بعد سنوات من الانتظار، استطاع كل من المغرب وإسرائيل التقدم لخطوات كبيرة للتقارب بينهما بعد أن كانت العلاقات بين البلدين تتسم بالتذبذب بين الانقطاع والاستمرار حسب الظروف التي تحكمها وحسب القطاعات التي تشملها. فإن كان القطاع السياحي شبه نشيط طيلة العشرين سنة الأخيرة بعد التباعد الديبلوماسي بين البلدين (إثر إغلاق مكاتب الاتصال بينهما بعد أحداث الانتفاضة الفلسطينية الثانية)، فإن القطاع الاقتصادي تأثر بشكل كبير وأصبح محدودا طيلة فترة التباعد. إن العلاقات الإسرائيلية المغربية كانت دوما متميزة، فقد لعب الحسن الثاني دورا كبيرا لحلحلة السلام في الشرق الأوسط، وكان المغرب ملاذا للإسرائيليين حين البحث عن وسيط لتفعيل مبادرات السلام. وقد زار إسحاق رابين المغرب سنة 1976 بشكل سري للبحث عن إمكانية تفعيل الحوار بين إسرائيل ومصر، وهي الزيارة التي أفضت إلى احتضان المغرب لمفاوضات سرية بين وزراء خارجية إسرائيل ومصر، مهدت الطريق نحو كامب ديفيد واتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل ثم بعدها الزيارة التاريخية لأنور السادات وتقديمه لخطاب أمام أعضاء الكنيست الاسرائيلي. أما بالنسبة للتقارب السياسي المعلن بين المغرب وإسرائيل فيعود إلى اللقاء الرسمي الأول للمرحوم الحسن الثاني مع رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمعون بيريز سنة 1986 لإعطاء دفعة للحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية التي تم الاعتراف بها كممثل وحيد للفلسطينيين من طرف القمة العربية المنعقدة بالرباط سنة 1974. ولعل العلاقات السياسية بين المغرب وإسرائيل كانت أكثر وضوحا في تسعينات القرن الماضي إبان مفاوضات أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي توجت بانفراج كبير في العلاقات بين البلدين، والتي بدأت بزيارة قصيرة لرئيس الوزراء إسحاق رابين ووزير الخارجية شيمون بيريز تميزت باستقبال ملكي وحوار حول سبل التقارب بين إسرائيل ومحيطها. وقد مهد هذا اللقاء الطريق أمام تبادل البعثات الدبلوماسية بين البلدين عبر مكاتب الاتصال في كل من الرباط وتل أبيب، حيث أن المغرب بالرغم من طموحاته في تحقيق هذا التقارب مع إسرائيل إلا أنه لم يرغب أن تكون على مستوى السفارات لأن الحسن الثاني يملك صفة اعتبارية كرئيس للجنة القدس المنبثقة من المؤتمر الإسلامي وقد يفهم من التطبيع الدبلوماسي الكامل كأنه تنازل عن "المقدسات الإسلامية" مما يمكن أن يجر انتقادات واحتجاجات من باقي البلدان الإسلامية يبقى المغرب في غنى عنها في تلك الفترة. استمرت العلاقات الدبلوماسية المغربية – الإسرائيلية طيلة ست سنوات، وتميزت بانشغال من أجل توطيدها وجعلها قاطرة لإحلال السلام بين إسرائيل ومحيطها، فقد نظم المغرب مؤتمرا اقتصاديا في الدارالبيضاء شارك فيه رجال أعمال إسرائيليين لدعم التعاون بين إسرائيل والشرق الأوسط وشمال افريقيا. ولعل الوفد الرسمي الإسرائيلي (الذي بلغ نحو 200 شخصية إسرائيلية يقودها رئيس الوزراء أنذاك إيهود باراك) الذي شارك في جنازة الملك الحسن الثاني سنة 1999 لهو دليل على الكثير من الاعجاب والشكر الذي تكنه إسرائيل للراحل الحسن الثاني على دوره الكبير الذي لعبه في مسلسل السلام. ولم يكن ليكدر هذه العلاقات العلنية ليعيدها إلى مستواها السري سوى الانتفاضة الفلسطينية الثانية وبعض الاحتجاجات المغربية ابان هذه الانتفاضة والتي لم يكن الملك الجديد يرغب فيها بالنظر إلى كونها أتت في نفس الفترة التي يتم فيها انتقال السلطة وتوطيد العرش ويمكنها أن تشوش على العملية برمتها، فكان لابد من اغلاق مكتبي الاتصال وانتظار سنوات طويلة لتحقيق التقارب من جديد وبرعاية أمريكية هذه المرة. يبني كلا البلدين طموحاتهما ومصالحهما على هذا التقارب السياسي المعلن مؤخرا، ويبدو أكثر قوة وديمومة على التقاربات السابقة، فإن كانت قضية الصحراء تستنفذ المجهودات الدبلوماسية للمغرب فإن هذا التقارب أعطى دفعة كبيرة نحو التبني الدولي لمقترح الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب كحل واقعي للمشكل، فمن كان يظن أن تقوم دول من قبيل الإمارات العربية والبحرين بفتح تمثيليات دبلوماسية بالمدن الجنوبية المغربية؟ ومن كان يحلم أن تخرج الولاياتالمتحدةالأمريكية وتعلن تبنيها للمقترح المغربي وتعترف بسيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية؟ كلها خطوات محمودة وانتصارات دبلوماسية مغربية تحققت وتسير نحو تحقيق المزيد بحيث يمكن أن نرى مستقبلا تمثيليات دبلوماسية أخرى من بلدان عربية تسير نحو السلام مع إسرائيل كسلطنة عمان وقطر بل أيضا أوروبية قد تكون بريطانية مما سيعطي دفعة كبيرة من الأمل في ملف الصحراء. وبإمكان المغرب أن يستفيد أكثر من هذه العلاقات في مختلف الأروقة الدبلوماسية الدولية للدفاع عن قضاياه المصيرية خصوصا أن إسرائيل بها جالية مهمة من اليهود المغاربة الذين يبدون الكثير من الارتباط والحنين بالبلد الأم مقارنة بباقي الجاليات الأخرى، وقد كان المرحوم الحسن الثاني واعيا بهذا الجانب إذ لا يفوت فرصة أثناء زياراته الخارجية (خصوصا إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية) للقاء بممثلي الطوائف اليهودية المغربية، ولا يزال المغرب مستمرا في نفس النهج الذي يلعبه حاليا كل من المستشار الملكي أندري أزولاي والسفير المتجول سيرج بيرديكو للتواصل مع اللوبيات اليهودية المختلفة في البلدان المتقدمة بالإضافة إلى رجال الأعمال والمتنفذين من اليهود المغاربة، وهكذا فإن التقارب مع إسرائيل يمكنه أن يسهل بشكل كبير التقارب المغربي مع هذه اللوبيات في الدول المتقدمة والدفع نحو خدمة قضاياه الاستراتيجية التي تأتي قضية الصحراء على رأسها. بالنسبة لإسرائيل، فإن هذا التقارب هو تقارب استراتيجي مع دولة بعيدة عن الحدود لكنها قريبة من الأحداث ولها تأثيرها على السياسة الإسرائيلية بشكل أو بأخر بحكم العدد الكبير للإسرائيليين المغاربة الذين لا يخفون انتماءهم الهوياتي للبلد الأم. كما أن المغرب قدم العديد من الخدمات لإسرائيل في الماضي في سبيل تحقيق السلام في الشرق الأوسط. وقد لمست شخصيا خلال زياراتي لهذا البلد مدى الاهتمام الكبير والرغبة الذين يبديهما المسؤولون الإسرائيليون الذين قابلتهم تجاه التقارب مع المغرب. ونشير إلى أن هناك العديد من القواسم المشتركة بين البلدين ساهمت من جانبها في هذا التقارب السياسي من بينها أن كلاهما يعتبران معتدلين في سياساتهما، وقريبين من الولاياتالمتحدة بالإضافة إلى أن المغرب ينهج سياسة جديدة في عهد محمد السادس تجاه افريقيا وتربطه روابط روحية بالعديد من الأفارقة جنوب الصحراء مما يمكن أن يشكل اغراءا اقتصاديا وسياسيا بالنسبة لإسرائيل لإيجاد موطئ قدم اقتصاديا وسياسيا في افريقيا. خلاصة القول، إن هذا التقارب السياسي بين البلدين يعد انتصارا وربحا لكلاهما، سيستفيد المغرب من حليف له صوته الوازن في المنابر الدولية ولدى مختلف البلدان ذات القرار في السياسة الدولية وفي مجلس الأمن بالذات. وستستفيد إسرائيل من خبرة المغرب الدبلوماسية للدفع بمسلسل السلام في الشرق الأوسط كما يمكن أن يلعب دورا متبادلا لإقناع بلدان الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي على تعامل أكثر مرونة مع إسرائيل، ويمكن أن يصل إلى مستوى اقناع بلدان أخرى للتقدم بخطوات نحو توقيع اتفاقات السلام معها. لكن الأمر على ما يبدو يحتاج إلى بعض الوقت والتريث وهو ما يفسر أن العلاقات الدبلوماسية حاليا تقتصر على مكاتب الاتصال لكنها وبكل تأكيد تسير نحو التمثيل الدبلوماسي الكامل على مستوى السفارات والقنصليات. * باحث بمعهد دراسات معاداة السامية والسياسات ISGAP (نيويورك) / فاعل سياسي أمازيغي