مقدمة: إن مقاربة موضوع الأسرة ورهان النهوض بأدوارها المجتمعية مع اعتماد القانون الاطار 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية،يفرض علينا بداية تناول هذا الموضوع وفق سياقاته العامة – التي تخص العالم والكونية- ثم الخاصة التي تهم بلدنا على وجه الخصوص ،وهي من دفعت عاهل البلاد الملك محمد السادس نصره الله للاعلان عن مشروع مجتمعي كبير هو بمثابة ثورة اجتماعية جديدة ،حدد جلالته في خطاب افتتاح الدورة التشريعية ل 9 أكتوبر 2020 مرتكزاته ومعالمه. يهدف هذا القانون الاطار إلى توسيع نطاق الحماية الاجتماعية وصون كرامة المواطن والمواطنة، لاسيما بعد المتغيرات الجديدة التي فرصتها جائحة كوفيد19 . أما عن السياق العام فلا أحد سينكر أننا جميعا نعيش زمن الكونية والعوالم الرقمية أو ما يسمى بزمن السيولة، الذي تنامت فيه التحديات التي تواجهها الأسرة مع درجات من التفاوت بين كل بلد و آخر . هذه التحديات تأخذ أبعاد عديدة ، منها ماهي ذات طابع اقتصادي مرتبط بشح الموارد وكثرة الطلب، ذات طابع بيئي مرتبط بالتغيرات المناخية ، تربوية بسبب التحولات القيمية ، صحية بسبب انتشار الأمراض الفتاكة، والأوبئة- التي تقف المنظومات الصحية الجد متطورة عاجزة أمامها فما أدراك بالمتخلفة – تحديات نفسية و اجتماعية بسبب صراع الأجيال أو تنازع المصالح بين أركانها واختلال التوازن في توزيع الأدوار الأسرية بين دعاماتها. وهي وإن كانت جد متنامية ومتسارعة، فالأكيد أنها تنعكس على المهام الوظيفية الأساسية للأسرة، التي تكمن في صناعة الانسان الرأسمال اللامادي لأي مجتمع ،القادر على الابتكار و الانتاج والتطوير والتحديث دونما الذوبان، والمساهمة الجيدة في ركب التنمية والسلم الاجتماعي عبر مرتكزات: تربية ، وقاية ، رقابة ، تعاون ، وتوعية: ولن تؤذي الأسرة هذه الأدوار الا اذا توفرت لها الحماية والأمن بمفهومه الشامل : الأمن الغذائي + الأمن الصحي + الأمن الاجتماعي و الأمن الروحي ، وحيث أن الأسرة هي محور التنمية المستدامة، فإن التحديات التي تواجه الأسرة وفق ما يسمى بأهداف التنمية المستدامة – هي 17 هدف توافق حولها العالم للعمل على التصدي المشترك لمهدداتها – يدخل ضمن أولوياتها: القضاء على الفقر والجوع و مواجهة التغيرات المناخية و تعزيز الابتكار والاستهلاك المستدام والمحافظة على البيئة ومجابهة عدم المساواة الاقتصادية و النهوض بالسلم والعدالة. والخلاصة أن العالم برمته، لديه وعي حقيقي بما يهدد الانسان كفرد أو كأسرة فوجب أن يتجه ترافعنا القادم دوليا ووطنيا -ونحن على مشارف اليوم العالمي للأسرة الذي يصادف 15 ماي من كل سنة- صوب تعزيز أدوار الأسرة في التنمية، باعتبارها تشكل الوحدة الأساسية للحماية المجتمعية . المحور الثاني : الأسرة والوعي بالقضايا الجديدة في أفق سياسات عمومية دامجة للبعد الأسري أجرت المندوبية السامية للتخطيط بحثا حول تحول الأسر بالمغرب والمرامي المصاحبة لأهداف التنمية المستدامة شمل عينة حوالي 14560 شخص تبلغ أعمارهم أزيد من 18 سنة ،50% منهن نساء ( نسبة ذات دلالة مادامت النساء تشكل 50,3% مم الساكنة)، رصد هذا البحث تصور المواطنين حول ما يرتبط باحتياجاتهم الأساسية، فكان القضاء على الفقر في المرتبة الأولى والصحة الجيدة و التعليم الجيد و العمل اللائق و البيئة السليمة ثم السلم الاجتماعي في مراتب متتالية . فانعدام كل هذه المقومات من شأنه أن يتسبب في انهيار منظومة الأمن المجتمعي برمتها والتي تعتبر الطبقة المتوسطة إحدى رافعاته المحورية، و التي تضررت كثيرا في السنوات الأخيرة بسبب تراجع قدرتها الشرائية وارتفاع تكلفة الحياة لاسيما في ما يخص نفقاتها الأساسية : السكن، التعليم ، الصحة . لقد بادر المغرب بعد مجيئ الجائحة إلى احداث الصندوق الخاص بتدبير أزمة كوفيد 19 ، استفاد من أزيد من 6.3 مليون أسرة، أكثر من مليون منها يستفيدون من صندوق الضمان الاجتماعي ، و