يقدم الكاتب والإعلامي، والعضو سابقا بالمجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، ماهر الملاخ، دراسة في مسار حزب المصباح وأسباب الخسارة التي لحقته في الانتخابات التشريعية والانتخابية الجماعية والجهوية التي جرت يوم الأربعاء 8 شتنبر. هذه الدراسة تنشرها جريدة "العمق" على حلقات.
إقرأ أيضا: تجربة العدالة والتنمية.. نهاية أطروحة ونكسة مشروع (1)
الحلقة 2: في البدء كانت أطروحتان حزب العدالة والتنمية إفراز لتجارب متراكبة، تقف خلفه تلك الحركة التربوية الدعوية: حركة التوحيد والإصلاح، والتي تشكلت في حد ذاتها من حركات إسلامية أخرى، كان من أهم روافدها: رابطة المستقبل الإسلامي، والتي كان يرأسها أحمد الريسوني. إضافة إلى حركة الإصلاح والتجديد، التي كان يرأسها عبد الإله بنكيران. ولقد تشكلت الرؤى التربوية والسياسية المختلفة لكلا الطرفين، عبر عقدين من الزمان، ابتداء من مرحلة السبعينيات. مشروع الوحدة وحين تم تأسيس حركة التوحيد والإصلاح، صيف 1996، لم يكن مجموع تلك القضايا الخلافية قد حسمت، بلتم ترحيلها لمرحلة ما بعد الوحدة، في حين اعتبر استمرار الخلاف حول بعضها الآخر، لا يمنع من تحقيق المشروع. لقد تمت الوحدة، في ظل سياق حزبي متأزم، تميز بتفاقم ظاهرة الانشقاقات الحزبية، خاصة في صفوف اليسار المغربي، نتيجة قبول عبد الرحمن اليوسفي، الوزير الأول الأسبق، الدخول في مشروع ما سمي حينذاك ب"التناوب السياسي"، دون عقد مؤتمر للحزب، حيث كان آخر مؤتمر له سنة1987. هذه الأجواء الانشقاقية، جعلت من تحقق مشروع الوحدة في حد ذاته، بين مجموعة من الكيانات المتفرقة، إنجازا سياسيا متميزا. والجدير بالذكر، أن ذلك النقاش الذي حدث، عند تشكل حركة التوحيد والإصلاح، خلال سنتي 1995و 1997 لم يفرز أطروحات موثقة وواضحة. وبالتالي، فكل تصنيف أو صياغة لتلك الأطاريح، تنضوي ضمن هذا المقال، إنما هي محاولة لتكثيف الرؤى والتصورات التي جرى تطارحها خلال تلك الفترة. وعليه، فيمكن إرجاع كل ذلك الاختلاف بتفريعاته المتعددة، إلى الأصل التالي: "كيف يمكن التعامل مع تحدي الفساد والاستبداد؟ وما هو المدى الذي يمكن أن يتم فيه التعامل مع المؤسسة الملكية، لتحقيق مشروع العدالة والإصلاح؟" ونتيجة لاختلاف التعاطي مع هذا الإشكال، ظهرت الأطروحتان التاليتان: الأطروحة الأولى: أطروحة التمايز كان واضحا أن الاتجاه الأول، والمتشكل معظمه من أبناء رابطة المستقبل الإسلامي، بزعامة أحمد الريسوني، قد بنى مشروعه الخاص لمحاربة الفساد والاستبداد، على أساس أن التعامل مع المؤسسة الملكية سيتم تحديده حسب قربها أو بعدها من مشروع العدالة والإصلاح. باعتبار أن المؤسسة الملكية لها إكراهاتها الخاصة، تتعلق ببنيتها وتعاقداتها الداخلية والخارجية. وبالتالي فعلى أصحاب المشروع أن يحدثوا معها نوعا من التوازن السياسي. يجعل من تحقق الإصلاح والعدالة امرا ممكنا.ولذلك اختار مسافة التمايز عن المؤسسة الملكية. وعليه سنصطلح على هذا التيار اسم: تيار التمايز. وقد يعجب الكثير، حين يقف على حقيقة أن الدكتور عبد الكريم الخطيب رحمه الله، وهو مؤسس حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، والذي سيتغير اسمه بعد ذلك ليصبح: "حزب العدالة والتنمية"، كان يتبنى هذه الاطروحة، كونها تنسجم تماما مع الأساس السياسي الذي بني عليه الحزب أول مرة، والذي ظهر للوجود في نوفمبر 1967، كرد فعل، على فرض العاهل المغربي الراحل حالة الاستثناء سنة 1965. كما يؤكد ذلك التوجه تقديم الخطيبلمذكرة 16 أكتوبر 1972، والتي أكد فيها على رفض استمرار حالة الاستثناء، محذرا الملك حينذاك من إدخال البلاد في أفق مجهول. كما عبر عن ذات التوجه خلال دعوة الحزب لمقاطعة الاستفتاء على الدستور الممنوح سنة 1996، كونه لم تصغه هيأة دستورية مستقلة. هذا الموقف الذي كان موضوع خلاف كبير بين الخطيب وبنكيران. الأطروحة الثانية: أطروحة التماهي وقد تبناها معظم أبناء، حركة الإصلاح والتجديد، بزعامة عبد الإله بنكيران وعبد الله بها رحمه الله، وتجلت في نهج التماهي التام مع المؤسسة الملكية، في خياراتها لمحاربة الفساد والاستبداد. باعتبار أن المؤسسة الملكية ذات شرعية دينية، ولا يمكن إلا أن تكون مع العدالة والإصلاح، وفق الرؤية الدينية التي تتبناها أي حركة إسلامية معتدلة. حسب ما يعتقده أصحاب هذا التوجه.وسوف نصطلح على هذا التيار باسم: تيار التماهي. حقيقة إن تيار التماهي، لم يكن أصيلا لدى قادته منذ البداية، فلقد بلوره عبد الإله بنكيران، والذي كان في البداية معارضا شرسا للنظام المغربي، بعد فترة اختطافه مدة أسبوعين، سنة 1982. ليخرج في الأخير وينشق عن "أميره" في الشبيبة الإسلامية عبد الكريم مطيع، ويؤسس جمعية الجماعة الإسلامية. ويصدر شريطه السمعي، الذي كان عنوانه: "التوجه الجديد". حيث بدأ يدعو لأطروحته من خلال جريدتي الإصلاح ثم الراية، ويلقي المواعظ والدروس في مساجد الرباط، ويتجول في أنحاء المغرب، ليلتقي بالمعتقلين من أبناء الشبيبة الإسلامية، ضامنا خروجهم من المعتقل، مقابل التحاقهم بالجماعة. وبالرغم من أن عبد الإله بنكيران، كان هو أول من فتح خط التعاون مع الدكتور عبد الكريم الخطيب، إلا أن الرجلين غلب على علاقتهما التوتر مدة 16 عاما، وذلك لاختلافهما في الأطروحة. ذلك الاختلاف الذي كان يظهر عند كل محطة مفصلية.