زملائي زملائي، أيها المناضلات أيها المناضلون في ساحات العدل و القانون و الحرية . لقد أبنتم اليوم عن معدنكم الخالص و النقي ، لقد أثبتم أنكم بالفعل نساء و رجال الدفاع ، و تستحقون ارتداء البذلة السوداء و امتهان مهنة النبلاء . لعمري ، إن ما نعيشه اليوم و الأيام القليلة الماضية و ما سنضل نعيشه إلى أن تتم الاستجابة لمطالبنا ، لهو ما كنا نردده و لا نستوعبه ، إنها رسالة المحاماة و رسالة الدفاع في أبهى صورها و تجلياتها ، إنها رسالة تمتح من الماضي و الحاضر و المستقبل روح العدالة و المساواة و جميع القيم الكونية الثابتة و الراسخة . لقد كنا نمارس في الماضي هذه الرسالة ، لكن بنظرة ضيقة من خلال مساطر شكلية أفقدتنا المعاني الحقيقية لهذه الرسالة التي نحن مكلفون بحملها و أدائها . و الآن في هذه اللحظات التاريخية المجيدة كنا محظوظين و نحن نستعيد معاني و رمزية رسالتنا النبيلة ، رسالة الدفاع عن الحقوق و الحريات و مواجهة الظلم و الطغيان ، بكلمة واحدة و بيد واحدة . زميلاتي زملائي ، لا شك أنكم أيها المناضلات و المناضلون الأشاوس تضررت مصالحكن و مصالحكم و مصالح موكليكم و مؤازريكم جراء عسكرة المحاكم و منعنا من ولوج المحاكم لممارسة مهامنا و اختصاصاتنا ، و من الأكيد أن آثار هذا المنع سيخلق لديكم جميعا أضرارا مادية في الحال و المستقبل ، و لكن زميلاتي زملائي ، لا تتجاهلوا أو تنسوا أن الربح المعنوي و الرمزي منى جراء استرجاع وحدتنا و قوتنا و ائتلافنا أهم من أي خسارة مادية بسيطة في إطار مسطرة من المساطر المعتادة . نعم زميلاتي زملائي ، إن خسارة مساطر لا يعدو إلا أن يكون مجرد قطرة في بحر من الايجابيات التي تحصلنا عليها , و لعل من أهمها الانتصار في المسطرة الكبيرة التي كنا نفشل دائما في تدبيرها و تستعصي علينا ، و هي مسطرة الوحدة و التعبئة الشاملة و الكلمة الواحدة و اليد الواحدة ، وهو انتصار لوحده كفيل بأن نسترجع من خلاله قوتنا و مكانتنا داخل المجتمع و الدولة بكل ما سينتجه ذلك من مكاسب مادية و رمزية في الحال و المستقبل , و في المعارك الأخرى التي تنتظرنا ضمن هذه الحرب الطويلة التي تتطلب الكثير من الإيمان و الصمود و العمل . زميلاتي زملائي ، نعم ، لقد كنا نلاحظ جميعا أننا نتعرض لضربات موجعة من الكثير من الجهات و على مستوى متعدد من الجبهات ، و كل ذلك من أجل محاولة إضعاف مهنة الدفاع و جعل دورها ثانويا داخل منظومة العدالة ، سواء على المستوى التشريعي و مشاريع القوانين الحالية لكل من قانون مهنة المحاماة و قانون المسطرة المدنية و قانون المسطرة الجنائية و قانون التنظيم القضائي و بعد القوانين الخاصة الأخرى كقانون المالية الذي منع التنفيذ الجبري للأحكام ضد الدولة و فرض نظام ضريبي لا يراعي دور المحاماة و رسالتها و الوضع الهش الذي تعيشه أغلب فئات الزميلات و الزملاء ، و قوانين أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها . و أيضا على المستوى الاجتماعي من خلال محاولة إجهاض مكسب التعاضدية العامة لهيئات المحامين بالمغرب التي تعتبر تجربة متميزة في الأنظمة التعاضدية الخاصة ببلادنا و إجبارنا على الانخراط في مشروع الحماية الاجتماعية الذي ينتقص من حقوقنا و ضماناتنا الاجتماعية . و على المستوى المهني من خلال التضييق على المؤسسات المهنية نقيبا و مجلسا من خلال منح صلاحيات أكبر للسلطة القضائية رئاسة و نيابة عامة للطعن و التعقيب على قرارات المؤسسات المهنية ، بشكل يجعل هيبة النقيب و المؤسسة المهنية في مهب الريح ، ناهيك عن سياسة إغراق المهنة بالمنخرطين الجدد و قبول ألاف الناجحين من دون وجود شروط موضوعية لاستقبال هذه الأعداد الهائلة . لكن ، كل الضربات السابقة التي تعرضت لها مهنة المحاماة كانت تتم بشكل تراكمي و غير مباشر ، و كنا كجسم مهني نرفضها و نحتج عليها من دون أن تكون لدينا القدرة الفعلية على تغيير هذا الواقع . و ساهمت التفرقة التي كنا نعيشها و انقسامنا إلى شيع و طوائف في عدم قدرتنا على التعبئة و النضال من أجل الضغط على الدولة للتراجع عن الكثير من المقتضيات التي ساهمت في إضعافنا و وهننا . لكن قرار إلزامية الإدلاء بالجواز الصحي كقيد من اجل ولوجنا كدفاع للمحاكم التي نعتبرها بيتنا و دارنا و مسجدنا ، كان قرار صادم و مباشر و تصعيدي ، لا سيما أنه تمت مواكبته بقرارات عنيفة كعسكرة المحاكم و تطويقها و منع نقباء و أعضاء مجالس الهيئات من ولوج هذه المرافق العمومية التي تحوي في الكثير منها مكتب النقيب و مقر مجلس الهيئة . و بالتالي أصبح الصراع مباشرا و المواجهة محتدمة ، بشكل عبر على أن الدولة تحاول اختبار مدى قوة الدفاع و مدى قدرته على التعبئة و الصمود ، و مدى إمكانية استيعاب هذه الضربة الكبيرة و المباشرة كما استوعب الكثير من الضربات غير المباشرة التي تقررت فيما سبق . و بالتالي فإن النقاش و الصراع و المعركة الحالية ليس أساسها هو إجبارية الجواز من عدمه ، مادام أن مرافق عمومية و خصوصية كثيرة مكتضة بالمرتادين و المرتفقين أكثر من المحاكم ، و لم يتم إلزامها بإجبارية الإدلاء بالجواز الصحي . و هذا الأمر يجعلنا نجزم أن المعركة الحالية هي معركة كرامة و صمود ودفاع عن الدفاع ، في مواجهة دولة و أجهزة تحاول إضعافها و قتلها ماديا و رمزيا ، لا سيما أن الحصن الأخير الذي مازال قويا في المؤسسات المهنية و الحقوقية هي مؤسسة الدفاع بنسائها و رجالها و نقبائها و مجالسها . و بالتالي فالمعركة ليست معركة إدلاء بجواز من عدمه ، بل هي معركة وجود و قوة و رمزية . زميلاتي زملائي ، بفضلكن و بفضلكم أعدنا للمحاماة رسالتها الحقوقية ، و استرجعنا ذاكرة النقاشات الحقوقية التي كانت في مرحلتي الستينات و السبعينات ، و توصيات مؤتمرات جمعيتنا العتيدة جمعية هيئات المحامين بالمغرب كلها شاهدة على النقاش الحقوقي و السياسي الذي كان يبلوه نقبائنا و قيادمتنا ، و نحن نعلم انه فيما بعد في أواخر الثمانينات و التسعينات و بداية الألفية الثالثة كان نقاشا مهنيا صرفا حول مجموعة من القضايا المهنية و كان هناك تراجع على مستوى النقاش الحقوقي و السياسي ، و في مرحلة ثالثة أصبح النقاش اجتماعيا تعاضديا أمام الهشاشة التي أصبح يعيشها عدد كبير من الزميلات و الزملاء ، و بالتي أصبحت أنظمة التكافل الاجتماعي و التعاضد و التقاعد و المعيش اليومي و لقمة الخبز هي محور النقاش ، و تم تجاوز النقاش الحقوقي و المهني ، و لعل أزمة وباء كوفيد و ما خلقته من صعوبات مالية لدى أغلب المحامين ، رسخ هذا النقاش الاجتماعي الذي أصبح محور اهتمام الجسم المهني أفرادا و مؤسسات ، و ربما الشاهد على ذلك أن موضوع الدعم المباشر و النظام التكافلي إبان الحجز الصحي نتيجة انتشار وباء كوفيد 19 , كان موضوع اهتمام أكبر بكثير من النقاش الحقوقي المرتبط بالاختلالات المسطرة و الحقوقية التي يخلقها نظام المحاكمة عن بعد . الآن زميلاتي زملائي ، لقد استعدنا النقاش الحقوقي ، و أجلنا النقاش المهني و الاجتماعي ، و هذا من الفضائل و المكاسب التي تحصلنا عليها بعد هذا القرار الثلاثي الظالم و غير المشروع . فجميع المحاميات و المحامين بالمغرب أصبح نقاشهم حقوقي بامتياز متعلق بضمان حق الدفاع و حق الولوج إلى العدالة و ضمانات المحاكمة العادلة ، و ضحوا بملفاتهم و عائداتها المالية من أجل سواد عيون مهنة أعطتهم الكثير و يعطونها الآن القليل من التضحية