خلال السنوات الأخيرة تزايد الاهتمام الذي يوليه المغرب بتراثه الثقافي، بشقّيه المادي وغير المادي، وتمكن من تسجيل عدد من المواقع الأثرية والأنماط الثقافية في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، غير أن ما تحقق لحد الآن في هذا المجال يبقى دون مستوى الطموحات. وكشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، من خلال رأي حول تدبير التراث الثقافي وتثمينه، قدمه مساء الجمعة، أن التراث والإرث الثقافيين، المادي وغير المادي، "لا يحظيان بتثمين كاف، وتظل الوسائل المعبّأة لتطويرهما محدودة جدا"، مشيرا إلى أن مسألة التراث "كانت تُتناول دائما بصورة معزولة ووفق حكامة مجزأة". واعتبر المجلس الاقتصادي أن المغرب لم يستطع بعد تحويل تراثه الثقافي إلى ثروة مادية تجعله محركا حقيقيا للتنمية، مفسرا سبب عدم النجاح في تحقيق هذا المسعى بوجود "عدة أوجُه قصور، لا سيما ضعف الجهود في مجال الجرد والتصنيف، وعدم إشراك المجالات الترابية والقطاع الخاص على مستوى تخطيط وتثمين وتدبير التراث الثقافي، وغياب تملّكه من طرف المجتمع المدني والساكنة، علاوة على التأخر المسجل في مجال استخدام التكنولوجيا والرقمنة". ورصد المجلس عددا من أوجه الضعف التي تعيق استغلال كافة الإمكانات التي يختزنها التراث الثقافي الوطني، مسجلا عدم توفر المغرب بعد على استراتيجية للمحافظة على التراث الثقافي وتثمينه، إضافة إلى عدم اعتماد رؤية 2020 لحد الآن بكيفية رسمية، رغم إعدادها منذ سنة 2014. وقدمت المؤسسة سالفة الذكر، في تقريرها الموسوم ب"من أجل رؤية جديدة لتدبير التراث الثقافي وتثمينه"، جملة من التوصيات من أجل تعزيز "الأمن التراثي"، والتثمين التنموي والإبداعي للتراث الثقافي، حيث دعت إلى مضاعفة الجهود وتحسين الحكامة وتعزيز وتعضيد الموارد المادية والبشرية لمختلف المتدخلين في هذا القطاع. وفي هذا الإطار سجل المجلس عدم كفاية إشراك المجالات الترابية والقطاع الخاص على مستوى تدبير التراث الثقافي وتثمينه، والتأخر في مجال استخدام التكنولوجيات والرقميات، لما لها من أهمية في التعرف على التراث الثقافي والتعريف به، وتسهيل تملكه ونقله إلى الأجيال الحالية والمستقبلية، وخاصة الشباب. وأوصى المجلس الاقتصادي بتزويد السلطات العمومية المكلفة بالتراث الثقافي بالخبرات والوسائل الكفيلة بوضع خارطة للتراث، وجرده والمحافظة عليه. كما أوصى ب"إيلاء أهمية خاصة لوضعية المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، وتطويره في اتجاه مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلالية المالية". وعلى صعيد التعاون المؤسساتي، أوصى المجلس بالرفع من حجم الشراكات بين المؤسسة الوطنية للمتاحف وجامعي التحف من الخواص، بغية تحسين عرض المتاحف وضمان انفتاحها على المجتمع وربطها بالبحث العلمي. وعلاقة بذلك، أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي بضمان تمويل وطني مستدام، وتنويع مصادر التمويل باللجوء إلى الشراكة بين القطاعين العام والخاص والقطاع الثالث، قصد المحافظة على التراث وإعادة تأهيله وتثمينه.