العوائق النفسية هي تصورات وهمية يعتقد بها المرء، وجدارات واهية يبنيها في خياله ولا وعيه وبقدر ما يصدقها ويزينها له الشيطان بقدر ما تخلق فيه سلوكا مرضيا واضطرابا نفسيا و وسواسا قهريا يحول بينه وبين ممارسة الدعوة إطلاقا، أو على الأقل ممارستها بقلب منشرح و بشكل سلس ومطلوب، فتنتج عن ذلك ظواهر غير محمودة في الحقل الدعوي والاجتماعي مما يتحدث الناس عنه من الفتور الدعوي..والبطالة الدعوية..والتآكل التنظيمي..والانحسار أو الأفول الحركي جزئي أو كلي لا قدر الله، ناهيك عما سيسود المجتمع من شيوع المفاسد والاختلالات التي تتصدى لها الدعوة، شرعية وتعليمية كانت أو سياسية واجتماعية، وكلها في مقتضى النهي عن المنكر والأمر بالمعروف، قصد الممكن من رد المفاسد وجلب المصالح؟؟. و العوائق النفسية قد تكون ذاتية مرتبطة بالشخص وتربيته، أو بالتنظيم واختياراته وقياداته، أو فقط بالمجتمع واعتمالاته، فعلى المستوى الشخصي: يمكن أن نسجل عوائق نفسية وتصورية ومهاراتية ..، وكلها نفسية أو لها علاقة بالنفس ومن ذلك: قول المرء أنا لا أستطيع ممارسة الدعوة. لا فائدة من ممارسة الدعوة في غياب الاستجابة من المدعوين. الدعوة شأن الهيئات والمؤسسات، والأئمة والعلماء وأنا لست منهم، والخلط في حكمها الشرعي بين الوجوب ومجرد الندب. الدعوة وتكاليفها والتزاماتها واجتماعاتها وأسفارها تستهلكني عن أشغالي وتبعدني عن أبنائي وهم الأولى. الدعوة محفوفة بالمخاطر الأمنية والتضييق على أصحابها ومتابعتهم والإيقاع بهم ولا قبل لي بذلك. الفتور عن مصادر التزود التربوي والعلمي والتعاون الدعوي، الذي هو الجلسة التربوية والأسرة التنظيمية، بدعوى أن أعضائها في مثل نفس مستوى بعضهم البعض، لا عالم فيهم ولا فقيه ولا خبير ولا متخصص، ولا يزيد بعضهم البعض شيئا، أو على الأقل لا يقنع بعضهم البعض لأن كل ما لديهم مجرد أراء شخصية ؟؟. طول الأمد والاستهلاك الإداري في الدعوة الذي قد يفقد المرء شيئا من قدسيتها و أولويتها ومركزيتها، خاصة عند بعض المسؤولين التنظيميين الذين بحكم التداول غادروا هياكل المسؤولية أو ربما حتى التنظيم الحركي برمته، وكذلك من كان تحت إمرتهم وتأثر بهم فاقتدى بهم في فتورهم وعزوفهم؟؟. طبيعة الشخصية "الداعية" التي تريد التعاطي للدعوة، إذا كانت هذه الشخصية مضطربة وغير متزنة، وتفتقد إلى متطلبات الدعوة وأخلاقها الضرورية من مثل: ضرورة تحمل ما يصيب الداعية من أذى كلام الناس وانتقادهم الجارح، أو يفتقد إلى أخلاق الداعية من الصبر ..