و نكران الذات ، لفائدة رابطة الدفاع و الانتماء الذي يجمعنا من خلال مهنة النبلاء . زميلاتي زملائي ، نحن من خلال موقفنا المبدئي الذي نناضل من أجله لا ندافع فقط عن أنفسنا و مهنتنا النبيلة ، و لكننا ندافع عن قيم مجتمعية مشتركة وطنية ودولية ، تعترف الدولة بها و تتبناها في تشريعاتها ، و لذلك فمعركتنا مشروعة و مؤسسة على أساس سليم من الناحية القانونية و الحقوقية . كما ينبغي التذكير أن رسالتنا من خلال هذا النضال يتجاوز نطاقه مهنة الدفاع و المنتمين إليها ، ليدافع عن المجتمع و عن حقه في الدفاع و في الولوج المستنير للعدالة و في مراعاة حقوقه و مصالحه في المساطر التي يكون طرفا فيها ، كما أنه من خلال هذا الموقف ندافع عن القضاء و عن استقلاليته التي لطالما كنا سباقين للدفاع عنها و توصيات مؤتمرات جمعيتنا شاهدة على ذلك في وقت كان القضاة لا يستطيعون التفكير في هذا الموضوع فما بالك أن يطالبوا به أو يناضلوا من أجله ، و من خلال نضالنا هذا نؤكد للسلطة القضائية انك إذا فرطت في استقلاليتها التي منحا لها الدستور بعد نضال المحامين بشكل أساسي و المجتمع الحقوقي بشكل عام ، فان الدفاع غير مستعد للتفريط في هذا الاستقلال , و بالتالي هي من خلال مواقفها الحالية تعيب على السلطة القضائية المساهمة في إصدار قرار إداري ينقص من هذه الاستقلالية و يدخل في إطار الفعل غير المشروع ، و يقيد طرق الطعن فيه على اعتبار أن القضاء في هذه الحالة سيصبح خصما و حكما . كما أن هذه الوقفات النضالية تساهم في تقوية الدستور و القوانين ، و في تذكير الدولة بالتزاماتها القانونية و التشريعية ، و في احترام مبدأ تدرج القوانين و تراتبيتها ، و في الحفاظ على مبدأ استمرارية المرافق العمومية . زميلاتي زملائي , قد نصل إلى اتفاق لحل هذه الأزمة بعد حوار ممثلينا مع ممثلي الجهات مصدرة الدورية الثلاثية , وقد يكون مضمون هذا الاتفاق محققا لأهم مطالبنا , و لا سيما جعل مهمة تدبير الولوج إلى المحاكم اختصاص خالص و خاص للسادة النقباء و المجالس بشكل حصري و مستقل , من دون تطلب الجواز الصحي و لا أي قيد أخر ينقص أو يعدم من الحق في الدفاع و الحق في الولوج إلى العدالة . و في حالة تحقق ذلك سنكون قد حققنا انتصار باهر سيكون حافزا مهما لتحسين صورة و موقع المحاماة داخل منظومة العدالة و داخل المجتمع و الدولة , و سيكون له ما بعده في المستقبل القريب من انتصارات تشريعية و تدبيرية و اقتصادية و اجتماعية . و كما كنا ملتفين حول قادتنا النقباء في إعلان المعركة و تدبيرها , فيجب أن نبقى دائما في نفس الحس من المسؤولية و أن نلتف حول مؤسساتنا في كل ما قد يتفقون عليه من حلول لهذه الأزمة التي رغم أنها في بدايتها , فإنني اجزم أننا قد حققنا فيها انتصارا عظيما من الناحية المعنوية و الرمزية , و هذا الأمر قد يعتبر كافيا في هذه المرحلة . زميلاتي زملائي , لنبقى دائما و أبدا كثلة واحدة من اجل رفع الظلم و الدفاع عن الحقوق و الحريات , و لنستمر في الدفاع عن مهنتنا و مؤسساتنا , و أيضا في الدفاع عن سمو القانون و استقلالية القضاء و عن حقوق الأفراد و المجتمع . فرسالتنا تتجاوز الجسم المهني و قضاياه الخاصة لتلامس القيم الكبرى الكونية التي أكدت عليها المواثيق الدولية الإنسانية . هو إذن , نضال يبتدأ من داخلنا و يمتد إلى من حولنا ليرسم تاريخا مجيدا من الوحدة المهنية و التضامن من اجل الدفاع عن القضايا المهنية و القضايا الحقوقية الكونية . و من الأكيد أن التاريخ سيذكر لنا هذه المعركة بمداد من الفخر و الاعتزاز , لأننا فعلا أعدنا للمحاماة مكانتها الحقوقية و الرمزية التي تستحقها . عاشت المحاماة مهنة حرة و مستقلة .