الدخول المدرسي وحق الأطفال في وضعية إعاقة في التربية والتعليم إذا كانت خصوصيات الإعاقة عامة وبعض أصنافها خاصة تفرض إرساء حالة صحية صارمة قبل التفكير في استئناف أي نشاط حضوري لهذه الفئة من طفولة الوطن سواء تعلق الأمر بالخدمات التأهيلية شبه الطيبة، أو بالخدمات التربوية الخاصة، فالإعاقة تزيد طبيعتها وخصائص بعض أنواعها من احتمالية انتقال العدوى ما يجعل هذه الفئة من الأطفال ضمن الفئات الأكثر عرضة للخطر، الشيء الذي يتطلب جهدا خاصا للقيام بواجب الدولة تجاه هذه الطفولة، في إعمال حقها في التربية والتعليم أولا، وفي توفير حق الحماية ثانيا، باعتماد الإجراءات والتدابير الوقائية وتعميمها والعمل بها بشكل صارم ومنتظم ومراقب، على مستوى مختلف الفضاءات المستقبلة للأطفال في وضعية إعاقة إلى جانب الإجراءات التحسيسية الموصى بها من طرف السلطات المختصة لتفادي تفشي الوباء. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الدخول المدرسي الحالي ببلدنا في الشق المتعلق بالأشخاص في وضعية إعاقة، قد شهد ارتباكا ظاهرا سواء على مستوى الوثائق المرجعية المؤطرة له أو على مستوى الإجراءات المتخذة فيه للحد من خطر انتشار كورونا (كوفيد-19)، أصبح يسائل قدرتنا على تدبير الأزمة في شقها التربوي. ففي ما يتعلق بالمراكز المختصة المستقبلة للأشخاص في وضعية إعاقة والتابعة لجمعيات المجتمع المدني، الشريكة لوزارة التضامن من خلال مؤسسة التعاون الوطني، في إطار دعم التمدرس المندرج في صندوق دعم التماسك الاجتماعي، فقد قررت وزارة لتضامن في بداية الأمر تأجيل الدخول التربوي إلى موعد غير محدد، غير أن الجمعيات ومعهم آباء وأولياء الأطفال قد وقفوا في وجه هذا الإقصاء الذي طال الأطفال في وضعية إعاقة، بحيث أرجئ التطرق لوضعيتهم وإيجاد حلول لوضعيتهم أسوة ببقية الأطفال، لترجع الوزارة بعد ذلك وتقرر أن تستأنف الجمعيات الشريكة لها تقديم خدمات التربية والترويض وإعادة التأهيل الوظيفي، منتصف شتنبر مع إلزامها لهذه الجمعيات باعتماد مجموعة من الإجراءات والتدابير التي سيتم العمل بها بشكل منتظم، على مستوى مختلف المراكز وفق دليل عملي أصدرته الوزارة بالشروط والتدابير الاحترازية والوقائية، الموصى بها من طرف السلطات المختصة لتفادي تفشي الوباء. أما المؤسسات التعليمية التابعة لوزارة التربية الوطنية والتي التزمت بلادنا بجعلها مؤسسات دامجة مواطنة ومنصفة، ضمن انخراط المغرب في دينامية التطور في إعمال حقوق الأطفال في وضعية إعاقة، بتبنيه التربية الدامجة التي من المفترض أن تُعنى بحاجيات مختلف المتعلمين وضمان مشاركتهم في التعلمات من خلال محاربة الإقصاء والاستجابة للحاجيات الفردية لهؤلاء. ما زال الوضع ضبابيا مفتوحا أمام كل الاحتمالات، خاصة أن الوزارة لم تقدم في قراراتها المؤطرة للدخول المدرسي ضمانات مادية حقيقية تحمي التلاميذ والعاملين بالقطاع. ولم تتحدث عن التأمين الصحي المدرسي، ولم تقدم تطمينات بخصوص تحمل تكاليف العلاج في حالة وقوع إصابات بفيروس كوفيد19، فكما رأينا نصت في قراراتها المنظمة للدخول المدرسي على لزوم تعبئة أولياء التلاميذ لاستمارات مع توقيعها، يصرحون ويقرون فيها برغبتهم في أن يتلقى أبناؤهم تعليما حضوريا ما يعتبر تهربا للوزارة من تحمل أي مسؤولية، في حالة لا قدر الله أصيب التلميذ بعدوى الفيروس. فضلا عن إغفال/تغييب بعد الإعاقة في تأطير الدخول المدرسي، حيث سجل غياب تام لاستحضار بعد الإعاقة سواء بمضمون المذكرات أو