"…وفي هذا الإطار،أكمل المغرب خلال هذه السنة،ترسيم مجالاته البحرية، بجمعها في إطار منظومة القانون المغربي، في التزام بمبادئ القانون الدولي. وسيظل المغرب ملتزما بالحوار مع جارتنا إسبانيا، بخصوص أماكن التداخل بين المياه الإقليمية للبلدين الصديقين، في إطار قانون البحار، واحترام الشراكة التي تجمعهما، وبعيدا عن فرض الأمر الواقع من جانب واحد. فتوضيح نطاق وحدود المجالات البحرية، الواقعة تحت سيادة المملكة، سيدعم المخطط، الرامي إلى تعزيز الدينامية الاقتصادية والاجتماعية…" مقتطف نص الخطاب السامي الذي وجهه جلالة الملك إلى الأمة بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة بتاريخ 7 نونبر 2020. استنادا للخطاب الملكي السامي الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده للأمة بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة، بتاريخ 7 نونبر 2020، وبناء على المقتطف الوارد في بداية هذه المساهمة، يمكن الإشارة إلى العناية والتعليمات الملكية السامية الرامية إلى تزيل المقتضيات القانونية الدولية التي تعتبر المملكة طرفا فيها. ومنه، فإن هذه المساهمة ستنهل في جانب منها، السياق (1)، الذي جاءت فيه عملية ترسيم الحدود البحرية للمملكة المغربية، وذلك من خلال التذكير ببعض المواقف التي عبرت عنها المملكة المغربية بمناسبة مصادقتها على اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار، وبعض المواقف الأخرى المعاكسة التي واكبت تلك العملية، وتقديم بعض المداخل التي تعتبر أن الأمر مردود على هذه الأطراف، وبأن أسباب النزول والسياقات تختلف. كما سنتناول في الجزء الثاني منها (2)، بعض الرهانات الجديدة التي يجب الانتباه لها والعمل على تنزيلها، سيما وأن الأمر يتعلق بجانب جوهري من اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار، فالمجالات البحرية تشمل البحر الإقليمي والمنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري. وما يهمنا بالأساس هو الجرف القاري بالنظر لأهميته الإقتصادية… للمملكة، ولوجود حدود زمنية منصوص عليها بموجب اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار…(الجزء الثاني من المساهمة). السياق العام علاقة بموضوع التيمة أعلاه، لابد في هذا الجانب استحضار السياق العام للعلاقة التي تجمع بين المملكة المغربية واتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار (اتفاقية مونتغوباي) لسنة 1982، التي دخلت حيز التنفيذ في تسعينيات القرن الماضي، وصادقت عليها المملكة المغربية بتاريخ 31 ماي 2007، وفي هذا الصدد لابد من التذكير ، بالموقف الذي عبر عنه المشرع المغربي بعد المصادقة على إتفاقية 1982، حيث تضمن التصريح موقفا بخصوص بعض القضايا التي يمكن إجمالها كما يلي: يتم تطبيق القوانين و الأنظمة المغربية الخاصة بالبحار دون الإخلال بالمقتضيات التي جاءت بها اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار؛ تؤكد حكومة المملكة المغربية من جديد أن سبتة و مليلية وجزيرة الحسيمة و صخرة باديس و الجزر الجعفرية هي أراض مغربية، وأن حكومة المملكة المغربية بمصادقتها على هذه الإتفاقية تصرح بأن المصادقة على هذه الاتفاقية تصرح بأن المصادقة لا يمكن تفسيرها بأي شكل من الأشكال على أنها اعتراف بهذا الاحتلال؛ لا تعتبر حكومة المملكة المغربية نفسها ملزمة بأي تشريع داخلي أو تصريحات ستدلي بها دول أخرى عقب التوقيع أو المصادقة على الإتفاقية، وتحتفظ إذا دعت الضرورة ذلك بحقها في تحديد موقفها إزاءها في الوقت المناسب. وعلاقة بالموقف الذي عبر عنه المشرع المغربي بعد المصادقة على إتفاقية 1982، و الذي تمت الإشارة لجانب من حيثياته في الفقرة المذكورة أعلاه، فإن ذلك يجعلنا نستحضر أيضا قول جلالة الملك المغفور له الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه، "…ويكون