أضحت قضية تحقيق المساواة الفعلية بين المرأة و الرجل أهم إنشغالات الحكومة المغربية ،وبالتالي محاربة شتى أنواع التمميز و العنف المبنية على النوع الإجتماعي، أصبحت خيار مجتمعي يظهر العديد من الآليات و الوسائل لرفع الحيف عن النساء و جعلهم رافعة من أجل ترسيخ الديموقراطية و تحقيق التنمية الشاملة . إن هذا التوجه الذي إلتزم به المغرب أمام المجتمع الدولي، هيأ لنا الطريق لترسانة دستورية تعتبر بمثابة إنتصار نوعي في مسار المرأة المغربية ، هو ما يبرز بوضوح من خلال الباب الثاني من الدستور المغربي لسنة2011 ،المتعلق بالحريات و الحقوق الأساسية و ذلك من خلال : الفصل 19: الذي أقر مبدأ المساواة الكاملة بين الرجل و المرأة ، كما بين من خلاله المشرع المغربي أن تحصين هذا المكتسب الدستوري يفرض إحداث هيأة للمناصفة و مكافحة كل أشكال التمييز بهدف تجاوز الصورة النمطية و الدونية تجاه قائدات التنمية . إن ولادة دستور مغربي من خضم رؤية متبصرة و شاملة لحقوق الإنسان و كيفية ضمانها،جعله يكرس لنا من خلال الفصل 22: عدم الجواز بلمس السلامة الجسدية أو المعنوية ،لأي شخص( ذكرا أو أنثى )، في أي ظرف ،تحت أي ذريعة ، يعني بوضوح أن هذا الحق مضمون من طرف أسمى وثيقة بالبلاد بشكل مطلق. تحصينا لهذه الحصيلة القانونية ،إن حماية المرأة من جميع أشكال التمييز و العنف يعتبر ركيزة أساسية في تمكينها من التمتع بحقوقها و حريتها على أكمل وجه ، و مع تزايد نسب ظاهرة العنف ، قرر المشرع المغربي الإستجابة للحركة الحقوقية المغربية التي نادت و منذ سنين بوجوب توفير جميع أشكال الحماية للنساء ضحايا العنف . إذن نتيجة العديد من الإصلاحات القانونية و الإجراءات التي همت مجال حقوق المرأة في السنين الأخيرة ، جاء إصدار القانون 103.13 الخاص بمحاربة العنف ضد النساء في سنة2018 ، في مرسومه التطبيقي 856.18.2 و نشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 2ماي2019 حسب تقرير المندوبية السامية للتخطيط الصادر يوم8 مارس 2021.إن سنة 2019 عرفت تعرض أكثر من 7.6 مليون إمرأة ،أي %57.1 من النساء تعرضن لشكل واحد على الأقل من العنف بغض النظر عن السياق أو الأسباب .أمام هذا الرقم المخيف ، خصوصا أنه يقابل تراكم قانوني مهم يبقى السؤال حول القانون103.13مفتوحا ، كما تبرز لنا إستعجالية وجوب الترافع عن قانون أكثر وضوح و صرامة . القانون 103.13 و العنف الرقمي : تطرق هذا القانون في بابه الأول إلى تعريف العنف و أنواعه ،وجاء هذا بهدف رفع اللبس عن المعنى ،وكذا تجنب التأويلات ، حيث إعتبر أن العنف هو كل فعل مادي أو معنوي أو إمتناع أساسه التمييز بسبب الجنس و يترتب عنه الضرر الجسدي ،النفسي ،الجنسي و الإقتصادي للمرأة . و قد إعترف هذا الباب الأول بكل من العنف الجسدي ،الجنسي ،النفسي ،والإقتصادي ،في غياب تام للعنف الرقمي كشكل من أشكال العنف التي تمارس على النساء ،خصوصا مع الغزو التكنولوجي للحياة اليومية. فالعنف الرقمي هو أي فعل من أفعال العنف التي