في أفلام الكاوبوي، أو أفلام الغرب الأمريكي كما يسميها آخرون، توجد دائما طاولة، لأنه بدون هذه الطاولة سيكون الفيلم باردا ومملا، وهذه الطاولة هي سبب البلاء وأساس المصائب، وبفضلها تسخن الحبكة ويدخل بطل الفيلم في صراعات قاتلة مع خصومه. هذه الطاولة هي طاولة «البوكر»، وهي طاولة تعتبر قمة الذكاء.. في القمار، أي أن الذين يجلسون حولها يكونون قد ترقوا من مرتبة المقامرين العاديين إلى مرتبة المقامرين الصناديد، أي أنهم يكونون من المقامرين الأذكياء جدا، وبفضل ذكائهم ذاك يربحون الملايين في هذه اللعبة التي سارت بذكرها الركبان. وفي الأفلام التي تتطرق لشبكات المافيا أو العصابات المسلحة التي تتصارع على المال والنفوذ، توجد دائما هذه الطاولة، طاولة «البوكر»، والتي يتحلق حولها كبار زعماء العصابات، وهم أيضا قوم أذكياء جدا ولهم قدرة بسيكولوجية خارقة على التوقع والربح، وبفضل تلك القدرات يربحون الملايين، ثم تنشب تصفية حسابات دموية بين الرابحين والخاسرين. وفي كل كازينوهات القمار في العالم لا يمكن ألا توجد طاولات «بوكر»، فهي قمة المتعة في الربح والخسارة؛ واللاعب، كما قال الزعيم النقابي الإسلامي محمد يتيم، يراهن بمبلغ من المال ثم يربح أو يخسر، أي أنها، مثلها مثل باقي أشكال لعب القمار في العالم، ليست مجانا وليست دون خسارة، ومن يريد أن يلعب لا بد أن يراهن ويغامر، فإما أن يربح أو يقعد ملوما محسورا، وهذا هو أساس القمار. لعبة «البوكر» لا توجد في الكازينوهات ونوادي القمار الراقية فقط، بل توجد، أيضا، في كل مكان في المغرب. وفي الأسواق الشعبية، توجد لعبة «بوكر» بدائية جدا، حيث يجب على المراهن، أي القمّارْ، أن يفتح عينيه جيدا على «مول السّمطة» الذي يضع «سمْطته» الرثة على مائدة متآكلة، ثم عليه (المراهن، أي القمار) أن يضع عصا صغيرة في تجويفة ما من «السّمْطة» ثم تأتي «عامْرة» أو خاوية». وفي هذه اللعبة الكثير من الاحتيال الذي يمارسه المشرف على اللعبة، ولولا نباهة المقامر فلن يربح أبدا، أي أن القضية تشبه تماما لعبة «البوكر»، التي قال عنها القيادي في حركة الإصلاح والتوحيد إنها «لعبة ذكاء»، والحقيقة أنها كذلك فعلا. أكبر المقامرين في العالم لا يمكن أن يعتبروا كذلك إذا لم يصبحوا عباقرة في لعبة البوكر، والسبب أنها لعبة توصل محترفها إلى منتهى المجد القماري، وهناك الكثير من الأفلام والدراسات والأشرطة الوثائقية التي تدل على مجد هذه اللعبة في أوساط المقامرين. في المغرب، توجد لعبة البوكر في كل كازينوهات البلاد، بدءا بكازينوهات مراكش ومازاغان وكازينو طنجة، وانتهاء بمئات الكازينوهات السرية على طول البلاد وعرضها، والعارفون بقضايا القمار والمراهنات يقولون إنها «أم المعارك» القمارية، وحولها يتنافس المتنافسون الذين سارت بذكرهم الركبان. لكن محمد يتيم، النقابي الإسلامي الذي يتزعم نقابة الاتحاد الوطني للشغل، وصاحب عدة مؤلفات ترسم معالم وفضائل المجتمع الإسلامي، رأى أن البوكر ليس قمارا، لمجرد أن الذي لعبها هو ابنه صلاح الدين يتيم، الذي فاز بخمسين ألف دولار في هذه اللعبة.. حلالا طيبا.. تقريبا. المغاربة الذين صُدموا بتصريحات يتيم المدافعة عن مقامرة ابنه، يمكنهم أن يخففوا عن أنفسهم قليلا ويتذكروا أن السياسيين في هذه البلاد يكادون يكونون «عُجنة» واحدة، بيمينهم ويسارهم وبرلمانييهم ونقابييهم ووزرائهم وما شاكلهم. يمكننا أن نتذكر ابنة الزعم النقابي الراحل، المحجوبي أحرضان، وهي تدهس عمالا محتجين في معملها وكأنها تدهس حفنة حشرات. ورأينا كيف أن زعيما شيوعيا (سابقا) اسمه خالد الناصري، نزل في منتصف الليل إلى قلب الرباط ليخلص ابنه من قبضة البوليس بعدما تم ضبطه يعربد على «البروليتاريا» الرثة في قلب المدينة، ورأينا أمثلة كثيرة جدا لسياسيين نادوا بمجتمع الفضيلة وربوا أبناءهم على مسار الرذيلة. ربما لا ينجح الناس في تربية أبنائهم كما يشاؤون، وهذه ليست سبة في عنق الآباء، وحتى الرسل والأنبياء لم يستطيعوا كسب زمام أبنائهم وزوجاتهم، وامرأتا نوح ولوط خير مثال، فكيف لباقي البشر أن يرجوا الكمال مع أقاربهم؟ لماذا، إذن، يريد محمد يتم أن يكون أفضل من النبيّيْن نوح ولوط؟ مصيبة هذه البلاد أن الشيوعي والإسلامي والرأسمالي والمحافظ والليبرالي يختلفون كثيرا حين يكونون بعيدا عن السلطة، ويتشابهون، بل يتطابقون، حين يصلون إلى السلطة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.