كشف تقرير رسمي حديث عن أوجه قصور تعوق تحويل المغرب لتراثه الثقافي إلى ثروة مادية من أجل جعله محركا حقيقيا للتنمية، مشيرا إلى أن التراث والإرث الثقافيان المادي وغير المادي لا يحظيان بتثمين كاف وتظل الوسائل المعبأة لتطويرهما محدودة جدا. وأوصى المجلس بتعيين شخصية اعتبارية وطنية وفي منصب سيد (ة) التراث من أجل تدبير هذا المجال. وأشار المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ضمن رأي حول "من أجل رؤية جديدة لتدبير التراث الثقافي وتثمينه"، إلى أن ما يفسر هذه الوضعية هو ضعف الجهود في مجال الجرد والتصنيف وعدم إشراك المجالات الترابية والقطاع الخاص على مستوى تخطيط وتثمين وتدبير التراث الثقافي وغياب تملكه من طرف المجتمع المدني والساكنة، علاوة على التأخر المسجل في مجال استخدام التكنولوجيات والرقمنة. جرد ضعيف فيما يخص جرد التراث الثقافي المادي وغير المادي الذي يصل رصيده التوثيقي إلى 10153عنصرا تراثيا حسب القطاع الحكومي الوصي، فقد لاحظ مجلس الشامي، أن حجم التراث المادي المنقول الذي تم جرده يظل ضعيفا مقارنة مع التراث المادي غير المنقول المحصي، وخلافا لما هو معمول به في تجارب دولية رائدة، ذلك أن التراث الثقافي غير المادي يستحق جهودا أكبر في عملية توثيقه بالنظر صوصياته التي تطبعها الهشاشة وسرعة التلاشي. غياب رؤية كشف تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن المغرب لا يتوفر بعد على إستراتيجية للمحافظة على التراث الثقافي وتثْمينه. كما أن رؤية 2020 التي تم إعدادها في 2021 لم تُعتَمْد لحد الآن بكيفية رسمية، مضيفا أن القانون رقم 22.80 المتعلق بالمحافظة َ على المبَاني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات، لا يواكب التطورات التي يشهدها العالم وبلادنا في مجال تعريف وتصنيف وحفظ التراث وتثمينه. ميزانية ضعيفة سجل التقرير الذي تتوفر "العمق" على نسخة منه، ضعف الموارد المالية العمومية المرصودة للتراث الثقافي بالمغرب وغياب واضح للموارد المالية ولمسالك التمويل البديلة، حيث أشار إلى أن ميزانية قطاع الثقافة لا تمثل سوى حوالي 0.3 في المائة من الميزانية العامة للدولة، موضحا أنه في سنة 2021 توزعت هذه الميزانية ما بين 480 ليون درهم لاستثمار و450 مليون درهم للتسيير. ولاحظ المجلس، أنه بالرغم من أن القسم الأكبر من رقم معاملات السياحة يعود الفضل فيه إلى التراث الثقافي، إلا أن هذا الأخير لا يستفيد من هذه العائدات، مشيرا في هذا الإطار إلى الاقتراح المقدم في إطار وثيقة "رؤية التراث "2020والذي يتجلّى في تخصيص ُجزٍء من ّ الضريبة السياحية لفائدة حماية التراث الثقافي (10 في المائة) والتي لم تر النور بعد. وأوضح مجلس الشامي، أنه من أجل تدارك هذا الخصاص في التمويل، برزت العديد من مسالك التمويل الجديدة التي لم تعرف طريقها بعد إلى التنفيذ، منها على سبيل المثال اقتطاع نسبة معينة من رقم معاملات ألعاب الرهان، أو التمويل الجماعي، أو خلْق حَوافز ضريبية في إطار الشراكة بين القطاعين ّ العام والخاص. وبحسب المصدر ذاته، فإن الاقتراح الذي تتضمنه رؤية 2020 للتراث الثقافي المغربي، باقتطاع نسبة 0.5في المائة َ على مبيعات الرهان الحضري المتبادل بالمغرب PMUM لفائدة التراث، لم يُتَرجم على أرض الواقع بعد، مشيرا في السياق ذاته، إلى غياب نظام قانوني خاص بالرعاية الثقافية بالمغرب وفي هذا الإطار، لفت تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إلى أنه في فرنسا، على سبيل المثال، يتم تنظيم هذا النوع من الرعاية من خلال «جمعية تطوير الرعاية الصناعية التجارية» التي تؤطر وتدعم