قبل عشر سنوات من الآن ، شهدت البلدان العربية أحداثا مهمة غيرت المسار التاريخي لسيرورة الأحداث والأوضاع فيها.بحيث شهدت توراثا شعبية لشعوب ذاقت مرارة الاستبداد ، والحكم اللاشوري ، والغياب التام للحرية والعدالة الإجتماعية كشرط ضروري للوجود الإنساني ؛ مما يضمن له المشاركة الفعالة في صنع الأنظمة السياسة بشكل نزيه وشفاف. وكان من أبرز هذه الدول العربية التي تارث شعوبها ضد الأنظمة الاستبدادية القائمة في تلك المرحلة، تونس والتي إنطلقت منها الشرارة الأولى لثورات الربيع العربي وسميت "بثورة الياسمين" والتي أطاحت بالحكم الاستبداي ل"زين العابدين بن علي" من سدة الحكم . لتنتقل بعد ذلك رياح هذه الثورة إلى باقي البلدان العربية تاركة خلفها تغيرات جذرية على مستوى نظام الحكم السياسي. إذ حققت الثورة في تونس مكاسب ديمقراطية مهمة بعد رحيل "زين العابدين بن علي" ، الذي إحتكر كرسي العرش لمدة بلغت 23 عاما .لم يكن أحد يتوقع أنذاك السرعة التي جرت بها الأحداث ، والتي بموجبها غادر بن علي فأدخلت التونسيين مباشرة بعد رحيله ، في يوم تاريخي حسب تعبيرهم ، وأصبح بإمكان "نجيب" ؛ أحد الثائرين على النظام السياسي ، أخيرا أن يردد النشيد الوطني فخورا بالتونسيين على هذا الإنجاز العظيم ، الذي لم يكن يخطر على البال ، ودون تعرضه لأي مضايقة من الجيش والشرطة ورجال الآمن . وأنتخب" منصف المرزوقي" رئيسا لتونس الخضراء ، وكان إنتخابه رئيسا بمثابة الإرهص الأول لتأسيس الدولة الديمقراطية بتونس ، والخروج من عالم الديكتاتورية و أيام القمع السياسي الحالكة .إلى أن انتهت المدة المحددة لحكمه ، فأنتخب "الباجي قائد السبسي" رئيسا جديدا ؛ وهو مؤسس "حركة نداء تونس للعلمانية"…،التي فازت على حركة النهضة الإسلامية في الإنتخابات التشريعية لعام 2014 , متفوقا بذلك على "المنصف المرزوقي" .و خلال فترة حكمه ، حافظ على إستقرار تونس بشكل كبير ، وعمل على ترسيخ الديمقراطية التونسية ، وبعد وفاته عن عمر ناهز 93 عاما ، تولى زمام السلطة ، ولفترة مؤقتة، "هشام الشاهد" ، قبل أن تنظم الإنتخابات الرئاسية ، والتي إنتهت بفوز "قيس سعيد" من حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي ، وهو رئيس تونس الحالي. وبعد مرور مايقارب سنتين على توليه منصب رئيس الجمهورية التونسية ، أعلن عن تجميد عمل البرلمان لمدة ثلاثين يوما ، ورفع الحصانة عن أعضائه ، وأقال رئيس الحكومة ، وأيضا عددا كبيرا من كبار مسؤولي الدولة ، وحصره كذلك قوة الآمن ومباني البرلمان والإذاعة والتليفزيون.كما تم إلقاء القبض على عدد من السياسيين والقضاة والبرلمانيين . ناهيك عن تمديد فترات حضر التجوال وقيدت حركة المواطنين في التنقل والإلتقاء بأكثر من ثلاثة أشخاص…؛وصرح "قيس سعيد"أنه فعل ذلك إستنادا إلى الفصل الثمانين من الدستور التونسي ، الذي يخول له إتخاذ إجراءات إستثنائية إذا ما كانت البلاد في موجهة خطر يهدد إستقرارها ، وآمنها ، لكن خصومه ، وعلى رأسهم "حركة النهضة" ، إعتبرو ذلك إنقلابا .فهل فعلا قرارت "قيس سعيد" إنقلاب على الدستور وخروج عن المسار الديمقراطي ؟أم أنها تهدف إلى حماية البلاد وضبط الوضع داخلها. إنقسم الشارع التونسي بين معارض ومؤيد لقرارت سعيد .إعتبر المعارضون ذلك إنقلابا على الدستور التونسي ، الذي كان بمثابة ثمرة لثورات الربيع العربي ، وانحيازا تاما عن سبيل الديمقراطية ، وتمهيدا للعودة إلى ماكان عليه الوضع أيام الطغاة والحكم الفردي. بل أكثر من ذلك ، أن البعض تجرأ على إتهام الرئيس بالخضوع لتوصيات لوبيات عميقة تابعة للنظام القديم ، وأن غاية هذه القرارات ليست تهدئة الوضع ، والنهوض بالقطاعات الإقتصادية والإجتماعية وتحقيق العيش الكريم للمواطن التونسي ، الذي طالما عانى تحت وطأة الاستبداد لسنوات طوال . وفي المقابل ، يجزم البعض الآخر أن قرارات رئيس الجمهورية هي السبيل الأمثل لإنقاذ البلاد وبناء تونس جديدة ، تونس أكثر إزدهارا وتطورا وديمقراطية ، وأن "قيس سعيد "يأخد تونس في إتجاه إصلاحي نحو نظام غير فاسد ، يخدم التونسيين في كل الجهات وكل الأرياف والمناطق الشعبية . بل و الذهاب بها إلى جمهورية ثالثة ، حيث يكون العدل هو جوهر الحكم ، بدل الإنتهازية والرشوة والمحسوبية سيطرة الكتل فاسدة … وفي ظل هذا التضارب والتبيان في الأراء ، بين معارض ومؤيد لم يبلور "الإتحاد التونسي للشغل" ، باعتباره أكبر تكثل نقابي في البلاد موقفا صارما من الرئيس.فاي إتجاه ستسلكه تونس تحت حكم سعيد؟هل إ تجاه الإصلاح ومحاربة الفساد أم إتجاه الهاوية و سيادة الكساد؟