بعد وفاة الرئيس الجزائري "هواري بودمين" رحمه الله في أواخر سنة 1978؛ وطيلة السنة الموالية 1979، ظلت تروج أخبار وتكهنات عن إمكانية أن تغير الجزائر في عهد الرئيس الجديد "الشاذلي بنجديد" من سياساتها تجاه المغرب؛ بل إن هناك من اعتقد جازما أن مصالحة تامة وشاملة قريبة الحدوث. هؤلاء الذين صدقوا هذا الوهم لم يفهموا أن "الشاذلي" لن يكون رئيسا فعليا؛ ولكن فقط صوريا للجزائر، وأن حكام الجزائر الحقيقيين لا يمكن أن يتخلوا عن سبب وجودهم أو إيجادهم الأول والأخير؛ والمتمثل في العمل على عرقلة أي خطوة تنموية أو وحدوية حقيقية في المنطقة وخصوصا بالنسبة للمغرب. ولكن العديد من الحالمين في المغرب ظلوا يوهمون أنفسهم بأن تَصدُق نيتهم الحسنة، وظلوا يدفعون في هذا الاتجاه. وفي يوم 9 دجنبر من تلك السنة 1979؛ استقبل الفريق الوطني المغربي نظيره الجزائري بالدار البيضاء في إطار إقصائيات الألعاب الأولمبية لسنة 1980 بموسكو. تهيأ الفريقان كل من جهته، وكل حسب خططه. وكل استمر في تركيزه على المباراة بعيدا عن أي شحن سياسي. ولكن في يوم المباراة حدث أمر أخرج اللاعبين المغاربة من تركيزهم وشتت أذهانهم وأدخلهم في حالة شرود بأن حول تركيزهم من المباراة إلى ما هو أكبر من ذلك. فقبل المباراة بربع ساعة دخل وزير مغربي إلى غرفة الملابس وأخذ ينصح اللاعبين بما يوافق أحلام المصالحة، وبقضايا وطنية كبرى لا قبل لهم بتحمل ضغوطها في تلك الحالة وهم يتأهبون لخوض مباراة في كرة القدم. ولكم أن تتصوروا ما الذي سيحدث بين فريقين أحدهما يلعب كرة القدم كما هو متعارف عليها في جميع دول العالم بتدافعاتها وتلاحماتها واصطداماتها الطبيعية في هذه اللعبة والتي تنتهي بعد ذلك بالمصافحة والتسامح عما يمكن أن يحدث خلال التباري، بينما الفريق الآخر يلعب وهو خائف من حدوث ما قد يتسبب في أزمة دبلوماسية (إذ هكذا صُوِر له، أو هو نفسه تصور من كلام الوزير). وهكذا ومنذ الدقائق الأولى لانطلاق اللعب تلقى المغاربة هدفين قاتلين بطريقة أقل ما يقال عنها إنها غريبة جدا. تصوروا أن اللاعب الجزائري "عصاد" يقذف الكرة بداخل القدم كما لو كان في حصة تدريبية أمام لاعبَيْن مغربيَّين لم يجرأ أي منهما على مد رجلهم لمنعه من التصويب مخافة أن يتسبب في أزمة؛ أو هكذا هُيِّئ له، وتصوروا أن زميله في الفريق "بنصاولة" يقتحم مربع العمليات ويرافقه بكل جانب من جانبيه مدافع مغربي وهما يخفرانه وكأنهما يؤمنان له ال "إيسكروت" ولا يجرآن على مد رجليهما للكرة مخافة لمسه، فيتسببان فيما لا تحمد عقباه. وهكذا انتهت المباراة بهزيمة نكراء للمغرب حصيلتها خمسة أهداف كاملة لواحد. وذلك لأن اللاعبين الجزائريين كانوا في كامل التركيز على المباراة بينما المغاربة كانوا في حالة شرود تائهة أذهانهم، وكان هذا واضحا على وجوههم. وهو نفس ما كان واضحا على لاعبي منتخب عموتة يوم السبت الأخير 11 دجنبر كذلك. فقد كان جليا ذلك في انعدام المبادرة لدى اللاعبين المغاربة؛ الذين كانوا يكتفون فقط برد الفعل، وكان جليا كذلك في التلاحمات البدنية التي يدخلونها باحتشام كبير، وكان جليا في كونهم ظلوا طيلة المباراة يحملقون في الفضاء وكأنهم يفكرون في شيء آخر غير اللعب، وكان جليا في نرفزتهم ونرفزة مدربهم، وفي أخطائهم البدائية. ليس هناك في العالم مسئول سياسي أو إداري يتحدث إلى اللاعبين قبل المباراة؛ فالأسبوع، بل الأسبوعان السابقان لأي مباراة هي فترة تركيز؛ بل إن عالَم الكرة في كل أنحاء الكرة الأرضية يسميها التركيز هكذا مجردة on est en concentration) ). ولأن "وحيد هاليلوزيتش" مدرب محترف يعرف أسرار مهنته؛ فقد حضر إلى قطر لتشجيع اللاعبين وتحفيزهم؛ ولكنه لم يلتق بهم حتى لا يؤثر على تركيزهم؛ فهو يعلم أن مجرد علمهم بوجوده في المدرجات فيه تحفيز كبير لهم. لقد شاهدنا الكثير من الفرق العالمية تلعب وتفوز بالكؤوس وبالألقاب، وشهدنا اللاعبين يحتفلون وسط الملاعب؛ ولكننا لم نشاهد قط مسئولا سياسيا أو إداريا يغادر المنصة ويلتحق بالملعب لينسب الفوز لنفسه. فلماذا يصر المسئولون عندنا على تبني الفوز دائما والتنكر للهزيمة. ولماذا يصرون دائما على الإدلاء بدلوهم فيما لا يعنيهم ويتركون مهامهم التي تتمثل في تهيئة الظروف المناسبة حتى يتمكن الفريق من القيام بواجبه، وفي أن ينسحبوا بعد ذلك إلى وراء الستار، ويكتفوا بدورهم الحقيقي في كونهم جنود خفاء. سبق لي مرة أن شاهدت استجوابا مع مدرب الفريق الوطني البرازيلي الشهير "كارلوس آلبيرتو باريرا" قال فيه: «notre rôle entant qu'entraineurs est de préparer les stars à entrer en scène et, pas de faire les stars à la place des stars». فمتى يتعلم مسئولونا السياسيون والإداريون أن كرة القدم لعبة تحتاج إلى الكثير من التركيز، وأن هذا التركيز هش دائما؛ يمكن أن يتشتت بأقل سبب؟