رغم كل شيء، ورغم الشد والجذب بين أعضاء المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، وبين أعضاء الحزب وقيادته، في ظروف استثنائية على جميع المستويات، لم يعشها الحزب من قبل، يمكن ان نقول إن المجلس الوطني، في دورته العادية يومي السبت والأحد الماضيين، موفق في مخرجاته؛ وخصوصا في قضية التطبيع مع الكيان الصهيوني التي أثار حولها معظم أعضاء الحزب الجدل والسخط.. يمكن أن نقول إنه موفق إلى حد كبير في بيانه بالمقارنة مع بيانات الهيئات الدنيا. لم يعترف المجلس الوطني بما سمي "دولة إسرائيل"، كما جاء في بلاغ التطبيع المغربي، بل وصفها في بيانه بالاحتلال الهمجي "يقف المجلس الوطني بكل فخر وإجلال أمام صمود الشعب الفلسطيني البطل وما يقدمه من تضحيات أمام همجية قوات الاحتلال الصهيوني" والأمين العام الدكتور سعد الدين العثماني نفسه، لم يذكر في تقريره السياسي شيئا اسمه دولة إسرائيل، "توقف الأمين العام عند القضية الفلسطينية منوها بوحدة الموقف الفلسطيني وصموده تجاه صفقة القرن وفي مواجهة العدوان الصهيوني على الحقوق الوطنية الفلسطينية، مؤكدا على الموقف المبدئي للحزب من القضية الفلسطينية وهو موقف ثابت لم يتغير ولن يتغير، وهو الدعم المستمر للشعب الفلسطيني، والتأكيد المستمر المتواصل على حقه في إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وعلى حق العودة ورفض الانتهاكات المتواصلة للاحتلال الإسرائيلي من هدم للبيوت وتجريف الأراضي وتوسيع الاستيطان وتهويد القدس والاعتداء على حرمات المسجد الأقصى" (الفقرة الخامسة من البيان). وأكد المجلس على "مواقف الحزب المبدئية الثابتة والراسخة ودعمه اللامشروط ومساندته القوية لكفاح الشعب الفلسطيني البطل ونضاله ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم من أجل الحرية وجلاء الاحتلال وحق العودة واسترجاع حقوقه غير القابلة للتصرف وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف". وبلغة واضحة عبر المجلس بالتوكيد عن إدانته للتطبيع في إشارة إلى التطبيع المغربي مع الك يان الغاشم، الذي جاء امتدادا لصفقة القرن: " يجدد المجلس تأكيده على إدانة الحزب ورفضه المطلق لما سمي بصفقة القرن"؛ وهو رفض صريح لا لبس فيه بتنبيهه إلى "مخاطر الاختراق التطبيعي على النسيج السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لبلادنا". وأضاف الأمين العام في تقرير السياسي أنه "لم يصدر عن الحزب أي تصريح أو التلميح يتعلق بالتخلي عن تلك المبادي أو الدعوة إلى مراجعتها أو التراجع عنها". وبذلك أكد الأمين العام ما ذهبنا إليه في تحليلاتنا السابقة أن توقيعه، غير المبرر وغير المقبول، لم يكن عن مبدأ ولا قناعة ولا اجتهاد ولا حصل عن نية لتغيير شيء من مبادئ الحزب ولا مراجعته، وإنما صدر بصدفة وعن حالة ضعف واضطراب. وإن أي انخراط في تبريره بقواعد شرعية أو صلح الحديبية إلى غير ذلك، كما فعل كثير من المبررين المبطلين، ما هو إلا استغلال للموقف وركوب على الهفوة لخيانة المبادئ؛ لذلك نعتبر إصرار الأمين العام على عدم تغيير أي مبدأ من مبادئ الحزب صفعة للهرولة إلى تأييد التطبيع أو الدعوة إلى ما سموه "الواقعية" وضرورة مراجعة مبادئ الحزب ومواقفه الثابتة. وفي الأخير، والحقيقة تقال، إن المجلس الوطني قد وفق في رفضه لمؤتمر استثنائي؛ وكذلك كان رأيي، قبل انعقاد المجلس بيوم واحد، لبعض الإخوة، غير الأعضاء في المجلس، الذين سألوني عن توقعات مخرجات المجلس، لسببين: الأول: إن المعطيات الأخيرة والمعقدة لا تسمح به، وإن أفق انعقاده مجهول النتائج. الثاني: حصول نقاش عمومي مستفيض في الموضوع عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وإن المؤتمر الاستثنائي لن يقدم شيئا جديدا في النقاش أكثر مما يمكن أن يقدمه المجلس الوطني. والثالث: لا معنى لمؤتمر في الشهرين الأخيرين من هذه الولاية، وأن الأصح والأسلم هو أن يتحمل الأمين العام مسؤولية تدبيره لهذه المرحلة كاملة، بما فيها مسؤولية نتائج الانتخابات، بما له وما عليه. الخلاصة: المجلس الوطني موفق في مخرجاته، لكن ذلك لا يعنى أنها مخرجات عالجت الإشكالات العويصة، أو خففت من حدة الأزمة المحرجة التي يعيشها الحزب، خصوصا بعد خطأ التوقيع على جريمة التطبيع، بدليل حجم عدد المقاطعين لدورة المجلس عبر تقنية التناظر عن بعد؛ وإنما هي، أي المخرجات، أقصى ما يمكن الخروج به أو التصريح به، في هذه الظروف، وفي الشهرين الأخيرين من هذه الولاية على أقل تقدير.