عندما وسم أحدهم كتابه الرائع باسم لعبة الشطرنج فإنه كان يعتقد جازما أن الجميع يجيد هذه اللعبة، وأن هذه اللعبة تتوقف على مجرد حركات بسيطة يمكنها أن تكون مجرد لعبة، لكنه عندما يغوص في كتابه يشرح لنا أن هذه اللعبة هي اللعبة الوحيدة القادرة على تفسير الحياة التي نعيش ممثلا البيادق بدول وأمم تحركها أصابع عملاق لا يمكن أن ترفض قدره، هذا العملاق هو دولة عظمى أو على الأقل تجمع دول عظمى تمكنت أن تتعملق عبر التاريخ كلاعب البوكس الذي استطاع بناء جسده المتكامل عبر حمية قوية اعتمد فيها كل الوسائل المتاحة ولو تطلب منه ذلك إذية نفسه، لعبة الشطرنج هذه تفسر بالملموس كيف يتم استغلال البعض من طرف البعض دون أدنى حركة كشخصيات أفلام الخيال العلمي الأمريكية التي بدأت تتحدث عن الكائن الخارق، هذا الكائن الخارق جمع بين المالك للمعرفة والمالك للمال وللسلطة، وهذا ما جمعه صاحب كتاب لعبة الشطرنج في أيدي جماعة من الناس تلك الجماعة هي التي تخطط لحركات البيادق، لكن الغريب في الأمر أن صاحب هذا الكتاب رسم لنا لعبة بيد واحدة من طرف شخص واحد يحرك البيادق التي يشاء حين يشاء وكيف يشاء ويغلب الذي يشاء، لعبة يمكنها أن تشكل عند البعض مجرد لعبة لحظية ينال منها البعض فرحته ويستلهم منها البعض الآخر أفكاره في الهجوم والتصدي، لكن أحدا منا لم ينظر لها نظرة المحرك للسياسة والاقتصاد والعلم تتحكم فيها جماعة من الناس أو لأقل رجل واحد يهيمن على الجميع معتبرا البيادق شخصيات تلعب دورا بعينه، فمنها الاقتصاد، السياسة، الحرب، المعرفة، السحر، الدين، الألعاب الرياضية، الوسائطيات الالكترونية، العلاقات الدولية، السلم الاجتماعي، التحالف، والثقافة، اثنى عشرة عنصرا أو شخصية يختار ذاك العملاق ترتيبها حسب الأولوية ويعيد ترتيبها كما يشاء لينتصر على ترتيب غريب صنعه فما أن يفوز إلا وتجده يعيد ترتيب البيادق الخاسرة لكي يحسن جودة العمل واللعب، كتاب فلسفي عميق يعلمنا كيفية ترتيب أولوياتنا أولا وترتيب أولويات خصومنا من جهة، ويعلمنا من جهة أخرى كيف نستطيع أن نهزم الخصم بأن نجعله يتخلى عن شخصياته ( بيادقه ) بسهولة. فلسفة اللعب هذه يمكن من خلالها فهم أن العالم تدبره جماعة معينة كما يريد الكاتب ذلك علانية، لكنها يمكن أن تدل على أن الخاسر في اللعبة خاسر أخطأ ترتيب أولوياته ولم يحسن تدبيرها إذ يكون ضحى بالتي وجب تركها إلى آخر الرمق. فلسفة اللعب في هذه اللعبة العميقة تختلف من شخص إلى آخر لكنها لا تختلف في فهمها من شخص لآخر، فرجل الدين لن يضحي بالدين بل سيجعله آخر البيادق، ورجل الاقتصاد سيفضل المغامرة بالثقافة، وهكذا دوالييك. نتمنى أن تكون هذه اللعبة التي عبرت المغاربة والعالم الاسلامي من المقاهي إلى القلوب قد غيرت على الأقل استراتيجيات التخطيط وجعلتهم ينتبهون للأمر الواجب من أجل تحقق النجاح، فكي تصير ناجحا عليك أن تجيد ترتيب أولوياتك وتعلم آليات تحريكها حسب الزمن والمكان، فلاعب الشطرنج يحرك بيادقه وفق خطة مرسومة قد يغيرها الخصم في محاولة القضاء على أحد الشخصيات في لعبة الخاسر فيها هو الفاقد لكل هذه الشخصيات أو الواقف عن تحريكها في لحظة ما. لعبة الشطرنج تبقى واحدة من الألعاب التي يراهن عليها السياسي والمدرب والاقتصادي لربح رهاناته كيف ما كانت واختلفت وتعددت، فما من مدرب إلا وتراه يلعب هذه اللعبة لبحث سبل الحد من انتشار البيادق. * يوسف اليوسفي، أستاذ وباحث في الفلسفة.