بعد مدة من القلق والترقب في أوساط الأسر والتلاميذ والأطر الإدارية والتربوية ومختلف المتدخلين في الشأن التربوي، كشفت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، عن هوية الأنماط التربوية التي سيكون عليها الموسم الدراسي الجديد 2021-2022، والتي تحكمت فيها عدة محددات، مرتبطة بالأساس بمتغيرات الوضعية الوبائية ببلادنا، والتفاوتات الحاصلة في المؤشرات الوبائية على مستوى الأقاليم والجهات، والرهان على تنظيم عملية التلقيح المتعلقة بالفئة العمرية 12-17 سنة، فضلا عن التدابير الوقائية والاجراءات الاحترازية المعتمدة من قبل السطات المختصة للتصدي لتفشي وباء كوفيد 19، من أجل ضمان تحصيل دراسي آمن لجميع أطراف المجتمع المدرسي، وفي هذا الإطار، سوف يتم اعتماد الأنماط التربوية التالية، كما أعلنت عنها الوزارة الوصية في بلاغها الصحفي الصادر يوم السبت 28 غشت 2021 : -النمط التربوي الأول : اعتماد نمط التعليم الحضوري: ربطت الوزارة الوصية هذا النمط الحضوري في حالتين : أولها: في المؤسسات التعليمية التي تتوفر على الشروط المادية لتحقيق التباعد الجسدي، على ألا يتجاوز عدد التلاميذ بالأقسام 20 تلميذا، وثانيها : في المؤسسات التعليمية التي تم تلقيح جميع تلاميذها، والسؤال الذي يطرح بقوة كالتالي: هل الحالتان مترابطتان ومتلازمتان ؟ أم يكفي توفر إحداهما لتطبيق نمط الحضوري؟ -النمط التربوي الثاني : اعتماد التعليم بالتناوب بين "الحضوري" و"التعلم الذاتي" : يطبق هذا النموذج في باقي المؤسسات التعليمية، التي لا تتوفر فيها شروط الاعتماد على التعليم الحضوري بشكل كلي، كما تمت الإشارة إلى ذلك سلفا، مع إمكانية المرور إلى "الحضوري" متى توفر شرط تلقيح جميع التلاميذ، وفي هذا الإطار، فهل يسقط شرط "ألا يتجاوز عدد التلاميذ بالأقسام 20 تلميذا" في حالة "التلقيح الجماعي للتلاميذ"؟ أم أن المرور إلى "النمط الحضوري" يمر قطعا عبر توفر شرط "20 تلميذا داخل القسم" ؟ وتوضيحا للرؤية، نشير إلى الحالتين التاليتين: -حالة1: مؤسسة تتوفر على الشروط المادية لتحقيق التباعد الجسدي وخاصة شرط "عدم تجاوز الأقسام 20 تلميذا"، ولكن لا تتوفر على شرط "التلقيح الجماعي". -حالة2: مؤسسة نجحت في تلقيح تلاميذها، ولكن لا تتوفر على الشروط المادية لتحقيق التباعد الجسدي بشكل كلي أو جزئي. وإذا ما تركنا هذا الإبهام جانبا، فهذا النمط التربوي الذي تم اعتماده الموسم الدراسي المنصرم بشكل غير مسبوق، يقتضي عدة تدابير استعجالية، على رأسها "التخفيف من كم البرامج الدراسية" و"إعادة النظر في الأطر المرجعية للامتحانات" و"تنزيل منظومة تقويمية مرنة"، تنسجم وخصوصية الظرفية الراهنة. -النمط التربوي الثالث: اعتماد التعليم "عن بعد" : تم ربط هذا الاختيار التربوي، بالرغبة التي تبديها الأسر في هذا الإطار، وفي حالة اكتشاف بؤرة وبائية داخل مؤسسة تعليمية، وحظوظ هذا النمط التربوي تبقى ضئيلة جدا، بدليل أن كل الأسر اختارت خلال السنة المنصرمة، نمط التعليم بالتناوب لأبنائها، لما أبان عنه هذا "التعليم عن بعد" من مشكلات موضوعية، ما عدا حالة بروز البؤرة الوبائية، التي يكون فيها هذا النمط "خيارا لامحيد عنه". مع الإشارة إلى أن تطبيق هذه الأنماط التربوية، سيتم حسب وضعية كل مؤسسة تعليمية على حدة، مع تخويل صلاحية اعتماد النمط المناسب إلى السلطات الترابية والتربوية والصحية المحلية، وهذه الصلاحية، قد تفقد مدراء المؤسسات التعليمية، سلطة اعتماد النمط التربوي الذي ينسجم وخصوصية المؤسسة، لكن بالمقابل، يستحسن أن يستقر رأي هذه السلطات الترابية والتربوية والصحية المحلية، على رأي واحد بخصوص النمط التربوي المعتمد على المستوى المحلي، حتى تتحرك جميع المؤسسات التربوية بنفس النمط ونفس الإيقاع، بشكل يضمن استقرار التعلمات، كما يضمن مبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ، مع ضرورة التعامل مع المؤسسات التعليمية بنوع من المرونة على مستوى التعامل مع بعض الحالات الخاصة، من قبيل بعض الأقسام التي لا يتجاوز عدد تلاميذها 20 تلميذا، مما يفرض إخضاعها إلى نمط التعليم الحضوري بشكل كلي، كما هو حال أقسام العلوم الرياضية، وفي جميع الحالات، يبقى الخيار الأمثل هو نمط "التعليم بالتناوب" الذي يبقى الخيار المناسب لتدبير محطة الدخول المدرسي أو الدورة الأولى على الأقل، في انتظار المرور إلى "التعليم الحضوري" في حالة تحقق شرط التلقيح الجماعي للتلاميذ، وانتظار تراجع مؤشرات الحالة الوبائية. مع الإشارة إلى أنه وبغض النظر عن النموذج التربوي المعتمد، فالوزارة الوصية على القطاع، مدعوة إلى الإفصاح "مبكرا" عن الأطر المرجعية "المكيفة"، للحد من مشاهد اللخبطة والارتباك في إنجاز المقررات الدراسية كما حدث الموسم الماضي، خاصة في الأقسام الإشهادية، في انتظار نفض الغبار بشكل كلي وجذري عن هذه الأطر المرجعية التي "بلغت من العمر عثيا " إن صح التوصيف، وفق منظور شمولي يراعي المتغيرات الوطنية والإقليمية، ويستحضر ما أحدثته الإمبراطورة كورونا، من ثورات بيداغوجية ناعمة داخل المنظومات التربوية عبر العالم.