعتراف بسلوكهم الأخلاقي النبيل و يجب تحفيزهم على صنيع أعمالهم. وحتى لا يمكن تبخيس أو نسف كل تلك المجهودات التي قامت بلادنا في مجال إصلاح منظومة العدالة منذ سنة 2016 ، ينبغي بكل حزم تطهير القضاء باستبعاد من تعلقت به شبهة فساد من المسؤوليات القضائية ، واتخاذ كل ما من شأنه ضمان وتعزيز استقلالية القضاء وحمايته من كل تدخل سافر ، وتدعيم نزاهة القضاة ، سواء كانوا قضاة للحكم أو قضاة النيابة العامة . كما ينبغي على القضاة التمسك باستقلالهم وعدم الرضوخ للتدخلات أو للتأثيرات غير المشروعة التي قد تمارس عليهم ، والاستناد في أحكامهم للقانون ومبادئ العدالة والإنصاف. فالهدف من استقلال القضاء هو تحقيق العدالة التي لا يمكن أن تتحقق في غياب أحد مقوماتها الأساسية وهو استقلال القضاة وحمايتهم من أي تدخل أو تأثير. الدكتور خالد الشرقاوي السموني أستاذ بكلية الحقوق بالرباط وبالمعهد العالي للإعلام والاتصال