يبدو إذن، أن النقاش الدائر حاليا حول ظاهرة الهجرة الدولية، يميل في الكثير من الأحيان إلى التركيز على تنامي تيارات الهجرة غير الشرعية أو ما يعرف بالهجرة السرية عبر قوارب الموت في اتجاه فردوس مفقود، وهي مسألة أساسية تستدعي إدراك وتحليل محددات ودوافع هجرتهم، وفق ثلاث مقاربات جوهرية، لعل أبرزها: المقاربة الاجتماعية، التي نميز فيها بين عاملين أساسيين؛ أولهما، يتجلى في الدور الذي يلعبه عنصري الإخبار والتواصل في تزايد انتشار الظاهرة، على اعتبار أن تواجد العديد من المهاجرين في بلدان استقبال مثل إيطاليا واسبانيا، يعتبر عاملا مشجعا في قدوم تيارات مهاجرين غير شرعيين "سريين"، نظرا لصلة القرابة المباشرة التي تجعل العديد منهم يقصدون مدنا دون غيرها داخلها. فيما ثانيهما، يتعلق بالدور الذي تلعبه التمثلات الاجتماعية (Les représentations sociales) في بناء أفكار جاهزة، أحكام مسبقة، وكذا وضعيات تفاعلية اجتماعية بين مهاجرين غير شرعيين "سريين" خاضوا فعلا تجربة الهجرة ومهاجرين محتملين يزكون قرارهم أيضا من خلال ما تظهره مختلف شبكات التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية. المقاربة الاقتصادية، التي تركز على أهمية البعد الاقتصادي في رسم التحولات المجالية والسوسيواقتصادية، انطلاقا من تلك العلاقة غير المتكافئة اقتصاديا بين مناطق الانطلاق أو الطرد، ومناطق الوصول أو الجذب. وهو معطى يمكن أن نجد له تفسيرا له، خاصة إذا علمنا أن أهم المناطق التقليدية للهجرة الدولية في المغرب، والتي أفرزت تيارات هجروية مبكرة، كمنطقة سوس ومنطقة الريف، وهي مناطق مهمشة وفقيرة تنطلق من وضع اقتصادي غير مشجع، على اعتبار أنها كانت تعرف اختلالات مجالية صارخة وتفاوتات سوسيواقتصادية محتدة، تتجلى أساسا في تزايد البنيات الديموغرافية وضعف البنيات الاقتصادية. في المقابل لا نجد إلا تفسيرا واحدا لمعطى تزايد تيارات المهاجرين، بل وبشكل غير شرعي "سري" في مجالات غنية أصبحت طاردة لشبابها (كخريبكة، الفقيه بن صالح، بني ملال، قلعة السراغنة…) مفاده احتداد الاختلالات المجالية والاجتماعية من جهة، والانكماش الاقتصادي الذي عرفته هذه المناطق ولا سيما المنجمية منها، وانعكاسات ذلك على مستوى التشغيل وخلق فرص الشغل من جهة أخرى، الشيء الذي يجبرهم إلى الهجرة نحو بلدان استقبال كإيطاليا واسبانيا، و هي بلدان مازالت طبيعة نظامها الاقتصادي يضم بعض الأنشطة غير المهيكلة، سواء في قطاع البناء، الفلاحة، التجارة…، وهذا ما يشجع المهاجرين على العيش فيها. المقاربة القانونية والسياسية، التي تستند على طبيعة القوانين المنظمة للهجرة والمستقطبة لليد العاملة من الخارج، كما هو الشأن لقانون " دكريتو فلوسي" بإيطاليا وكذا قانون الإقامة الاسباني، وهي على العموم قوانين مرنة لا تضع عوائق كبرى أمام المهاجرين إليها، سواء كانت هجرة شرعية أو غير شرعية "سرية"، سيما وأن العديد من بلدان الاستقبال الحديثة باتت في حاجة إلى اليد لعاملة بعد تداعيات جائحة فيروس كورونا ((Covid-19. هذا الطرح القانوني يواجهه سياق سياسي داخل بلدان الاستقبال، والمتسم بتصاعد التيارات والأحزاب اليمينية التي تتبنى خطابا ومواقف عنصرية تجاه المهاجرين خاصة وسياسة الهجرة عامة (حزب فوكس اليميني بإسبانيا، حزب رابطة الشمال الإيطالية، حزب الحرية الهولندي، الجبهة الوطنية بفرنسا، حزب البديل من أجل ألمانيا…)، بل وتحميلهم مسؤولية المشاكل الاجتماعية التي تعرفها أوروبا (البطالة، ارتفاع الجريمة، وسلوكات الانحراف…). وبالتالي فالدول الأوروبية التي تستقبل عددا كبيرا من المهاجرين غير الشرعيين، لها ثلاثة اختيارات: التسامح مع تواجدهم داخل ترابهم. تسوية وضعيتهم. إعادة إرسالهم إلى بلدهم الأصلي. عموما، قد تختلف مقاربات ومحددات تنامي تيارات الهجرة غير الشرعية "السرية" خاصة والهجرة الدولية عامة، لكن علاقة الانسان/المهاجر بالموارد هي علاقة تفاعلية؛ فالموارد جاذبة للإنسان حيثما وجدت وطاردة له حيثما قلت، وهو ما يتوافق إلى حد كبير مع ما قاله الشاعر السينغالي سيدار سان غور "إن الثروة إن لم تأت إلى الناس فإن هؤلاء سيتحركون لتحصيلها". * نبيل العياشي، دكتور في الجغرافيا، وباحث متخصص في الدراسات والأبحاث حول الهجرة والتنمية الترابية