تستخدم في إرتكابها الوسائل التكنولوجية. إن التوفر على نص قانوني يعرف بوضوح مفهوم العنف الممارس عبر الأنترنيت و يعالجه كجريمة خاصة سيمكننا من حماية النساء ضحايا هذا العنف ،لاسيما أن هذا النوع بالخصوص يسبب مختلف أنواع الأضرار الجسدية و النفسية ، و الجنسية(قد ينتج إستغلال الضحية جنسيا )، كذلك الأضرار الإجتماعية لأن النساء ضحايا العنف التكنولوجي يتعرضن للرفض الأسري و المجتمعي . إدماج مفهوم العنف الرقمي في قانون حماية النساء ضحايا العنف يتطلب العديد من التعديلات الأخرى : النص على إنشاء هيئة وطنية مسؤولة عن الإشراف على أمن المواطنين على الأنترنيت ،ستساهم في منح جميع الإرشادات العامة الخاصة بالضحايا و مواكبتهم حتى مرحلة التبليغ . فرض الكشف عن الهوية عبر الأنترنيت فيما يخص الدعوات القضائية ، وذلك لتجنب الإفلات من العقاب بمبرر سرية المعطيات الشخصية . تأطير قانوني كامل لحماية القاصرين ،خصوصا السماح لأوليائه بوضع حد سريع للأذى الذي إرتكب في حق إبنهم (في حالات نشر الصور و الفيدوهات التي تمس بالحياة الخاصة للأفراد) . القانون 103.13 و التبليغ عن العنف : أظهرت نتائج البحث الوطني الثاني الذي أنجزته وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة ما بين 2 يناير و10 مارس 2019 ،والذي شمل عينة تتكون من 13543 امرأة تتراوح أعمارهن بين 18 و64 سنة، أن من بين 10937433 امرأة(11 مليون تقريبا) ، 2.28 بالمائة من النساء ضحايا العنف هن فقط من صرحوا بتعنيفهم. أما فيما يتعلق بتقديم الشكايات فبقيت جد ضعيفة إذ لم تتجاوز 6.6 في المائة. وتعتبر النساء المطلقات أو الأرامل ضحايا العنف، هن الأكثر مبادرة لتقديم شكاية في شأن العنف، حيث أن 3.29بالمائة قدمنها، على خلاف النساء ضحايا العنف في الأوساط الأخرى. إنطلاقا من هذه الأرقام المقلقة جدا ،يتبين أننا فعلا نحتاج لفرض إجبارية التبليغ ،ليصبح عدم التبليغ عن العنف جريمة يعاقب عليها القانون . إجبارية التبليغ ستساهم لاسيما في نشر هذه ثقافة ، فضلا عن المساهمة في رفع نسبة التصريح بالعنف المبني على أساس النوع الإجتماعي، وبالتالي التنزيل الفعلي لمقتضيات الجزر في هذا القانون . القانون103.13 و المقاربة النفسية للناجيات من العنف : إن لجميع أشكال العنف ضررا نفسيا على حالة الناجية ، و هذا ما يجعل المقاربة النفسية للمرأة المعنفة ذات تأثير حاسم في مسار التكفل . فالمسار الذي تقطعه المعنفة في التبليغ و المتابعة القضائية يواجه عدة تحديات من شأنها إضعاف الضحية و إحباطها ،لذلك يتطلع إلى : إحداث نظام الشباك الواحد ،أي بما معناه تجميع جميع الخدمات الضرورية المرور (صحية . قضائية .و إجتماعية ) في موقع جغرافي واحد ،وبالتالي هذا سيساهم في تقليل الضرر النفسي ، فحكيها لقصتها سيكون مرة واحدة ،عوض عدة مرات من شأنها تعميق الأذى النفسي لها .