وتشجع المقاولين، بما فيهم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، على أعمال الرعاية التي يقومون بها لفائدة التراث الثقافي، مبرزا أن انعدام الاستقلالية الإدارية والمالية للبنيات التراثية يُشكل عائقاً أمام تلقيها التمويلات بكيفية مباشرة من الجهة الراعية. الخوصصة وأشار التقرير إلى أن العديد من البلدان قد لجأت إلى تفويض تدبير أجزاء معينة من التراث الثقافي إلى القطاع الخاص. وعلى سبيل المقارنَة، عملت البرتغال على تفويض تراثها التاريخي إلى مجموعات خاصة بهدف تنْويع عرضها واجتذاب الزوار على مدار السنة. وفي فرنسا، هناك شركات خصوصية تدير بصورة مبَاشرة بنيات تراثية. كما ينْصّب التدبير الخاص للتراث الثقافي على مجموع سلسلة القيمة، بدءا من الاستقبال وحجز التذاكر والبَرمجة الثقافية، إلى المتجر المكتبة وقاعة الشاي والمطعم والحامل الرقمي. وشدد التقرير، على أن اعتماد أنماط التدبير المفوض من شأنه أن يساهم في تحسين جودة الخدمة، بدءاً من الاستقبال إلى الجولة التي يقوم بها الزائر. كما أن هذه الصيغة ستسمح للدولة بالتركيز على المهام الأساسية ذات القيمة المضافة العالية، مثل المحافظة الوقائية والصيانة والجرد واقتناء المجموعات ذات القيمة التراثية والبحث العلمي. السياحة الثقافية ويرى مجلس الشامي، أن التراث الثقافي، في حالة تدبيره بصورة جيدة، من شأنه خلق آثار سوسيو اقتصادية إيجابية بالنسبة للجماعات والمجالات الترابية. وتهم هذه الآثار الإيجابية المباشرة أو غيْر المباشرة للتراث بقطاعات السياحة والصناعات التقليدية والنقل والمطعمة والترفيه والمهرجانات. وحسب مهنيي القطاع، فإن السياحة الثقافية ذات المكون التراثي القوي، تمثل حصة لا يُستهان بها من حصص الرحلات الدولية، وتسجل ارتفاعاً متزايداً، وفي المغرب، يتم تحقيق 80في المائة من المبيتات في عدد من الوجهات الثقافية، والتي تمثل 70 في المائة من الطاقة الاستيعابية. ولاحظ المجلس، أن السياحة الوطنية لا تستثمر كافة الإمكانات التي ينْطوي عليْها تراثنا الثقافي، حيث تكشف بعض المعايَنات عن وجود أوجه قُصور على مستوى التخطيط، مما يحد من عائدات الاستثمار. تدريس التراث الثقافي وبالرغم من تسجيل بعض التحسن في إدراج المحتوى التراثي الثقافي في بعض الكتب المدرسية، لاحظ أن تدريس التراث الثقافي، على أهميته في حفز الشعور بالفخر بالهوية لدى المتعلّمين، لم يحظ بالمكانة التي يستحقها على مستوى البرامج الدراسية بكيفية ممنهجة ومنتظمة ومندمجة مع المحتويات البيداغوجية المتعلقة باللغات والعلوم، وهذا فضلا عن أن المدرسين يُعانون من نقص في التكوين في العديد من المواد التراثية. ضعف جاذبية العرض التراثي سجل التقرير، أن عدد المتاحف العمومية والخاصة في المغرب يظل محدودا إذ لا يتجاوز 80 متحفا 39 تتمركز غالبا في المدن الكبرى. ويرى المجلس أن تجميع بعض المتاحف الموضوعاتية مثل متاحف الصناعة التقليدية والعلوم، سيمكنها من لعب دور الرابط للتقليد والحداثة. سيد التراث من ضمن التوصيات التي اقترحها مجلس الشامي ضمن تقريره، حول التراث الثقافي بالمغرب، أوصى بتعيين شخصية اعتبارية وطنية وفي منصب سيد (ة) التراث في إطار هذا التدبير المشترك، باعتبارها شخصية مستقلة تعرف بالتزامها الم واطن بقضايا التراث، وتتوفر على قدرات على التأثير والتحسيس، معترف بها على الصعيد الدولي. وستسند إلى هذا المسؤول(ة) مهام تطوير التراث الثقافي والمساهمة في تنويع مصادر التمويل والتحسيس بأهمية حماية الرصيد التراثي الوطني وتثمينه، وكذا التنسيق بشأن تنزيل الإستراتيجية الوطنية وتنفيذها على الصعيد الجهوي.