يصعب إيجاد تعريف واضح للرشوة لكن بفهمومها الضيق، تعني إعطاء المال نقدا أو عينا أو عملا من أجل الحصول على امتياز أو حق. منظمة الشفافية العالمية (ترانسبارانسي) تعرفها ب" التعسف في استعمال سلطة منتدبة من أجل غايات خاصة". نفس التعريف ذهب اليه البنك الدولي، إذ يقصد بالرشوة "استعمال وضعِه كمسؤول عن خدمة عمومية من أجل مكاسب خاصة". أكد عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، في تقرير قدمه الثلاثاء، أمام لجنة المالية والتنمية الاقتصادية حول وضعية الاستثمار في المغرب، ان ظاهرة الرشوة تعتبر المعيق الأكبر للمقاولات في المغرب، مسجلا أن المغرب خلال سنة 2021 تراجع ب 14 مرتبة في مؤشر مدركات الرشوة، مشيرا إلى احتلال المملكة المركز 87 من أصل 180 دولة في المؤشر الذي يصنف الدول وفقا لدرجة انتشار الرشوة في القطاع العام. ويرجع البنك الدولي انخفاض معدل النمو بالمغرب بشكل أساسي إلى الرشوة، حيث تؤدي إلى تضييع فرص الاستثمار وعدم اتباع معايير الجودة والسلامة مما يؤثر سلبا على تنافسية الشركات والدولة بشكل عام، ومن ثم تكبيد الأخيرة خسائر مالية مهمة. في حين يعتبر الكاتب العام ل "ترانسبارانسي المغرب"، أحمد البرنوصي، ان كلفة الرشوة على المغرب تقدر بنسبة 5 في المئة من الناتج الداخلي الخام بالمغرب المقدر ب 109 ملايير دولار، وهو ما يعادل 5 ملايين ونصف مليار دولار. وفي تقرير حديث "للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة" إن النتائج التي حصل عليها المغرب تبقى غير مرضية للغاية، إذ جرى تسجيل تطور سلبي بالنسبة لجميع المؤشرات، لافتا إلى أن مؤشر فساد القطاع العام شهد تحسنا نسبيا في التنقيط المحصل عليه بنسبة 3 في المئة، ولكن مقابل ذلك سجل تدنيا في ترتيبه الذي انخفض بشكل ملحوظ بمقدار 13 رتبة. بالرجوع إلى الفترة الممتدة من 2012 إلى 2020، سجل المغرب أداء سلبيا على مستوى جميع المؤشرات باستثناء مؤشر الفساد القضائي. ورغم أن المغرب خطا لحد الآن خطوات إيجابية على المستوى القانوني والدستوري، ومصادقته على الاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد سنة 2007، وإحداثه عددا من هيئات الحكامة ومجموعة من المؤسسات والهيئات لمحاربة الرشوة والفساد، من بينها المجلس الأعلى للحسابات والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها. كما تم توفير خدمة هاتفية للتبليغ عن المرتشين وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي تهدف إلى الحد من الفساد في أفق 2025. الا ان المغرب مع ذلك ليس من الدول المتقدمة على مستوى التطبيق. لحدود اليوم، ورغم إقرار الجميع بأن الرشوة تشكل إحدى المعضلات الكبرى التي تواجه التنمية وتخليق الحياة العامة فإنه ليست هناك تدابير ناجعة على مستوى التطبيق لمواجهة هذه الظاهرة، كل الإجراءات المتخذة لحدود اليوم هي إجراءات محدودة وضعيفة لا ترقى إلى مستوى وحجم الظاهرة التي لها أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية. محاربة هذه الظاهرة تقتضي "توفر إرادة سياسية حقيقية" وتمكين كل المؤسسات المعني بالإمكانيات والآليات والصلاحيات الكفيلة بجعلها تمارس دورها الرقابي، كما ان مواجهة الرشوة تقتضي ايضا انخراط مؤسسات كثيرة في معركة محاربتها بما في ذلك المدرسة، وألا تقتصر تلك المهمة فقط على المؤسسات المحدثة لتلك الغاية.