عمر حمداوي تعتبر جمعية "القلوب البيضاء لتمدرس وإدماج الأشخاص في وضعية إعاقة" من الجمعيات الرائدة في مجال الإعاقة بإقليم الرشيدية، حيث راكمت تجربة طويلة في الميدان، أهلتها لتولي تسيير المركز السوسيو- تربوي للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، الذي يروم مساعدة الفئات المستهدفة ومصاحبتها هي وأسرها من أجل التغلب على وضعية الإعاقة، وتمكين الأطفال المستفيدين من المساعدة الطبية الضرورية وبالتالي تيسير اندماجهم الاجتماعي. ولتعميم تجربتها بمختلف مناطق الإقليم، بادرت إلى تأسيس فرع لها بمدينة كلميمة، هذا الأخير الذي أتاحت لنا فرصة زيارته الاطلاع على جزء من سير العمل بداخله في ظل جائحة كوفيد19 التي غيرت الكثير في الحياة العامة للناس، وأجبرتهم على التكيف مع تداعياتها في انتظار عودة الأمور إلى طبيعتها. عطاء رغم أنف الوباء لم ينل وباء كوفيد19 من إرادة وإصرار القائمين على فرع جمعية القلوب البيضاء لتمدرس وإدماج الأشخاص في وضعية إعاقة بمدينة كلميمة، حيث أبوا إلا أن تفتح الجمعية أبوابها في وجه المستفيدين من الخدمات التربوية والتأهيلية والتكوينية والعلاجية الوظيفية، التي تقدمها الجمعية منذ تأسيسها في 09 مارس 2018 على يد مجموعة من الفاعلين في مجال الإعاقة والغيورين على هذه الفئة من المجتمع. لم يكن فتح باب الجمعية يقول المشرفون عليها بالهين، لتزامن الموسم الخدماتي والاجتماعي 2020 – 2021 مع جائحة كوفيد 19، التي فرضت على مسؤولي الجمعية ضرورة التقيد بتقديم الحصص عن بعد، إلى غاية حلول لجنة مختصة لمعاينة مدى التزام الجمعية بالتدابير الوقائية المتخذة في إطار البروتوكول الصحي المعمول به، لحماية صحة وسلامة المستفيدين والأطر الإدارية والتربوية العاملة بهذا الفضاء من فيروس كورونا… وكذلك كان. بعد حلول اللجنة وإبداء ملاحظتها، يضيف المشرفون على الجمعية، وموافاة السلطات المحلية بالوثائق المطلوبة، انطلقت الخدمات حضوريا، حيث تميز هذا الموسم بتوفير خدمة النقل المدرسي، مما شجع الإقبال على الجمعية بروح من الجدية والمسؤولية والالتزام بالتدابير الاحترازية من طرف أمهات وآباء وأولياء أمور المستفيدين البالغ عددهم 24 مستفيدا، يتوزعون على أربع إعاقات، الشلل الدماغي والتوحد والتأخر الذهني والثلاثي الصبغي، يسهر على تأطيرهم خمس مربون، وفق جدولة زمنية وتوزيع يراعي الظروف الاستثنائية، التي لا مجال فيها للتهاون أو التفريط في التدابير الوقائية المسطرة والمعبر عنها في ملصقات إرشادية وتوعوية تكسو جدران الجمعية، واتخاذ الاحتياطات اللازمة، خاصة وأن الأمر يتعلق بواحدة من الفئات الأكثر عرضة للخطر والعدوى. الالتزام بالتدابير هم مشترك يبدأ الحرص من تسلل الفيروس كما عاينا ذلك انطلاقا من حافلة النقل المدرسي التي تقل المستفيدين في رحلتين يوميا، حيث يقتضي الأمر على المرافقات تنظيف وتعقيم الحافلة قبل استعمالها، ومراقبة درجة حرارة المستفيدين قبل ولوج الحافلة، وتعقيم أيديهم وحثهم على ارتداء الكمامة بشكل صحيح، ومراعاة التبادل الجسدي. وبمجرد وصول الحافلة إلى باب الجمعية، يشرع الأطر بشكل جماعي ومنظم في استقبال المستفيدين وفق التدابير الواجب اتخاذها بكل حزم وصرامة، بداية بقياس درجة حرارتهم عند بوابة الدخول والخروج، مرورا بمساعدتهم على تطهير اليدين والأحذية والمعمدات والكراسي المتحركة بالنسبة لذوي الإعاقة الحركية، وتوجيههم إلى وضع الكمامة، وصولا إلى الالتزام بالتباعد الجسدي داخل القاعات من خلال حفظ مسافة متر واحد على الأقل، ومرافقتهم أثناء التنقل بين مرافق الجمعية للوقوف على مدى احترامهم للإجراءات المتخذة. هذا ولا يقتصر التقيد بالتدابير الوقائية على المستفيدين من خدمات الجمعية فقط؛ بل يشمل وبطبيعة الحال الأطر الساهرين على تقديم برامج التربية الخاصة، المطالبين بقياس درجة الحرارة والتعقيم عند الدخول والخروج، وتجنب المصافحة باليد أو تبادل التحية عن طريق القبل والأخذ بالأحضان، واحترام عدد خمس مستفيدين كحد أقصى يوميا لكل إطار تربوي، واستعمال الكمامات والقفازات والأقنعة الواقية عندما