يعتبر بقاء الصحافة الورقية أمر مهم في المستقبل، والصحافة الورقية موجودة تقريبا في كل العالم، جنبا إلى جنب مع الصحافة الإلكترونية، والصحف والمجلات في الخارج تباع، رغم زخم وسائل التواصل الاجتماعي، هذا راجع إلى قوة الموقع الإلكتروني للصحيفة، أو المجلة وتصميمه وتنوع موضوعاته، خاصة قضايا الشارع، التي تمس كل فئات المواطنين، بل أن المواقع أصبحت مصادر جلب الإعلانات بمبالغ ضخمة، وهذا من واقع قوتها والاهتمام بها من كل جوانبها، سواء التحريرية، أو الفنية. لكن بالرغم من ذلك، هناك من يعتقد أن الصحافة الرقمية ستتربع على عرش صاحبة الجلالة وحدها في المستقبل، فهو بدون شك اعتقاد خاطئ، فالصحافة الورقية إذا تحركت من الآن، باعتبارها صناعة، تتخذ خطوات للإصلاح الذي يبدأ بتحديث الرؤية، تغيير المحتوى، وضخ التمويل اللازم لتطويرها ، ستكون الصحيفة الورقية حاضرة فالمستقبل. على العموم ما يهمنا هنا، هو لماذا الصحف الورقية تأثرت كثيرا بسبب انتشار الإنترنت؟ أولاً: قبل الإجابة على السؤال، لابد من تشخيص الأزمة الورقية بعمق. وصراحة، سواء من العوامل الخارجية أو من العوامل الداخلية، وهي كثيرة ومتشعبة، قد أتجاوز وأقول خطيرة. ثانياً: تحديد مدى جدية علاقتنا وفهمنا للتطور الإتصالي الجاري في العالم بسرعة الضوء. ثالثا: ما هو مدى إدراكنا ومعرفتنا باحتياجات وسلوكيات القراء والمعلنين. رابعًا: هل هجرة الرقمي إلى الورقي قرار صحيح أم خاطئ. إجابة على السؤال المطروح، أعتقد أن المشكلة هنا تعود إلى عدة أسباب من بينها: أزمة المحتوى الغير الجاذب، والذي لا يهتم بطرح ما يجول في خاطر القراء، بمعنى أن المحتوى يتراجع، وبالتالي انصرف القراء ( المستهلكون) عن المنتج عندما لم يعد يقدم شيئا، ومن يقدمون المنتج الآن وفي الأغلب هم " الجيل التواصل الاجتماعي" ، الذي تسلم مهنة غاب أساتذتها أو غيبوا. إضافة أن، الأزمة الورقية نشأت كنتيجة حتمية للتعامل مع الإعلام كسلعة تخضع لقوانين العرض والطلب، وهو الأمر الذي أوصلها إلى الإحتكار والذي يبحث عن مصالحه الخاصة. لقد كانت الفكرة الأساسية، عبارة عن وجود إصدارات صحفية معلوماتية، يعبر كل منها عن توجهه والتنافس بينهم يقود إلى الموضوعية، حيث أن المتلقي هو الحكم ونسبة التوزيع هي النتيجة. الفكرة هنا جيدة من الناحية النظرية، لكن عند العودة إلى التطبيق، سنجد رؤوس الأموال وهم أيضا ملاك التكنولوجيا، استطاعوا الاحتكار والاستحواذ على كافة الوسائل الاعلامية وأصبحوا هم الموجه الأول لحركة المعلومات والوعي. حتى عدم الإقبال على الورقي اتجاه عام، خاصة عند الشباب مرتبط كثيرا لأسباب كثيرة، منها ماهو اقتصادي ومستوى التعليم، كذلك هجوم التكنولوجيا الجديدة. أيضا، ارتفاع التكلفة للورقي، مع انخفاض العائد الإعلاني، بسبب الأزمة الاقتصادية الممتدة عندنا. كذلك تحول قطاعات كاملة، كالاتصالات إلى الإعلان الإلكتروني. ولاننسى مشكلة تتعلق بسرعة نشر الخبر، التي تفوق فيها النت منذ زمن على الصحف الورقية، مع تقدم وسائل التكنولوحيا وتصوير أي حدث بث مباشر من أي فرد يمتلك الهاتف، إلى جانب عوامل أخرى، حيث أن الصحفية الورقية الملتزمة بنهج وخط معين، العمل بشفافية تامة وتحليل برؤى وزوايا ، لا تخضع في أحيان كثيرة لإيديولوجيات، أو ضوابط نشر مقيدة. وأخيراً، تفريغ الصحيفة الورقية من المواهب وعدم وجود قامات، فكرية، أدبية وثقافية للكتابة، كما كان يحدث سابقا، إلى جانب إسناد الأمور لأصحاب الثقة وليس لأصحاب الكفاءة والخبرة وعدم تجديد الفكر في المحتوى، حيث قل عدد المطبوع من جميع الصحف وانخفضت بشكل مريع إيرادات الإعلانات لوجود البديل على النت وأصبح هناك قنوات ومواقع مخصصة للإعلانات على النت، وهو الأمر الذي أثر بشدة على دخل المؤسسات الصحفية وقل التوزيع وانخفضت الإعلانات. وبعد معرفة هذه الأسباب، يجب أن نتساءل عن ما هو الحل البديل ؟ الحل ليس هو هجرة الرقمي إلى الورقي، فالمنافسة بين الورقية والإلكترونية كأي منافسة عادلة، بل كل وسيلة جديدة تكون لها ثقافتها وأسلوب تعامل معها وأنماط تفكير مختلفة. الانتقال للرقمي يعني تدريبا مختلفا وأساليب كتابة مختلفة وبيئة مختلفة أيضا. لكن، النموذج الناجح في العالم، هو الذي يقوم على المزاوجة بين الورقي والرقمي وهناك العديد من النماذج الناجحة في هذا المجال، سواء في العالم المتقدم، بما في ذلك دول اسكندينافيا وغيرها وفي الولاياتالمتحدة وفي العالم الثالث أيضا، مثل كينيا وغيرها من الدول، التي نجت، أو كادت عندما تحولت إلى الديجيتال لأنها ذات محتوى جيد ومتميز، "نيويورك تايمز" حققت عائدات من اشتراكات أونلاين حوالي 2 مليار تقريبا، لهذا يجب على المؤسسات أن تلجأ إلى مشروعات تعليمية وثقافية بديلة للطباعة الورقية، والتي لن تصمد طويلا أمام هذا الغول المسمري بالإنترنت. هنا، يجب التوقف والتدبر والدراسة. فالمسألة لها قواعد ومراحل وكل مرحلة تتضمن خطوات، لكي نصل في النهاية إلى المزاوجة بين الورقي والرقمي، وأن يدفع كل منهما الآخر من خلال صيغة ال فريميم. ولكن مرة أخرى، المزاوجة في اعتقادي مرحلية، وسيكون هناك طرف أقوى ويزداد قوة وطرف آخر يتراجع ويضمحل، وهذا ليس انتقاصا من الصحافة نفسها. نحن نؤمن أن الصحافة الورقية، أو الرقيمة صحافة حقيقية، تلبي مطالب عصر وأجيال جديدة. المطلوب هو رؤية شاملة، تأخذ في اعتبارها المزاوجة، ثم الانتقال لهذا النوع من الصحافة، المحتوى الورقي سيختلف وسيكون أكثر عمقا إذا حدثت المزاوجة. المهم في الموضوع، هو بقاء الصحيفة الورقية و إعادة تحقيق الانتشار، بأساليب جديدة وتحقيق التميز والتفاعل مع طلبات المستهلكين ( القراء ) وتحسين جودة الصحيفة، من خلال تصميم وتنوع موضوعات، وخاصة قضايا الشارع، التي تمس كل فئات المواطنين والإعتماد على الابتكار في العرض وتنوع العناوين والمهارات، لكي تصبح الصحيفة الورقية مصدر جلب اعلانات بمبالغ ضخمة، ثم عودة القارئ إلى أحضان الصحيفة. * طالب جامعي وباحث في القانون