أكد جلالة الملك في خطاباته السامية على أن دبلوماسية المملكة المغربية تتسم بالوضوح والطموح، وقد انعكس هذا على قضيتنا الوطنية وحققت الديبلوماسية المغربية إنجازات متعددة نجني ثمارها على جميع المستويات. الصحراء المغربية: محطات تاريخية قام الراحل محمد الخامس رحمه الله بزيارة تاريخية لمحاميد الغزلان إقليم زاكورة، سنة 1958 ووجه خطابا لساكنة الأقاليم الجنوبية من أجل الاستمرارية في استكمال مسلسل الوحد الترابية، وتجديد البيعة والولاء، وأعاد الحسن الثاني رحمه الله زيارة تاريخية أخرى رمزية لنفس المناطق وذلك سنة 1981. تخلت إسبانيا عن إقليم طرفاية سنة 1958. وإقليمسيدي إفني سنة 1969. وشرعت إسبانيا في وضع مخطط يجعل المناطق الجنوبية خاضعة لحكومة محلية تابعة للدولة الإسبانية. وقرر تنظيم استفتاء في الصحراء المغربية سنة 1974. ورفض المغرب بقوة هذا القرار محتجا على الدولة الإسبانية معبرا على قلقه مذكرا إياها بقرارات الجمعية الأممية للأمم المتحدة. كما أرسل المغرب مبعوثين للدول من أجل توضيح الحقيقة. كما قام المغرب بوضع الملف على أنظار محكمة العدل الدولية من أجل تبيان حقيقة الوضع القانوني للأقاليم الجنوبية. وذلك سنة 1975. ونفس الأمر تم على مستوى الجمعية العامة للأمم المتحدة بناء على قرار رقم 3292 الصادر سنة 1975. وصدر في نفس السنة الرأي الاستشاري للمحكمة مفاده أنه تاريخيا توجد روابط قانونية وولاء وبيعة بين سلاطين المغرب والقبائل التي تقيم بها. وبناء عليه قامت المملكة السعودية باسم الجامعة العربية بدعوة إسبانيا إلى إنهاء مشكل الصحراء المغربية سنة 1975، ونفس الأمر بالنسبة لمنظمة الوحدة المغربية في نفس السنة. وبعد التفاوض مع اسبانياوموريتانيا في قمة مدريد "القمة الثلاثية" تم الاتفاق على إشراف ثلاثي على الصحراء لمدة ثلاثة أشهر كفترة انتقالية، ثم انسحاب إسبانيا. وقرر المغرب بأمر من جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله تنظيم مسيرة خضراء لتحرير الصحراء المغربية. لكن للأسف تحرك النظام الجزائري في الاتجاه المعاكس ضد المصالح السيادية للمغرب. وذلك برفض المسيرة الخضراء، واعتماد مسيرة سوداء بطرد حوالي 350 ألف من المواطنين المغاربة مفرقين بين الأسر وحصل هذا بمناسبة عيد الأضحى المبارك، وما زالت تداعيات هذا الإجرام شاهدة على ذلك إلى يومنا هذا. بل أكثر من ذلك تسرب جنود جزائريين إلى قرية "أمكالة" بالقرب من مدينة اسمارة والحدود مع موريتانيا، لكن حسمت المعركة لصالح المغرب. وتم أسر جنود جزائريين للأسف الشديد. وهذه فضيحة تاريخية تبين بالملموس أن النظام الجزائري يريد أن يتوسع على حساب المغرب ولكن أنى له ذلك؟ راسل المرحوم الحسن الثاني الرئيس الجزائري بومدين يعبر عن قلق المغرب واندهاشه واستغرابه من هذا التصرف الجزائري ضد وحدة المغرب. رغم كل هذا قام النظام الجزائري بخطوة أكثر جرأة في مجال مواجهة المغرب وهو الإعلان عن الدولة الوهمية المزعومة والمسماة "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية". سنة 1976. لكن رد الراحل الحسن الثاني بما يلي: الدفاع بكل وسيلة ممكنة عن وحدة المملكة وضمان الأمن والهناء لشعبنا". وتم احتضان النظام الجزائري جبهة البوليساريو بتندوف، محاولا تدويل القضية، وتم إقرار استفتاء سنة 1988، الذي لم يتم نظرا لعدم التوافق في تحديد الهوية. واتخذ قرار أممي سنة 1991 من أجل وقف إطلاق النار بين الطرفين. الصحراء المغربية: التطور