مرفقاتها، فضلا عن تغييب الجمعيات العاملة في مجال الإعاقة عن المشاورات، التي تمت مع عدد من هيئات جمعيات الآباء على الصعيد الوطني خلال الإعداد للدخول المدرسي وعدم الالتفات إلى خصوصيات الإعاقة، وما عانته وما زالت أسر الأطفال في وضعية إعاقة من تداعيات الحجر الصحي السلبية الصحية والنفسية والمعنوية. ما يعتبر تراخيا سياسيا وابتعادا غير مبرر عن الامتثال للالتزامات الحقوقية للدولة، بدءا بالمادة 24 من الاتفاقية الدولية للأشخاص في وضعية إعاقة والفصل 34 من الدستور الذي يلزم السلطات العمومية بوضع وتفعيل سياسات موجهة إلى الأشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة وإعادة تأهيل الأشخاص الذين يعانون من الإعاقة وإدماجهم في الحياة الاجتماعية والمدنية، وتيسير تمتعهم بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع وانتهاء بالمادة 25 من القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي التي تنص على تعبئة الدولة جميع الوسائل المتاحة، واتخاذ التدابير اللازمة لتيسير اندماج الأشخاص في وضعية إعاقة أو في وضعية خاصة في منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وتمكينهم من حق التعلم واكتساب المهارات والكفايات الملائمة لوضعيتهم، وأن تضع الحكومة، خلال أجل ثلاث سنوات، مخططا وطنيا متكاملا للتربية الدامجة للأشخاص في وضعية إعاقة أو في وضعية خاصة، ضمن مختلف مكونات المنظومة، قوامه تعزيز وإرساء تكوينات مهنية وجامعية متخصصة في مجال تربية هؤلاء الأشخاص وتكوينهم، والسهر على تتبع تنفيذه وتقييمه. كما يعتبر ابتعادا صارخا عن الالتزام بتفعيل مقتضيات الإطار المرجعي للبرنامج الوطني للتربية الدامجة، الذي أطلقته الوزارة في يونيو 2019. من هنا يمكن القول وللأسف إن الدخول المدرسي في الشق المتعلق بالأشخاص في وضعية إعاقة تشوبه ضبابية مفرطة وارتباك واضح، سيؤثر على مضمون وجودة إعمال حق الأطفال في وضعية إعاقة بمساواة وتكافؤ مع بقية الأطفال ويسائل صدقيه إرادة الوزارة في تفعيل التزاماتها ضمن البرنامج الوطني للتربية. وإذا كان العالم قاطبة يعيش دخولا مدرسيا استثنائيا في ظل أزمة كورونا، فإن ذلك لا يبر بتاتا ما يبدو بجلاء أنه ميول سياسي إلى استعمال استثنائية الظرف للتراجع عن مكتسبات حقوقية للطفولة في وضعية إعاقة والتملص من مسؤولية الدولة في أداء واجبها في احترام الحق والإيفاء به وحمايته. لذا لا بد من استدراك الأمر باستعجال بإصدار قرارات تحث الأكاديميات والمديريات الإقليمية للتربية والتعليم التقيد بحق الأشخاص في وضعية إعاقة في التربية والتعليم، مع العمل على استكمال تنزيل البرنامج الوطني للتربية الدامجة والعمل على تقوية موقع منسقي التربية الدامجة، وإلحاق الجمعيات العاملة في مجال الإعاقة باللجان الجهوية والإقليمية، والانكباب على إصدار دلائل عملية تتعلق باستقبال الأطفال في وضعية إعاقة بالمدارس العمومية في ظل الجائحة، تراعي خصوصيات الإعاقات المتضمنة بالإطار المرجعي للتربية الدامجة، وتعميمه على جميع الأكاديميات والمديريات فضلا عن مذكرة وزارية تنص على طريقة تكييف التعلمات والمراقبة المستمرة في ظل ظروف الجائحة أيفاء بالتزامات بلادنا في إطار انخراطها في المنظومة الحقوقية الدولية وعلى اعتبار أن جميع الأطفال هم سواسية من حيث الأهمية وأن استثناء أي طفل خارج النظام التربوي السائد بسبب الإعاقة أو الصعوبات التعليمية هو مس بحقوق الإنسان. *ناشط حقوقي في مجال الإعاقة