ما يزيد عن 5 مليون أسرة من يعيلها، يعملون بالقطاع غيرالمهيكل جزء منهم لايتوفر على التغطية الصحية الراميد ، هذه العوامل وغيرها بما في ذلك اقبال المغرب على اعتماد نموذجه التنموي الجديد عجل بخروج القانون الاطار للحماية الاجتماعيةإلى حيز الوجود . المحور الثالث : القانون الإطار للحماية الاجتماعية بالمغرب ودوره في تعزيز الحماية للأسر لكل الأسباب السالفة الذكر ، تبين لنا قصور منظومة الحماية الاجتماعية بالمغرب رغم كل ما أنجز من برامج تدخلية اجتماعية عادة ما تأخذ طابع الاستعجالية ومن ضمنها: ورش المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لاسيما أنه يتم حاليا تنزيل الجيل الثالث من المبادرة 2019 – 2021 ، برنامج تيسير لدعم الأطفال المتمدرسين ، برنامج تقليص الفوارق المجالية ، نظام المساعدة الطبية راميد ، صندوق التكافل العائلي….،كل هذه البرامج ساهمت في تحسين ولوج المواطنين إلى الخدمات الأساسية، لكننا اليوم بحاجة إلى استكمال بناء منظومة قوية توفر الحماية الاجتماعية لفئات واسعة وتكون قادرة على الحد من المخاطر التي تنشئ عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية و الصحية . القانون الاطار 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية يعتبر مدخلا أساسيا لا محيد عنه للنهوض بالعنصر البشري باعتباره حلقة أساسية في التنمية، وبناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية وتنزيله يعزز ترسيخ الدولة الاجتماعية التضامنية.ومرتكزاته هي : توسيع التغطية الصحية الاجبارية، بحلول نهاية سنة 2022 لتشمل الاستفادة 22 مليون مستفيد . التأمين الاجباري عن الأمراض بتغطية تكاليف العلاج والأدوية والاستشفاء. ثانيا : تعميم التعويضات العائلية، التي سيستفيد منها حوالي سبعة مليون طفل في سن التمدرس ؛ ثالثا : توسيع قاعدة الانخراط في أنظمة التقاعد، من خلال دمج حوالي خمسة مليون شخص من الساكنة النشيطة التي لا تتوفر حاليا، على أي تغطية متعلقة بالتقاعد. رابعا : تعميم التعويض عن فقدان الشغل لفائدة الأشخاص الذين يتوفرون على شغل قار. ويحدد هذا القانون الاطار الأحكام والمبادئ والتوجيهات والآليات المؤطرة لعمل الدولة في هذا المجال، والكفيلة بالحد من الفقر ومحاربة الهشاشة ودعم القدرة الشرائية للأسر والنهوض بأدوارها كرافعة للرأسمال البشري ،مستندا على أحكام الدستور لاسيما الفصلين 31 تحديدا والذي ينص على الحق في الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية و الفصل 32 الذي يعنى بالأسرة كوحدة أساسية معيارية لاستمرارية الدولة عبر المجتمع في القيام بمهامها الوظيفية. وسيتم تنزيل هذا الاصلاح داخل أجل خمس سنوات، حسب الجدولة الزمنية التالية: تعميم التأمين الإجباري على المرض خلال سنتي 2021و 2022 ؛ تعميم التعويضات العائلية من خلال تمكين الأسر التي لا تستفيد من هذه التعويضات وفق النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، من الاستفادة حسب الحالة، من تعويضات للحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة، أو من تعويضات جزافية وذلك خالل سنتي 2023 و 2024 توسيع الانخراط في أنظمة التقاعد وتعميم الاستفادة من تعويض عن فقدان الشغل سنة 2025. والخلاصة أنه لا يمكن للأسرة أن تنهض بكل أدوارها المجتمعية: تربويا، رعائيا، تعليميا ، صحيا، نفسيا. دون أن تتوفر لها الحماية التي هي أعلى درجات الأمان بركنيه المادي واللامادي وتعزيز قدرتها الشرائية لأنها محرك أساس للدينامية الاقتصادية ، وهذا لن يتأتى دون تطوير الجوانب المتعلقة بالتدبير والحكامة وضمان التقائية أنظمة الحماية الاجتماعية واتخاذ جميع التدابير ذات الطابع التشريعي والتنظيمي والمؤسساتي والمالي التي ستمكن من تفعيلها، مع مراعاة لمبدأ التوازن المالي لهذه الأنظمة، وكذا التوازن الهيكلي بين الموارد والاشتراكات من جهة والنفقات والخدمات من جهة أخرى.