الدبلوماسي والتنموي إن تنمية الأقاليم الجنوبية مرتبط بالنموذج التنموي الذي رصدت له حوالي 85 مليار درهم. ولا يمكن أن نفصله على الجهوية المتقدمة ومشروع الحكم الذاتي الذي وصفته الأممالمتحدة بالمصداقية والجدية والواقعية والذي قدمه المغرب رسميا إلى الأممالمتحدة سنة 2007. ومنذ ذلك الحين تضاعف المجهود الدبلوماسي الرسمي والبرلماني والحزبي والنقابي والمدني، وتمت تعبئة الأمة المغربية من أجل قضيتنا الوطنية. باعتبار أن الثوابت الجامعة هي الدين الإسلامي السمح والوحدة الوطنية متعددة الروافد والملكية الدستورية والاختيار الديمقراطي. ومن تم أصبح الترافع من أجل قضيتنا الوطنية واجب وطني وديني. وهذا ما يتطلب التأهيل والتأطير والمواكبة انطلاقا من معرفة المعطيات التاريخية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والحقوقية، مع توفير الآليات الرقمية والمالية. وبذلك تم تحقيق نجاحات دبلوماسية مبنية على الوعي المجتمعي، والسعي إلى حل نهائي متوافق عليه. وقد ساهمت البحوث الأكاديمية في كشف الحقائق. وأصبحت الأقاليم الجنوبية تستقطب استثمارات كبيرة خاصة بعد تأمين العبور بمعبر الكركرات من قبل القوات المسلحة الملكية بأمر ملكي، والذي يشكل اليوم عبورا تنمويا يجمع بين قارتين أوربا وإفريقيا. وتم فتح القنصليات داخل مدينتي العيون والداخلة، واعترفت الولاياتالمتحدة بمغربية الصحراء وسيادته على أراضيه. وبدأت مجموعة من الدول تؤكد ذلك نحو إسبانيا وألمانيا واللائحة تطول. لقد أصبح النداء الملكي هو القاعدة الأساسية للتفاوض والذي عنوانه الأكبر "التفاوض ليس على الصحراء ومغربيتها لكن من أجل حل سلمي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل". لذلك أكثر من مئة دولة على المستوى العالمي تؤكد على جدية مشروع الحكم الذاتي. وأصبح مجلس الأمن يصوت إيجابا على التقارير المتعلقة بالصحراء المغربية خاصة بعد 2007. ومما أعطى للدبلوماسية المغربية نفسا قويا هو الخطابات الملكية التي تعتمد الوضوح والطموح" نقول لأصحاب المواقف الغامضة والمزدوجة بأن المغرب لن يقوم معهم بأي خطوة اقتصادية أو تجارية لا تشمل الصحراء المغربية". وقد أقرت الأممالمتحدة استمرارية الموائد المستديرة التي تؤكد على أن الجزائر طرف أساسي في هذه القضية وليس ملاحظا كما تدعي. وقد تطور الجانب الحقوقي بأقاليمنا الجنوبية. عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي انسحب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية احتجاجا على إقحام البوليساريو في المنظمة بإيعاز من النظام الجزائري وذلك سنة 1984. لكن رغم ذلك لم يقطع علاقته بالدول الإفريقية ووقع أكثر من 1000 اتفاقية مع هاته الدول. لكن في سنة 2017 عاد المغرب إلى الاتحاد الإفريقي ووجه جلالة الملك خطابا تاريخيا، بأديس أبابا بأثيوبيا في القمة 28 للاتحاد الإفريقي. ومنذ ذلك الحين حقق المغرب إنجازات دبلوماسية وتنموية على المستوى الإفريقي، وانعكس هذا على مستوى القضية الوطنية. فالجزائر معنية بالمسار السياسي لقضيتنا الوطنية، وتم تغييب مصطلح استفتاء، واستحضار التوافقية والواقعية، والبحث عن حل عملي برغماتي. مع إعطاء أولوية لمبادرة الحكم الذاتي. وتم دعم المائدة المستديرة منذ سنة 2019. وتم تعزيز شرعية ممثلي الأقاليم الجنوبية مما غيب فكرة البوليساريو الممثل الوحيد. وتشكل ساكنة الأقاليم الجنوبية الوحدويون حوالي 80 في المئة، والباقي محتجز عند النظام