يتذكر الكثير من الناس، ممن عايشوا في ثمانينيات القرن الماضي ذلك اليوم المشهود الذي اصطفت فيه النقابات في إضراب عام، و التي كانت قد دعت إليه الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل، ذلك اليوم الذي أطلق عليه البصري آنذاك انتفاضة الكوميرا، إضراب عام شل اللإقتصاد المغربي، و خلف شهداءَ و سالت فيه الدماء، لكن ذلك الإعلان الذي وحد المغاربة جميعا، حول مطالب شعبية واضحة، تزعمته النقابات، و أعلنته كشكل احتجاجي عبر مقاطعة السلع التي عرفت الزيادات، و إقفال المتاجر والدكاكين و عدم اقتناء أي من السلع المعروضة حتى تتراجع الدولة عن قرارها في الزيادة الغير مبررة، ذلك الإعلان كان منضما، قويا، بارزا و ناجحا. هذه الحادثة التي رواها لنا آبائنا، كانت تطرح لدي تساؤلا واحدا، بعيدا عن حقيقة ذلك اليوم الأسود و ما خلفه من خسائر معنوية و اعتقالات، و الطريقة البشعة التي تعاملت بها الداخلية مع الموضوع، ذلك التساؤل المرتبط بقوة المركزيات النقابية في تلك الفترة و مصداقيتها،و قدرتها على اتخاد قرارات شجاعة، و تعبئة المواطنين و إنجاح محطات و إضرابات عديدة، كانت تلوي يد الدولة، فتتراجع في قرارات، أو تفتح الحوار في أخرى.. هذه النقابات هي نفسها التي توجد اليوم مع تغيير بسيط في قياداتها، هي نفسها التي دعت لإضراب عام يوم 24 فبراير من السنة الجارية، إضراب جاء حسب العديد من المتدخلين بدون أي مبرر موضوعي، خصوصا و أنه موضوعه كان محط حوار منذ سنة 2013، لكنه صار في اتجاه الضغط على ابن كيران للرجوع عن قراراته التي تخص إصلاح صندوق التقاعد و التي يمكن أن تفسر بالصعبة، لكن لا مفر منها، لا سيما و أن هذه الصناديق تعيش على وقع أزمة حادة في ظل تهديد بالإفلاس في عام 2021 إذا لم يتم تبني استراتيجية لإنقاذها، هذا الضغط الذي مارسته المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية للتراجع عن مقترح الحكومة، يقودنا لمعادلة جد غريبة، خصوصا و أن كل متتبع لمشكل صناديق التقاعد، يعي تماما أنه لا حل إلا الإصلاح رغم اختلاف طرقه التي يمكن أن تقترح، لكن يبقى لازما و ضروريا، خصوصا و أن الحكومة، فتحت أبوابها في خطوة ذكية، لاستقبال كافة المقترحات و الأفكار، لتعجيل حل لهذا المشكل، بيد أن النقابات اكتفت بالإنتقاذ تارة و المحاربة تارة أخرى، و لم تمد يدها بأي اقتراحات منطقية و عملية لكي يتم الرجوع عن استراتيجية الحكومة في هذا الملف. نفس النقابات التي لم تقدم بديلا في مشكل صناديق التقاعد، و اكتفت بالمشاهدة و التعليق، دعت إلى إضراب عام، أشرقت شمسه في صباح الرابع و العشرين من فبراير، لكن الجديد هنا، و الذي يعتبر استثناءا مغربيا بامتياز، هو أن البلاغ الخاص بالمركزيات النقابية المشاركة صدر في ساعة مبكرة و في حديث آخر أنه تمت كتابته ليلة الإضراب، و تضمن جملا و عبارات تظهر نجاحه الذي وُصف بالباهر، إضراب حتى نسبة المشاركة فيه كانت محددة من قبل. هذه النازلة تطرح سؤالا عميقا لدى المتتبع و المواطن، الذي بدأ يفقد الثقة في التمثيليات النقابية خصوصا بعد 2011، سؤالا عن طبيعة الإضراب العام الذي تحدد نسبة المشاركة فيه قبل أن يبدأ، و يتم الحسم في نجاحه قبل نهايته، و يصفه ممثلوه أنه شكل إحراحا كبيرا للحكومة، غير أن المواطن العادي في المدن المغربية لم يلمس إلا جزءا صغيرا منه، إلا في بعض القطاعات كالتعليم، و النقل في بعض المدن، خصوصا و أن وزارة الإتصال تحدثت عن نسبة %40 في ما أن النسبة التي وضعتها النقابات ساعات قبل بدء الإضراب تحددت في 84%. كان من الجميل، أن تُظهر المركزيات النقابية حسن نيتها المرتبطة بالدفاع عن المواطن، عن طريق اقتراح لحل مشكل عويص تشهده صناديق التقاعد، و تقديم أطروحات بديلة عن التي تبنتها الحكومة، لكنها اكتفت بالركوب على آمال المواطنين و مطالبهم و الخروج لإضراب خاسر قبل بدايته. حينما خرج الشعب تحت لواء النقابات في الثمانينات، كانت الأسباب مقنعة و المرحلة مواتية و الجماهير مستعدة، لكن كان للنقابات اليوم لها رغبة في إنجاح الإضراب العام، لكن بطرق غريبة، أهمها مقاطعة للحوار و الإقتراح، نشر إعلانات في الجرائد و الأداء عنها لإشهار الإضراب للناس، بلاغات تصدر قبل بداية الإضراب و نسب مشكوك في أمرها، و خصوصا غياب نسبيا تام لمظاهر الإضراب العام في حياة المواطن، هذا ما يدعونا للتفكير أننا عشنا اليوم إضرابا.. لكن مع وقف التنفيذ.