لقد استطاع الفلاسفة و المفكرون منذ قديم الزمان تطوير المفاهيم السياسية بما يتماشى مع الواقع و متغيراته، فالإنسان الذي يعتبر مركز الكون ينزع بطبيعته نحو تحقيق كينونته الممثلة في حياة أفضل بعيدا عن السلطوية و القهر الإجتماعي ، الشيء الذي جعل الدارس لمسار الفكر السياسي الإنساني يلحظ ذلك التطور النوعي المفاهيمي في العلاقة بين السلطة و النخبة و المجتمع. و إذا كانت النخبة تؤدي دورها في تنوير المجتمع من خلال إنتاجاتها الفكرية ، فإن خط التدافع ظل منذ القدم ينتج نخبة أخرى تعمل على تحريف الفكرة لتجعل عموم الشعب على وفاق مع الإستبداد المغلف بالديموقراطية الكاذبة ، لكن الحقيقة التي تصدح دوما و يعلمها الجميع هي أن دوام الحال من المحال ، و أن النصر دائما كان حليف التنويريين في مجتمعاتنا الإنسانية . لقد تطور التجمع الإنساني الذي شكل القبيلة ، حيث أضحى تكاثر نوعه يتطلب اجتهادات فكرية أنتجت الدولة التي بدورها ستنحو إلى الإمبراطورية ذات الرقعة الجغرافية المترامية الأطراف ، ليثبت بذلك الفكر السياسي الإنساني قابليته للإنتقال من فكرة الزعيم القبلي إلى رئيس دولة المؤسسات ، و من ثم إلى الإمبراطور كتوجه سياسي تدبيري لشؤون الناس ، حيث و جدنا أن الإمبراطور كلقب تاريخي ظل يعيش معنا إلى يومنا هذا ممثلا في التجربة اليابانية الناجحة التي حافظت عليه كثرات سياسي يسود و لا يحكم ، مع العلم أيضا أن الملكيات في أوربا تحولت من تنفيدية مطلقة إلى ملكيات برلمانية محدودة الصلاحيات و قابلة للمسائلة عن تجاوزاتها . أما في عالمنا العربي ، فقد شهد و منذ قرون من المحيط إلى الخليج أشكالا متعددة من أساليب الحكم الذي ثمت مزاولته تحث مؤثرات فكر القبيلة و الغنيمة و العقيدة، إلا أن المتغيرات الدولية على المستوى العالمي 0نيا أظهر أن بلاد العرب لازلت تعيش بعيدا عن فلسفة النظام الرئاسي الناجح كما هو الحال مع النموذج التركي الأردوغاني ، و أن عقل الرئاسيات و الملكيات التنفيذية لم يستوعب بعد المتغيرات الجيوسياسية داخليا و إقليميا و عالميا ، ليظل الوضع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي قابل للإحتقان مسجلا بذلك موجات يومية من الإحتجاجات التي لا تخلوا من مواجهات بين السلطة و الشعب . لقد أثبتت الحالة المغربية أن مضمون كتاب " الأمير " قد ترجم واقعيا و بدقة من خلال مراسيم عدة و شعارات جوفاء ، فظل الإستبداد و الفساد سيدا الموقف ، دون أن ينظر الماسكون بزمام الأمر إلى صفحات التاريخ الملأى بالنهايات المأساوية لرموز الطغيان ، ذلك أن التغيير كقانون كوني لا مفر منه يباغث الغافلين الذين يعتقدون أن البطش يحفظ السلطان ، و أن العامة على دين ملوكهم ، لأنهم ببساطة ظلوا ينصتون لمن هم أصل الشرور و فساد الرأي و سوء التدبير . إن التحول إلى ملكية برلمانية بخصوصية مغربية صرفة لا تحتاج إلى مقالي هذا بقدر ما تحتاج حتما إلى إرادة من يلقب نفسه بالمخزن ، أما القوى الوطنية الحزبية و المستقلة فهي على استعداد دائم للحوار من أجل البناء الديموقراطي الحقيقي البعيد عن التلاعب بهموم المواطنين الذين ظلت الدولة بمؤسساتها و صنائعها من أحزاب و نقابات تبيعهم الوهم إلى أن أوصلتهم إلى الإفلاس المادي و القيمي المعنوي أو بمعنى أصح إلى دولة مجتمعية فاشلة .