كذا هذا سيراعي الجانب المادي الذي في أغلب الأحيان يكون السبب لرئيسي لتخلي الناجية عن المتابعة القضائية . إجبارية تلقي العلاج النفسي للناجية ،كذا الحضور الإجباري لأخصائي نفسي أثناء حصص الإستماع و التبليغ . القانون 103.13و خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف : إن إحداث خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف الذي تنص عليه المادة 10 من الباب الرابع، قد عرف إنخراطا حقيقيا للمحاكم و كذا الأجهزة الأمنية ،بما فيها المديرية العامة للأمن الوطني و القيادة العليا للدرك الملكي . إلا أنه يجب يجب فرض الإنتقاء في أعضاء هذه اللجن ،حيث يستوجب فيهم الإيمان الشامل بقضية المرأة و كرامتها . كما يجب أن يتلقى أعضاء اللجنة تكوينا نفسيا دقيقيا في كيفية التعامل مع هذه الشريحة التي تكون في أبشع حالاتها النفسية في تلك الفترة . علاوة على وجوب توفير المداومة لهذه اللجن في أيام نهاية الأسبوع و العطل الدينية و الوطنية ،مراعاة لمن يتعرضن للعنف في هذه الأوقات . القانون 103.13 و الإغتصاب الزوجي : في المغرب، لا وجود لنص قانوني يُجرّم الاغتصاب الزوجي، على الرغم من تجريم الاغتصاب بصفة عامة، وفق الفصل 486 من القانون الجنائي المغربي، ويعرّف بأنه "مواقعة رجل لامرأة من دون رضاها، ويُعاقَب عليه بالسجن من خمس إلى 10 سنوات". إن أغلب قضايا يتم المتابعة فيهم بتهمة هتك العرض و ليس الإغتصاب الزوجي ، ويجرّم الفصل 485 من القانون المغربي هتك العرض بالعنف، وأنّ كل رجل يهتك أو يُحاول هتك عرض امرأة بالعنف، يُعاقَب بالسجن من خمس إلى 10 سنوات من دون استثناء مَن تربطهم العلاقة الزوجية. إن وجود قانون يحارب العنف من المهم أيضا ، أن يقر أن الإغتصاب الزوجي شكل من العنف المسكوت عنه ، بكل بساطة لأن المعاناة التي يتسبب فيها هذا الأخير أعمق ألما بل و ضررها يدوم لسنوات و إعتبارا أن أي علاقة بين الرجل و المرأة يجب أن تتسم بالرضائية بغض النظر عن السياق أو الإطار الذي يؤطرها ،و غير ذلك فهو تعنيف و مساس بالسلامة الجسدية و المعنوية للضحية . القانون 103.13 و الحق المدني : في ظل الإعتبارات الثقافية للمجتمع المغربي ،الذي فيه تلعب الوساطة الأسرية دورا محوريا، و لأن لا وساطة في العنف ،يجب عند تنازل الضحية عن الشكاية ،متابعة المتهم بالحق المدني من طرف النيابة العامة وذلك لتعزيز الجزر لكون العنف ليس فقط مساس بسلامة الأفراد ولكن خرق صريح لهذا الحق الدستوري الذي يضمنه الفصل 22 . فالمتابعة المدنية في قضايا العنف ستستاهم في خفض معدلات العنف و كذا ستكرس لمبدأ الحماية و جبر الضرر بمعناهما الفعلي . إن القانون 103.13 لمكافحة العنف ضد النساء يجب أن يشكل قانونا في حد ذاته ،و أن يستجيب للمعايير الدولية ،كذا أن يكتسب مرجعية متماسكة وواضحة في إعتماد مقاربة النوع الإجتماعي من منطلق حقوق الإنسان . ولاسيما الإهتمام في مقتضياته بالوقاية ،الحماية و جبر الضرر . و من الحتمي أن يشكل ترسانة قانونية تنص على محاسبة السلطات المختصة التي لا تحترم مقتضياته أو تمتنع عن تنفيذها . * كنزة سمود / صحفية، طالبة باحثة في علوم الإعلام والتواصل