يبدو من خلال ردود الأفعال الهستيرية التي صدرت عن مختلف دوائر صناعة القرار الجزائري من قادة الجيش والرئيس المعين والحكومة والبرلمان والإعلام، أنّها تعيش تحت هول الصدمة من توالي المبادرات المغربية منذ "ضربة المعلم" في الكركرات وصولاً إلى التحول الاستراتيجي في الموقف الأمريكي من الصراع في الصحراء. وقد شكلت تلك الضربات مفاجأة استراتيجية غير سارة للنظام العسكري الجزائري الذي يحاصره الحراك الشعبي وتنخره الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتهدد وجوده الانشقاقات العمودية والأفقية داخل الجيش الذي فرّ العديد من جنرالاته خارج الجزائر منهم قائد الدرك السابق الجنرال غالي بالقصير والجنرال الحبيب شنتوف، وبعضهم تمّ اغتياله كالجنرال عمار بوسيس في يناير 2021 وأمّا البعض الآخر فأودع السجنومنهم الجنرال مناد نوبة، والجنرال سعيد باي والجنرال آيت واعرابي، والقائمة غير حصرية.. وإذا كان المغرب قد سجل في الفترة الأخيرة نقاطاً مهمة في الحرب المفروضة عليه من طرف الجزائر منذ نصف قرن، وإذا كان بعض تلك النقاط يدخل ضمن خانة التحول الاستراتيجي لموازين الصراع الإقليمي، فإنّ التصاعد المحموم في ردود الأفعال من طرف النظام العسكري الجزائري يستدعي من المغرب إعلان حالة الطوارئ الدبلوماسية للحيلولة دون وقوع تراجعات أو مراجعات في المواقف الدولية، كما يستدعي يقظة امنية واستراتيجية لتجنب أي انزلاق وخيم العواقب تحاول العصابات الحاكمة في الجزائر جرّ المنطقة إليه. فعلى الصعيد الدبلوماسي لا يمكن إغماض العين على الضغوطات التي تمارسها الدولة الجزائرية رسمياً ومن خلال لوبياتها في الخارج للتأثير على الإدارة الجديدة للبيت الأبيض، فبعد الرسالة المُخزية التي وقعها رؤساء الفرق البرلمانية الجزائرية والتي تطالب الرئيس الأمريكي سحب اعترافه بسيادة المغرب على جزء من أراضيه، تناسلت الرسائل من عدة جهات دولية تتغذى بالبترودولار الجزائري ومنها على وجه الخصوص الرسالة التي وجهها 27 سناتوراً أمريكياً، ورسالة ثانية من رئيسة مؤسسة كيري كندي، وثالثة من مؤسسة ترعى الانفصال ترأسها الأمريكية سوزان شْلوت، ورابعة من مجموعة دعم الكيان الوهمي في البرلمان الأوربي بقيادة أندرياس شْييدر، وخامسة وقعتها جمعيات في جنيف السويسرية، الخ. إلى جانب هذه الرسائل الموجهة مباشرة إلى الرئيس الأمريكي شهدت الأسابيع الماضية تحريك عدة آليات للضغط على الرأي العام الأوربي والأمريكي ومنها نشر مقالات في الصحف الكبرى مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز، ونداء وقعه العديد من الشخصيات المستقلة والمثقفين قد يكون من بينها نعوم تشومسكي، في محاولة لقلب الحقائق حول احتجاز ساكنة تندوف وحرمانها من بطاقة اللاجئ وخضوعها لسيطرة المليشيات المسلحة ضداً على القانون الدولي الذي يفرض إخضاع المخيمات لقانون الدولة المضيفة والفصل بين المدنيين والمسلحين، وعدم تجنيد الأطفال، وحق العودة وحرية التنقل.. وغيرها من الحقوق والمواثيق الدولية التي يضرب بها النظام العسكري الجزائري عرض الحائط ويزعم العكس. وفي الجانب الميداني مازالت أجهزة الإعلام الجزائري بكل تشكيلاتها تواصل دعايتها التضليلية حول حرب وهمية تخوضها ميلشيات تندوف ضد المغرب في الصحراء، دون أن تسمح لأي منبر إعلامي دولي مستقل لتغطية تلك الحروب الدونكشوتية التي تجري داخل أستوديوهات التلفزيون الجزائري دون أن يُرى لها نقع ولا غبار في رمال الصحراء!وهي بروبكاندا الهدف منها الضغط على الرأي العام الأوربي والدولي، أما ساكنة المخيمات وأهالينا في الصحراء فهم شهود عيان على الهدوء والطمأنينة والاستقرار الذي تنعم به الأقاليم الجنوبية في الوقت الذي تشتعل فيه شوارع مدن الجزائر بمظاهرات شعبية تطالب بإسقاط النظام العسكري. ومن أخطر ردود الفعل الجزائرية في الميدان إجراؤها لمناورات عسكرية على التّماس مع الحدود المغربية وبالذخيرة الحية وبأسماء استفزازية مثل الاجتياح والطوفان، وإعلانها رسمياً عن تسليم أسلحة ومعدات حربية لمليشيات تندوف، وأخيراً وليس آخراً اقتحام عناصر الجيش الجزائري للحدود في محيط مدينة فكيك في محاولة بئيسة لترويع الفلاحين وثنيهم عن ولوج مزارعهم في منطقة الوادي الشرقي وسهل العرجات. وهذا يذكرنا بالهجوم الغادر الذي تعرضت له مدينة فكيك سنة 1963 والذي أدى إلى نشوب حرب بين البلدين. فهل يريد جنرالات الجزائر إعادة الكرّة وشنّ عدوان جديد بسناريو حرب الرمال القديم؟ كل شيء ممكن في ظل حكم العسكر للجزائر واستحكام عقيدة العداء للمغرب، وفي ظل الأزمة الخانقة التي يتخبطون فيها، والحراك الشعبي الذي يحاصرهم. وكلها عوامل تدق ناقوس الخطر وتدعونا للاستعداد لكل الاحتمالات.. رغم أنّ سناريو الحرب سيفتح أبواب جهنم على المنطقة وسيؤدي إلى نتائج مدمرة للشعبين تفوق أضعاف ما خلفته الحرب العراقية الإيرانية التي راح ضحيتها أزيد من مليون قتيل وخراب للعمران والبنيات التحتية قدرته مصادر مستقلة بحوالي 700 مليار دولار. وهذا ما لا يتمناه عاقل، إن بقي في النظام الجزائري من عاقل!