منذ أن شرعت قناة الرياضية في إعادة بث مباريات من ذاكرة الكرة المغربية وهي تعدنا بإعادة بث المباراة الشهيرة التي انهزم فيها فريقنا الوطني لكرة القدم بقلب مدينة الدارالبيضاء بخمسة أهداف لهدف واحد. ولكنها لم تتمكن في الأخير وبمناسبة الذكرى الثلاثين لتلك المباراة؛ إلا أن تثيرها ضمن برنامج يسترجع ذكريات لمجموع اللقاءات بين الفريقين. والسبب في عدم قدرة القناة على أن توفي بوعدها للمواطنين يكمن في اعتراض دوائرَ عليا على التذكير بهزيمة مهينة؛ خصوصا وأنها كانت أمام الجزائر. إن السبب الذي يقدمه السياسيون في اعتراضهم على عمل إعلامي ورياضي محض هو نفسه السبب وراء الهزيمة التاريخية؛ إنه تدخل الدوائر العليا في كل شيء. فمباراة التاسع من دجنبر 1979 جاءت في سياق سياسي كان يُرهص لتحولات في العلاقة بين البلدين المتخاصمين وهي التحولات التي لم تتم إلا ابتداء من 1986 بأول لقاء بين الملك الحسن الثاني رحمه الله و الرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد. كانت قد مرت سنة على وفاة الرئيس الهواري بومدين وانتقال السلطة إلى بن جديد؛ وكانت تجري بعض المساعي لإكمال ما شُرع فيه من تهييء لقاء بين بومدين والحسن الثاني. ولذلك عرفت تلك السنة بعض التحسن في العلاقات كان يُنتظر أن تصل إلى التصالح التام وإعادة العلاقات إلى طبيعتها. في هذه الأجواء جرت المباراة في إطار الإقصائيات الخاصة بالألعاب الأولمبية بموسكو. وجاء الخطأ الذي تسبب في الهزيمة؛ ليس من اللاعبين، ولكن من السياسيين؛ من الدوائر العليا نفسها التي نسيت أن الأمر يتعلق بمباراة في كرة القدم؛ ولا علاقة لها بالسياسة؛ فقرروا وضع الجميع في سياق الرغبة في المصالحة. وهكذا اجتمع الوزير الأول المعطي بوعبيد رحمه الله في اليوم السابق للموعد في مقر تجمع اللاعبين بفندق سمير بالمحمدية؛ بالمسيرين الجامعيين والمدرب ومعهم ممثلون عن اللاعبين ليحثهم على أخذ الظرف الذي تجري فيه المباراة في الاعتبار و بتجنب الاحتكاكات التي قد تصيب أحد اللاعبين الجزائريين بسوء وتجنب الدخول في مشادات، إلخ.(هذا اللقاء نشرت الزميلة لوبينيون مشكورة منذ أيام صورة تؤرخ له) ولم يتوقف الأمر هنا؛ بل عاد ودخل إليهم في مستودع الملابس قبيل انطلاق المباراة ليؤكد ما قاله بالأمس؛ فأشعر اللاعبين بأن الأمر جلل. وبهذه الروح دخل اللاعبون إلى أرضية الملعب وعلى أكتافهم مسؤولية كبرى عجزت دبلوماسيات دول صديقة في حل إشكالاتها. والحقيقة أن النتيجة لا تعبر إطلاقا عن سير المباراة التي جرت جل أطوارها أمام المرمى الجزائري. ولم يتمكن الجزائريون من إيصال أكثر من سبع كرات إلى مرمى الحارس الهزاز؛ واحدة اعترضها وأخرى تم قذفها خارج الإطار وخمس كرات سجلت عليه.. لماذا سجلت كلها؟ لو سمحت الدوائر العليا نفسها بإعادة مشاهدة المباراة لتبين كيف كان اللاعب الجزائري بن صاولة يتقم إلى المرمى ليسجل وعلى جانبيه لاعبان مغربيان لا يجرؤ واحد منهما على مد رجله ولا حتى كتفه ليستخلص منه الكرة مخافة أن يتسبب في أزمة دبلوماسية أكبر منه. وكيف قذف عصاد كرة بداخل قدمه من بعد سبعة عشر مترا أمام لاعبين اثنين دون أن يحاول أي منهما منعه من التسديد ولو برفع قدمه أمامه. وعندما دخل المغاربة إلى الشوط الثاني كان عليهم أن يحافظوا على علاقات حسن الجوار؛ وكأنهم في وزارة الخارجية، وفي نفس الوقت أن يبذلوا مجهودا مضاعفا من أجل التعادل الذي لم يتأت لهم ولكن أنهكهم الجهد فاستغل الجزائريون العياء ليسجلوا الأهداف الثلاث الأخرى. فكانت الهزيمة التاريخية؛ لأن فريقا كان يلعب متحررا من أي ضغط ولا يفكر إلا في مهمته المتمثلة في إجراء مباراة في كرة القدم، وفريقا يحمل على أكتافه مسؤولية دبلوماسية ليست من مهامه. والسبب احتكار السلط حتى في كرة القدم. وليس فقط في كرة القدم؛ بل في كل شيء؛ إنها عقلية الوصاية على المغاربة الراشدين. فهل نسخلص الدروس من أخطاء الماضي؟