"خلقنا الله لنستوفي حظنا من هذه الحياة سعداء بها ما وجدنا إلى السعادة سبيلا" هكذا تحدث عميد الأدب العربي في كتابه الرائع المعنون "مستقبل الثقافة في مصر"، وكذلك تكلم المفكر التونسي هشام اجعيط بالقول: ليس الفوز والنصر هو تفجير باحة انتظار مسافرين عبر المطار وتدمير محطة القطار بل الفوز والنصر من يبني المطارات والمحطات ويصنع الطائرات والقطارات. الإرهاب ظاهرة شاعت وتوسعت بشكل كبير في الأبحاث والدراسات الأكاديمية، بل وفى واقعنا الذي نعيشه في العقود الأخيرة، وبالرغم من شيوعه إلا أن النقاش لازال محتدمًا حول التوصل لتعريف كافٍ وشافٍ يرضي كل المهتمين بهذه الظاهرة، ولابد من الإقرار بأنه من الصعب إيجاد تعريف لمصطلح الإرهاب بحيث نجد المئات من التعاريف للإرهاب ويعزى ذلك لتعقد الظاهرة وتعدد مستوياتها وتردد الآراء بشأنها، سواء تعلق الأمر بالفرد أو الحزب أو المجتمع أو الدولة التي تواجهها. حتى أن بعض الدول والجماعات تعتبِر من وجهة نظرها أن الإرهابي هو مجاهد في سبيل الله يبتغي الشهادة بينما هو ذات الإرهابي يعتبر عند دول وأحزاب وأفراد مجرد قاتل مأجور؛ لذلك كله اتفق الأكاديميون بالرضى بالتوصيف لا التعريف، ومما يزيد الإشكال عمقا تعدد أسباب الإرهاب، إذ أن لكل سبب حيثياته وتغيراته وباختلاف السبب يختلف الموقف فما بالك بالمفهوم. الإرهاب هو ظاهرة اجتماعية قديمة قدم التاريخ الإنساني، ظهرت منذ ظهور فكرة الدولة، وربما قبلها، منذ أن ظهرت فكرة السلطة والصراع على النفوذ. ولكن بانتشار الانترنت وتكنولوجيا الاتصال والانتقال الحر لرأس المال ورجال الاعمال في العالم، انتقل الإرهاب من مرحلة تصنيع الفكر الإرهابي إلى تصدير الفعل الإرهابي كأداة لترويع الشعوب والدول على حد سواء، ليس فقط عربيا بل وإفريقيا وأوربيا، وإنما أيضًا عالميا. رعب في بلجيكا وخوف في أوروبا، بروكسيل والعراق وأبيدجان مازالت تبكي ضحاياها بسبب الفكر الذي رَعَتْهُ وربتهُ ووفرت له كل الدعم على مدى عشرات السنين من الزمن، هذا الفكر الوهابي السلفي الإخواني القادم من الخليج، والذي يتم تصديره للعالم بأسره بموافقة الدول ومباركة الحكومات من خلال توزيع مجاني لكتيبات صغيرة للمعتمرين وفيما بعد للحجيج أو عبر قنوات فضائية يفوق عددها الألف أو عبر تمويل وتموين جمعيات لإحياء وتشجيع تراث أو مراكز لنشر ثقافة إسلامية، من خلال إغراقها بآلاف النسخ من أشرطة صوتية لشيوخ التطرف وأخرى مسموعة-مرئية لوعاظ شرب بول البعير بالإضافة لكتب ورسائل فتاوى تكفيرية؛ هل كان ذلك بفعل التسامح البلجيكي ومن خلاله الأوربي والعالمي أم أنه كان بفعل العقل الاستعماري الذي أراد تصنيع وتصدير الفوضى الخلاقة إلى العالم العربي والإسلامي، فإذ به ينفجر في قلب بروكسيل عاصمة أوربا، هو سؤال يعاد ويكرر بعد كل عملية تدمير وتفجير إرهابية. إن الإرهاب الذي تشهده أوربا سببه نهجها لسياسات تمييزية وعنصرية ضد مواطنيها، كان من نتائجه تهميش اقتصادي للعديد ليس فقط من المواطنين بل والدول أيضا، كما أدى إلى إقصاء اجتماعي لطبقات عريضة خاصة المسلمين، هذه السياسات دفعت ببعض المسلمين إلى التقوقع داخل شرنقة أيديولوجية مضادة تدافع بها عن نفسها ولتعبر عن أصوليتها الثقافية بنهج بعض من أفراد جماعاتها للدعاية بغرض التشويه المتعمد بممارسة دغمائية فعالة بحض مرتاديها ومريديها بأن لا خلاص لهم إلا بالعودة إلى هوية السلف الإسلامية لأن دول الغرب التي تحتضنهم منحلة وفاسدة وحياة مواطنيها الكفرة مدمرة وفي طريقها ليس فقط إلى ضلال مبين بل ويعتبرونها أنها تَفنِي نَفسَها بنفسِها وإلى زوال. هنا يثار نقاش حول دور الأسرة والمدرسة والمجتمع وأجهزة الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي يمكن اعتبارها حاليا أكبر قاعدة لتجنيد الإرهابيين، فالأمر الذي لا ريب فيه أن الدور الفكري والثقافي هما صماما الأمان لمحاربة العنف ومواجهة الإرهاب، دون نسيان دور الفساد والفقر والبطالة وكل ما يؤدي للوقوع في براثن اليأس ومخالب الإحباط. فالإنسان ليس متطرفا بفطرته وطبعه، لكن رغبته تزداد استجابة لكتب التطرف وأشرطة التكفير وفيديوهات التفجير إذا كانت حالته النفسية والاقتصادية والاجتماعية جدا سيئة، والحائز للصحة السليمة النفسية والاجتماعية لا يميل إلى تبني الآراء المتطرفة، وحتى في حال اعتناقه لها كأفكار في حالات وأحوال نادرة فإنه غير قادر إلى التحول بها إلى العنف والإرهاب معرضا حياته السليمة ونفسيته العافية إلى الهلاك، فمن يحمل فكرا وتفكيرا ناسفا يسْهُل إقناعه بل واقتناعه بحمل حزام ناسف لتفجيره؛ إن ما نشهده من أجواء الإرهاب الفكري والثقافي والجدلي، وإن اختلفت الوسائل والغايات والأهداف، نجد أن مواطنين يدافعون بحماس عن الحرية، لا في بعدها القيمي الإنساني الشمولي ولكن باستخدامها وسيلة لتحقيق عقيدة دولتهم، وإلا فهم مستعدون أن ينقلبوا عليها وتقييدها. لسنا نعيش صراعاً بين الحضارات كما يقول صمويل هنتنغتون بقدر ما أصبحنا نعيش صراعاً ببن الطوائف والمذاهب والحركات والأصوليات، أو قل بأنها مواجهة بين هويات أصولية رأسمالية متوحشة ضد هويات أصولية دينية متشددة ووحده الارهاب وسيلة تعبيرها عن رفض هذا النظام العالمي. لأختم بالقول بأن الإرهاب بدايته فكرة لكنها تبقى نقمة وليست بنعمة ولا رحمة، كما أنه فعل وعمل لا أخلاقي، لا شك في ذلك، والإرهابي الذي يعمل في السر وعلى هامش القانون في هذا البلد ويندمج في حركات الإرهاب العالمية فلا صلة له بالإسلام دين السلام والمحبة والتعايش، مصداقا لقوله تعالى في سورتي هود و المائدة الآية 35 و الآية 32 : " وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ "، " ومن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا " الإنسانية هي الحل *كاتب