الجزائري. ويعانون الويلات من مليشيات الجزائر والبوليساريو. والتقارير الدولية تثبت ذلك. وقد تجاوزت تقارير الاتحاد الإفريقي الإساءة إلى وحدتنا الترابية، نظرا لحضور المغرب اليقظ والفعال. خاصة تقرير مجلس السلم والأمن للاتحاد الافريقي الصادر سنة 2019. ومن أهم الإنجازات الدبلوماسية القرار رقم 693 في القمة 31 للاتحاد الإفريقي يومي 1 و2 يوليوز 2018، بنواكشوط بموريتانيا. مفاده أن قضية الصحراء المغربية قضية حصرية للأمم المتحدة. مع تشكيل لجينة من الرؤساء لتتبع القرارات الأممية المتعلقة بقضية الصحراء والمساعدة في تنزيلها. لقد أكد مجلس حقوق الإنسان بجنيف في قراره الصادر بالدورة 433 مارس 2020. وجاهة مشروع الحكم الذاتي. البرلمان الإفريقي البرلمان الإفريقي جهاز من أجهزة الاتحاد الافريقي، مقره بدولة جنوب إفريقيا وقد انطلقت أشغاله ابتداء من سنة 2004. وكون البرلمان المغربي ممثلا في هذه المؤسسة القارية، فقد كان منسجما مع الدبلوماسية الرسمية التي يقودها المغرب على مستوى الاتحاد الافريقي، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية البرلمان. ومن أجل ذلك كان الحضور فاعلا في كل الجلسات، وملء كل الفراغات التي عمرت ردحا من الزمن، مع إحباط كل المحاولات البئيسة للخصوم. وتم انعقاد لجنتين بالبرلمان المغربي. من لجان البرلمان الإفريقي. وسجل الوفد حضورا متميزا برواندا، وبمصر وغيرها من الدول. لقد استطاع الوفد المغربي الحصول على مناصب داخل هياكل المنظمة، التي أهلتهم لتمثيل البرلمان الإفريقي في مهمات دبلوماسية داخل إفريقيا وخارجها. كما شكل حضوره إضافة نوعية باللقاء الذي جمع بين البرلمان الأوربي والافريقي بالكود ديفوار. وبدعوة من المغرب حضر رئيس البرلمان الإفريقي أكثر من مرة ليتعرف على المغرب ويعيش الحقيقة التي يغيبها خصوم وحدتنا الترابية. لقد أدخلنا مصطلح "محتجزين" إلى البرلمان الافريقي بدل اللاجئين، لأنه شتان بين المصطلحين من الناحية القانونية وما يترتب عن ذلك. لذلك رفض النظام الجزائري إحصاء ساكنة المخيم الذي طالبت به المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وقد استطاع أن يتمكن المغرب من منصب النائب الثاني للأمناء العامين على المستوى الإفريقي في إطار جمعية الأمناء العامين للبرلمانات الإفريقية. كما قام الوفد المغربي بإزاحة خصوم الوحدة من المناصب بالبرلمان الإفريقي بالتنسيق مع الدول الشقيقة التي تريد الخير للمنظمة. كما تم تأسيس المنتدى البرلماني لدول إفريقيا وأمريكا اللاتينية والكرايب سنة 2019 بالرباط. لكن للأسف يعيش البرلمان الإفريقي حاليا أزمة رئاسة لأن النظام الجزائريوجنوب إفريقيا يعرقلون الانتخابات الرئاسية لأنها كانت محسومة لصالح من يريد الخير لإفريقيا ضد من يوظف الطروحات التقليدانية القديمة التي تجاوزها الدهر. ونتمنى أن يعي النظام الجزائري أن الأمور تغيرت وما عليه إلا أن يقر بالحقيقة ويفكر في مصلحة الشعب الجزائري أولا وعلاقات الجوار والمصلحة العامة والتعاون مع الجميع في إطار العيش المشترك والتعاون على التحديات الجديدة التي أفرزتها كورونا، وغيرها من التحديات. خلاصة القول أصبح المغرب محط أنظار العالم نظرا لدبلوماسية الوضوح والطموح التي أصل لها جلالة الملك، والتي تتسم بالوسطية والاعتدال والمنخرطة في القضايا الاستراتيجية التي تهم العالم، مما جعله قبلة لمجموعة من الدول على مستوى القارات العالمية. مما انعكس إيجابا على وحدتنا الترابية.