تنذر تطورات الوضع السياسي في تونس، بالكثير من الأخطار والمآزق. فمنذ مجيء الرئيس قيس سعيد إلى السلطة، وخاصة بعد حله البرلمان وإقالته الحكومة، وانفراده بالسلطة والقرار، تتعرض حركة النهضة الإسلامية، لضغوط كبيرة لا تحسد عليها. سواء من طرف الرئيس سعيد نفسه، وقراراته العشوائية الإرتجالية واتهاماته لها بإفساد المناخ السياسي، أو من طرف بعض التيارات السياسية، وبعض المؤسسات الإعلامية الممولة من الإماراتالمتحدة. بل وحتى من طرف الجيش، الذي طالما ظل بعيدا عن السياسة وتجاذباتها. ولكن الرئيس سعيد، بدأ يحاوا الزج به في أتون السياسة، متوسلا الإحتماء به في مواجهة خصومه، وهو الذي يعوزه الانتماء إلى أي حزب سياسي. واليوم ينضاف إلى هذه الضغوط السياسية التي تتعرض لها الحركة حادث طارئ آخر، قد تكون له تداعيات خطيرة. يتعلق الأمر بإحراق المقر الرئيسي للحركة بالعاصمة تونس مساء اليوم الخميس. والذي يحتمل أن يكون من فعل فاعل. خاصة وأن رجال الوقاية المدنية، قد لوحظ ما يشبه تواطؤهم غير المباشر فيما حدث، حيث أنهم تباطؤوا وتأخروا كثيرا في الحضور لإخماء الحريق. مما ألحق بالمقر خسائر فادحة. هذه الضغوط التي تتعرض لها حركة النهضة، ترمي في مجملها إلى هدف واحد، وهو إضعاف هذه الحركة وتفكيكها، وبالتالي إقصائها من الحياة السياسية. وهذا لعمري هدف ينطوي على كثير من المخاطر. فهو لا يعتمد المنهجية الديموقراطية، من اجل إضعاف الحركة وإبعادها عن دواليب السلطة. بقدرما يعتمد منهج الإستئصال والإقصاء. ولا يخفى ما أنتجه مثل هذا المنهج من صراع وخراب ودمار، في العديد من البلدان. وينتصب النموذج الجزائري صارخا، كمثال حي على الخراب الذي ألحقه إستئصال "جنرالات" الجيش لجبهة الإنقاذ من الساحة السياسية، وهي المتوفرة على شرعية انتخابية كبيرة، والمكتسحة وقتها لصناديق الإقتراع بشكل كبير. ويؤكد المناخ السياسي العام بتونس اليوم، أن وضع حركة النهضة، يبدو مشابها إلى حد بعيد، لوضع جبهة الإنقاذ في مطلع التسعينات من القرن الماضي في الجزائر، مع اختلافات طفيفة، تفرضها خصوصيات كل بلد. غير ان الفاعلين السياسيين في تونس، وعلى رأسهم الرئيس سعيد، لا يبدو تماما أنهم قد استوعبوا الدرس الجزائري، الذي هو أقرب إليهم من حبل الوريد، وأدركوا مخاطره وتداعياته الوخيمة. وهم اليوم يصرون على إنتاج نفس الأسباب التي عصفت خلال تسعينات القرن الماضي، بالأمن والاستقرار والطمأنينة في الجزائر لمدة عقد من الزمان. هو ما يعرف اليوم بالعشرية السوداء، التي شهدت مذابح ومجازر فظيعة في حق المدنيين تحديدا. إن حشر حركة النهضة في الزاوية، والتخطيط لإضعافها وتفكيكها، والإجهاز على مكاسبها السياسية والمادية، وإحراق مقرها الرئيسي، لا يمكن سوى أن يولد انفجارا مدمرا قد يلحق لا قدر الله بالبلاد، تعتبر تونس اليوم، بوضعها الاقتصادي والإجتماعي المهلهل في غنى تام عنه. فهذه الحركة التي طالما آمنت باللعبة الديمقراطية، وانخرطت فيها، وحصلت منها على نتائج باهرة بوأتها صدارة المشهد الحزبي في البلاد، لا يمكنها أن تتحمل بين عشية وضحاها، رؤية السقف يُهدم على رأسها، وتجد نفسها في هامش السياسة، وهي التي كانت تمثل اللاعب الأساسي، والقوة السياسية الأولى في البلاد. وعليه فما لا يُحسب حسابه من طرف الفاعلين السياسيين المناهضين للحركة، هو أن يكون رد فعلها مزعزعا للإستقرار في البلاد، ما قد يدفع بها إلى الإنتقال من العمل السياسي وفق ما يقره دستور البلاد، إلى تبني العنف والقوة كخيار لها، للحفاظ على وجودها ومكاسبها. إن تونس التي طالما كانت واحة للأمن والإستقرار، تنعم منذ ثورة الياسمين، بديموقراطية فتية ناشئة ناهضة، يؤطرها دستور البلاد. تعرف مدا وجزرا فيما بين مختلف القوى السياسية. قد بدأت تنحرف عن الخط الذي رسمته الثورة، وخاصة منذ مجيء الرئيسي سعيد، الذي يبدو متعطشا للسلطة راغبا في إقامة دكتاتورية مثيلة لديكتاتورية بنعلي. وهذا قد بدأ يدفع بالبلاد فعلا إلى حافة المجهول. وعليه فالتونسdون مطالبين اليوم، حفظا لاستقرار بلادهم، وصونا لأمنها وطمأنينتها، بالعمل على العودة إلى الإحتكام لدستور البلاد. والمسارعة بتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية حرة ونزيهة. والعمل على خلق حالة انفراج سياسي عام، تنخرط فيه جميع التيارات والكيانات والأحزاب السياسية. وعلى رأسها حركة النهضة. فما أحوج تونس اليوم إلى حركة نهضة فاعلة في الحياة السياسية، مساهمة في تنمية البلاد ورقيها. عوض حركة نهضة مسلحة تمارس العنف والتدمير.