أغلب الأوقات لايتوقف المجتمع في تقريع الدولة ويحاول أن يقدمها في كثير من الأحيان كوحش تسلب كل ماهو جميل في حياة الأفراد. الدولة بطبيعتها أنانية لأنها دائما تحاول إنزال سياساتها إلى الأرض بكل الطرق والوسائل بما فيها العنف غير المشروع، ونزع الملكية، والضرب والمحاكمة غير العادلة ووو.. لكنها الدولة وهي تقدم خطتها أو خططها في تدبير شؤون الأفراد وتحقيق ماأمكن مطالبهم العديدة والمتنوعة فهي تلجأ في كثير من الأحيان إلى هذا الأسلوب " البدائي " أو أكثر . المجتمع بطبيعته هو الآخر أناني ولايفكر سوى في تفجير مكبوتاته باسم الحريات العامة، ويعتبر كل تحرك منه هو أسمى تعبير عن هذه الحريات، وفي كثير من الأحيان يصطدم مع الدولة عندما يحرق سفن مايسمى "بالمتعارف عليه" ويعتبر حريته مقدسة لايجوز للدولة بأي شكل من الأشكال أن تقترب منها أو تأويل شكلها أو مضمونها كيف ماكانت النتائج. وقد يصل به الأمر لأن يصطدم مع نفسه عندما يفقد البوصلة ولايعد يعرف أدواره الحقيقية، فيتحول في لحظة ما إلى مجرد قطيع ، أو حيوان جائع يلتهم أي شيء يجده في طريقه. هنا ينتفي المجتمع الخلاق، ولايبق له أي أثر، مجرد كثلة من الأفراد تجمعهم رغبات ومطالب أقل مايقال عنها أنها شهوانية، يتحركون في محيط النزوات والفردانية المقيتة وتحقيق الأغراض الذاتية بعيدين كل البعد على كل ماهو سام و صالح للعموم.إنه مجتمع ضيق، لايفكر سو في نفسه، إنه مجتمع صغير جدا بدون أفق. ومن هنا فالمجتمع غير الخلاق لايمكن أن يجتمع على فكرة نبيلة، وعلى المساهمة في بناء مدرسة للجميع، وعلى محكمة فيها قاض عادل، وعلى حاكم مسؤول، وعلى أطفال يبدعون، فهو مجتمع بدون أهداف وبدون مستقبل، وهنا فهو سيساعد بطريقة غير مباشرة على استمرار دولة غير خلاقة، دولة متهلهلة ، دولة أشباح، هشة لاحياة فيها تذكر. الآن ونحن نكاد نخرج بسلام من شرنق الجائحة وأضرارها البالغة فنحن نحتاج إلى مجتمع خلاق أكثر من دولة خلاقة، لأن المجتمع هو في الأول وفي الأخير هو من يقود الدولة بتوجهاته، باختياراته الكبيرة، بفرض صوته ، بإبداعاته القوية، وأكثر من ذلك برفضه لأي انحراف كيف ماكان شكله، المجتمع الخلاق هو من يقود الدولة حتى ولو كانت ديكتاتورية . النظام الديكتاتوري ينشط ويرفرف علمه عاليا عندما يجد مجتمعا منحطا يحفظ له النشيد الوطني وينشده في كل مناسبة، فيشعر بالإطمئنان والسلام ويوما بعد يوم يكبر هذا النظام ويصغر هذا المجتمع ، فيتحول من مشارك إلى راع وبعد فترة إلى خادم خنوع ، وفي هذه الحالة تفقد الدولة جوهرها الذي أسست من أجله وهو حماية المجتمع وتقويته، ويفقد المجتمع دوره الحقيقي هو تحقيق التوازن والتصدي لأي انحراف للدولة. ومن هنا فالمجتمع الخلاق هو صمام الأمان للدولة القوية، وأي تدمير لهذا المجتمع النبيل هو تدمير لهذه الدولة القوية.