واللين.. وتقبل الآخر.. وخدمة الناس.. والتعامل معهم بالرشد والحكمة.. والرحمة.. وحسن النية.. والقبول عند الآخرين.. القدوة.. التواضع.. الوفاء.. الإخلاص.. العلم.. الإرادة.. القدرة.. العزيمة.. الهمة.. النظام.. ضبط الوقت.. الانفتاح.. المخالطة.. الاعتزاز بالإسلام.. شرف ممارسة الدعوة.. الاستقامة.. الزهد وعدم الطمع.. الشجاعة وعدم الخوف.. فقه الواقع.. فقه الأحوال والنفوس.. التعاون.. الاعتدال دون تطرف ولا تمييع.. الثقة بالنفس .. والتوكل على الله… وعلى مستوى التنظيم الحركي: يمكن أن نسجل العوائق التالية والتي لها علاقة بنفسية الأفراد أو الجماعة أو الاختيارات العامة للتنظيم ومنها: تنظيم غير محكم تسود فيه بعض الأهواء والزعامات والمغالبات، بدل الشورى والديمقراطية واحترام قواعد العمل والتوجهات المقررة والاختيارات المتوافق حولها. تنظيم لا يستوعب أبنائه وخاصة ما دون القيادة والمسؤولين، مما يخلق بينهم الإحباط والتباعد وعدم المواكبة ولا الحماسة كما عند غيرهم من المسؤولين والوسطاء. تنظيم لا يحكم تكوين أعضائه وخاصة من الناحية المهارية، بحيث قد يظل فيه الأفراد عقودا من الزمن وهم على ما هم عليه مما ينقصهم من مهارة إلقاء درس أو موعظة في وليمة مثلا. تنظيم غير منفتح على وسائل العصر، التي هي وسائل الدعوة والتواصل وصناعة المحتوى، ولا تحابي غير من يتملكها ويستثمرها لإلباس الأقوام المعاصرة لبوسهم المشوق وغير المنفر. تنظيم لم تعد عنده الإقامة الفردية للجلسات التربوية والتنظيمية أو حضورها ملزمة ولا محط محاسبة و لا منح عضوية أو سحبها كما كان من قبل في البدايات. تنظيم يحصر الدعوة في تصور جزئي غير شمولي، يكاد لا يتجاوز الخطابة والمحاضرة والدرس والموعظة، وغير ذلك من وسائل البيان والتبليغ. التي لا تتقنها فئات عريضة من الفنيين والتقنيين والحرفيين غير الدارسين ولا المتخصصين، على العكس إذا كانت الدعوة أوسع من ذلك بما هي مخالطة الناس ونشر الخير بينهم والصبر على أذاهم، فيمكن للجميع أن يساهم فيها كل من موقعه وحسب إمكانه، وإلا فكما قال أحدهم فصاحب موعظة داعية ورئيس جماعة أو نائب برلماني ليس كذلك، وهو الذي يعافس المفاسد اليومية و يشرع لإصلاحها والحد منها بما ينفع الناس؟؟. تنظيم يتجاوز الهموم الواقعية لأعضائه ومحيطهم الدعوي، كضعف المهارات وشيوع الفقر والبطالة والعقلية الاستهلاكية(إقبال ملحوظ على محاضرات الأسرة من طرف أطباء نفسانيين متخصصين خلال الحجر الصحي)، مما يعني أن هناك حاجات واقعية في هذه الأسر، وبقدر ما تعرف أسرنا من مشاكل وتعكر الأجواء، بقدر ما تستحيل فيها ما ينادى به من الجلسات والبرامج التربوية الأسرية الخاصة أو المشتركة، والعكس بالعكس. تنظيم لا يجد فيه الأعضاء ما يساعدهم على تحقيق بعض طموحاتهم الدنيوية الضرورية والمشروعة، كحق زواج وإيجاد عمل أو امتلاك منزل أو سيارة أو مقاولة..أو حتى خروج من ضائقة مالية، إذ غالبا ما يكون الفرد في معافسة مثل هذه الأمور بمفرده أو عرضة وفريسة للأنظمة الجشعة والربوية في المجتمع وهو الذي يؤمن بحرمتها، ومن ثمة يتساءل ويبحث عن دين وحركة يسعفانه في دينه ودنياه، وفي غيابهما يصبح هو مفتي نفسه وإن أفتاه الناس وأفتوه؟؟. (يتبع)