يستدعي الأمر ذلك، مع ضرورة تخصيص فترة زمنية بين الحصص للقيام بتطهير وتعقيم اليدين ومقابض الأبواب ووسائل ومعدات العمل… أمهات وآباء وأولياء أمور المستفيدين، لا يسمح لهم بالحضور إلى الجمعية إلا عند الضرورة التربوية القصوى، وفي هذه الحالة يجب عليهم احترام الموعد المحدد من قبل الإدارة، والالتزام بالإجراءات المتخذة عند بوابة الدخول والخروج، والحرص على تجنب الاكتظاظ واحترام قاعدة التباعد الاجتماعي أثناء انتظار الخدمة المطلوبة. إدارة الجمعية، مسؤوليتها المتابعة اليومية وعن كثب وبدون تساهل أو تجاهل لمدى احترام المستفيدين والأطر والآباء والزوار لرزمة التدابير الوقائية، بالإضافة إلى توفير معدات ولوازم التنظيف والتعقيم والإرشاد والتوجيه والتوعية، والإسراع بإبلاغ الأسر والجهات المعنية عند ملاحظة أعراض مثيرة للشك على أحد رواد الجمعية مستفيدا أو إطارا كان. عصفورين بحجر واحد سنحت لنا الفرصة بحضور احتفال الجمعية باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، الذي يصادف الثالث دجنبر من كل سنة، فعاينا عن قرب التزام الأطر والأطفال بالتدابير الاحترازية طيلة أجواء الاحتفال، الذي عرف مجموعة من الأنشطة الرياضية والترفيهية والفنية، أهمها ورشة الصباغة والتلوين التي حاول من خلالها أطر الجمعية ضرب عصفورين بحجر واحد، تلقين الأطفال مبادئ التعامل مع الريشة والصباغة وتناسق الألوان من جهة، ومن جهة ثانية الاشتغال على إعداد ملصقات هدفها التوعية بمخاطر كوفيد19، والاحتياطات اللازمة للوقاية من تعقيم وارتداء للكمامة وتباعد جسدي وتنظيف لليدين بالماء والصابون… إلى غيرها من الإجراءات التي لا يستثني الالتزام بها الكبار والصغار أو فئة دون أخرى. فرصة حضور احتفال الأطفال بيومهم العالمي بمعية أطرهم، مكنتنا من معرفة هذه الفئة من المجتمع بكل ما يتعلق بفيروس كورنا من أسباب الانتشار ووسائل وإجراءات الوقاية، فما أن تسأل طفلا عن معنى الصورة التي يشتغل على تلوينها أو صباغتها حتى يجيبك فورا بل ومع المزيد من التوضيح، خاصة الأطفال الذين قطعوا شوطا في اكتساب المعارف التي يتلقونها داخل الجمعية وبتعاون مع الأسر… الشيء الذي يجعلك تخلص بكون الجميع واع بما له وما عليه في زمن الجائحة إلا من ظلم نفسه. مركز سوسيو-تربوي.. ملتمس الجسم الجمعوي الاقتراب من الأطفال وتجاذب الحديث معهم وهم يشتغلون على ملصقات توعوية بفيروس كورونا المستجد، ويرددون أناشيد تربوية وشعارات متعددة تدعو إلى المساواة وعدم التمييز "لا تعطيني من جيبك فقط ساويني بنفسك"… إشارة قوية للعمل على قدم وساق بعد تعافي العالم من الجائحة كما يقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في رسالته بمناسبة اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، من أجل ضمان مراعاة تطلعات وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في عالم يتسم بالشمول ويوفر تسهيلات الوصول ويفي بمقومات الاستدامة بعد كوفيد 19، ولا يمكن تحقيق هذه الرؤية يضيف غوتيريش إلا من خلال التشاور الفعال مع الأشخاص ذوي الإعاقة والمنظمات التي تمثلهم. ومن أبرز التطلعات التي تراود القائمون على جمعية القلوب البيضاء، دعم مشاريع وبرامج الجمعية من طرف كافة الفاعلين المحليين ومساعدتها على تطوير وتجويد خدماتها، والعمل سويا على إحداث مركز سوسيو- تربوي خاص بالأشخاص في وضعية إعاقة بمدينة كلميمة إسوة بالجارتين الرشيدية وتنجداد، إذ من شأن إحداثه كما يقول تمكين الأشخاص في وضعية إعاقة وأسرهم من الخدمات التربوية والتأهيلية والتكوينية والعلاجية الوظيفية، والتخفيف من معاناتهم وتيسير إدماجهم في المجتمع، وفسح المجال لهم من أجل الإبداع وإبراز قدراتهم في مختلف المجالات، وتشجيع وتيسير انتقالهم من المراكز المتخصصة إلى المؤسسات التعليمية العمومية. فهل يا ترى ستجد القلوب البيضاء قلوبا بيضاء تتقاسم معها هم العناية بهذه الفئة تفاعلا مع المواثيق الدولية والقوانين الوطنية ومتطلبات التنمية المحلية؟ أم أنها ستبقى تكابر وحيدة في الميدان وبإمكانياتها المحدودة إلى أجل غير مسمى؟