في إطار الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، أود أن أقول أن اللغة ليست كلمات وجمل يتداولها الناس، ووسيلة تواصلية بين أفراد مجتمع ما، بل هي أكثر من ذلك بكثير، هي جزء من ثقافة المجتمع، هي هويته التي التي تمزه عن غيره من الشعوب، وهي وسيلته التواصلية، ولا يمكن لأمة أن تنهض إلا بلغتها الأم،لأنها الوعاء الذي يحفظ فكره وحضارته، كما أنها الأداة التواصلية الأنجع والأهم للتعلم واستيعاب المعارف، بالإضافة إلى دورها الاجتماعي في الحفاظ على وحدة الأمة وتماسكها ، وكذا استمرارها في الزمن. هناك عدة وسائل ومجالات، يمكن من خلالها أن نجعل من لغتنا العربية حية، وأداة تواصلية فعالة، لكني، وبحكم وظيفتي كأستاذ، أود أن أقدم بعض التوجيهات في هذا الإطار، من خلال تبيان ما للأستاذ والمدرسة من دور في دعم اللغة العربية، وجعلها لغة محبوبة لدى التلاميذ، ومفضلة لديهم عن باقي اللغات. لا يختلف المهتمون باللغة في كون امتلاكها رهين بمدى توظيفها من طرف مستعمليها، إذ كلما تم استعمال اللغة في حياة الفرد، سواء في المدرسة أو البيت، أو غيرها من الفضاءات التي يتواصل فيها الأفراد، ويعبرون عن حاجاتهم وآرائهم ومشاعرهم، إلا وامتلك الناس اللغة، وأعجبوا بها، وأصبحت لغتهم التداولية. من هذا المنطلق، يمكن أن نجعل فضاء المدرسة مناسبة لتعلم اللغة العربية، خاصة وأنها المؤسسة التي عُهِد إليها من طرف المجتمع أن تقوم بهذا الدور، من إكساب للمتعلم مهارات النطق باللغة العربية الفصحى، وامتلاك تقنيات التعبير اللغوية الصحيحة، مما يجعلنا نسائل مدرستنا حول نجاعتها، ومدى قدرتها على القيام بهذا الدور المحوري والحساس في تملك التلاميذ للكفايات اللغوية. إن الواقع الذي تعرفه مدارسنا، وأخص المدرسة العمومية، سواء في بنيتها التحتية، من مكتبات ووسائط تعليمية حديثة، أو من خلال الأطر التربوية والإدارية،ومدى امتلاكها للغة العربية، واقع مقلق، يستدعي اتخاذ إجراءات إصلاحية حقيقية، للنهوض بالمواد المدرسة، وفي مقدمتها الاهتمام باللغة العربية. لا أستطيع أن ألم بجميع الأعطاب والإكراهات التي يعرفها تدريس اللغة العربية، في كثيرة ومتعددة، تجمع بين ماهو ديداكتيكي وطرائقي، وما له علاقة بالكتاب المدرسي،لكن ما يهمني في هذه المقال المختصر، أمران، أرى أن لهما أهمية كبيرة، وهو مدرس اللغة العربية وفصاء المؤسسة. أعتقد، ومن خلال ممارستي الميدانية للتدريس، أن للأستاذ دور أساسي في تحبيب اللغة العربية وتعليمها للتلاميذ، وذلك إذا توفرت فيه الشروط التالية: 1 _ أن يكون متمكنا من قواعد اللغة العربية، وماهرا في استعمالها تحدثا وكتابة، ومحبا لها، إذ لا يمكن بتاتا لأستاذ لا يمتلك تلك المؤهلات والأوصاف أن يساعد تلامذته على تعلم اللغة، وهذا ما افتقدناه، للأسف الشديد داخل مؤسساتنا، لأن اختيار المدرس لهذه الاعتبارات لم يعد حاضرا لدى وزارة التعليم، وهذا مشكل كبير. 2 _ عدم استعمال الأستاذ اللغة العربية في تدريس المواد الأخرى، غير مادة اللغة العربية، حيث يلجأ أغلب الأساتذة إلى شرح درس التربية الإسلامية مثلا أو التاريخ باللسان الدارج، بل، وهذا خطير جدا، أن دروس اللغة العربيه؛من صرف وتراكيب وإملاء …،ىغالبا ما تقدم للتلاميذ بالعامية، مما لا يحول دون امتلاك التلميذ للغة العربية، بسرعة ويسر. 3 _ يجب أن يكون أستاذ اللغة العربية مثقفا، وايع الإطلاع، كي يستطيع إكساب تلاميذه رصيدا لغويا ومعرفيا كبيرا ومتنوعا، يساعدههم على التعبير عن مختلف المواضيع، والإدلاء بآرائهم في شتى المجالات، وهذا ما لا نلمسه في اغلب أستاذة اليوم، حيث فقدنا الأستاذ المثقف، الأستاذ الملهم، الأستاذ الذي ترى من خلاله، وفي شخصيته، اللغة العربية مجسدة، بجمالها وفصاحتها. لا بد أن يكون أستاذ اللغة العربية نموذجا في التحدث بلغة الضاد، داخل القسم وخارجه، مبدعا في آدابها، منتجا في شتى حقولها. 4 _ يجب أن يكون فضاء المؤسسة مجالا للتمرن على التحدث باللغة العربية، من خلال التزام أطر المؤسسة التربوية والإدارية بمخاطبة التلاميذ والتلميذات باللغة العربية الفصحى، حتى يدرك التلميذ الدور الوظيفي للغة، وتترسخ لديه أهميتها الاجتماعية والتواصلية، وهذا ما لا نراه داخل فضاء مؤسساتنا التعليمية، إذ نجد الأستاذ مجرد أن ينتهي من حصة درس اللغة العربية، هذا إن شرح بها الدرس، يخاطب التلاميذ بلغة الشارع البسيطة المبتذلة، وهو نفس الشيء ما يقوم به مدير المؤسسة والحارس العام والمساعد التقني، وموظفوا القسم الداخلي…..إلخ. إن النهوض باللغة العربية يستوجب مراجعة لطريقة تعاملنا معها، ومدى اجتهادنا في تطوير أساليب تعليمها لتلامذتنا، ومدى توظيفها في حياتنا اليومية، وعلى الوازرة الوصية أن تعيد النظر في معايير اختيار أستاذ اللغة العربية.