من حقنا أن نكرر أن أي عاهل للمملكة، لم يوقع أبدا معاهدة تعترف بأن التراب المغربي المذكور أعلاه لم يعد جزءا تاما من مملكته." وتبعا لذلك فإن مسألة ترسيم الحدود البحرية المغربية للمياه الخاضعة للسيادة المغربية بموجب القانونين رقم 37.17 والقانون رقم 38.17، جاءت في سياق عمل المملكة المغربية على تحيين وملائمة التشريع الوطني المتعلق بالمجالات البحرية، سيما ظهير 21 يوليوز 1958، وظهير 2 مارس 1973 و ظهير 8 أبريل لسنة 1981، خصوصا وأنه قد مرت على مصادقة المغرب على الإتفاقية المذكورة حوالي 13 سنة. كما أنه في نفس السياق المذكور، وخلال سنة 2007 قامت إسبانيا وبعد صدور الموقف المغربي بخصوص القضايا المومأ إليها، بتقديم تصريح إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 شتنبر 2008 تعتبر فيه عن موقفها من التصريح الذي عبر عنه المغرب عقب المصادقة على اتفاقية مونتغوباي لقانون البحار. وبعد المصادقة على القانونين المذكورين بشأن ترسيم الحدود البحرية للمملكة، فإن إسبانيا عبرت مرة أخرى عن قلقها من هذه العملية واعتبرت أن ذلك تحديد من جانب واحد، على الرغم من أن المملكة المغربية لم تشرع بعد في عملية التحديد الرسمي لأن الأمر يتطلب تحديد النقاط المعتمدة وتحديدها،كما أن عملية التحديد على مستوى البحر الأبيض المتوسط يخضع لقواعد خاصة سيما وأن الأمر يتعلق ببحر مشترك وبدولتين متقابلتين ونفس الشيئ بالنسبة للمحيط الأطلنتي، علما أن المرجعية القانونية الأساس هي اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار و التي تحدد القواعد المتعلقة بهذه بالتحديد، والتي قد نخصص لها حيزا في مساهمة أخرى لاعتبارات تقنية تتعلق بها. لكن، وبالرجوع قليلا للفترة الزمنية الموالية لمصادقة المملكة المغربية على اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار سنة 2007، نجد كذلك أن إسبانيا حاولت ترسيم الحدود البحرية من جانب واحد وشرعت في التنقيب عن البترول في المناطق التي لم تكن من قبل موضوع ترسيم للحدود البحرية من قبل الدولتين معا (المغرب- اسبانيا)،كما أنها قدمت مشروع طلب تمديد مياهها الإقليمية إلى ما وراء 200 ميل إلى لجنة حدود الجرف القاري بتاريخ 11 ماي 2009. وتبعا لذلك، طالبت الحكومة المغربية باحترام القانون والعرف الدوليين، اللذان يقضيان بأنه لا يمكن تحديد الحدود البحرية بين دولتين متجاورتين أو متقابلتين من جانب واحد وبطريقة انفرادية، بل يجب أن يتم ذلك التحديد بناء على الاتفاق بينهما على أساس مبادئ القانون الدولي من أجل التوصل لحل منصف للطرفين مع الأخذ بعين الإعتبار الخصائص والظروف التي تتميز بها كل منطقة بحرية، وهو ما عبرت البعثة الدائمة للمملكة المغربية لدى الأممالمتحدة في رسالة موجهة للأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة بتاريخ 16 ماي 2009 تبعا لما يؤطره القانون والعرف الدوليين. ومن تم فإن مبادرة المملكة لترسيم الحدود البحرية، جاءت أولا في إطار تحيين وملائمة المنظومة القانونية البحرية للمملكة والتي تعود لسنة 1958 كما أشير لذلك آنفا، وهذه مسألة متعارف عليها دوليا، بالنسبة للدول التي تلتزم قانونا في إطار أي اتفاقية دولية جديدة تصادق عليها. لهذا فإن أي موقف مضاد بخصوص ذلك من قبل أي طرف كيفما كان نوعه يبقى عليلا، سيما و أن الأمر يتعلق بملائمة وتحيين تشريعات داخلية بناء على التزامات دولية. وبصرف النظر عن ذلك، فإن جلالة الملك نصره الله وأيده في خطابه الموجه للأمة بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة، قد رفع اللبس عن أي تأويل قد يحرف هذا الترسيم عن إطاره وأهدافه بتأكيد جلالته "…وسيظل المغرب ملتزما بالحوار مع جارتنا إسبانيا، بخصوص أماكن التداخل بين المياه الإقليمية للبلدين الصديقين، في إطار قانون البحار، واحترام الشراكة التي تجمعهما، وبعيدا عن فرض الأمر الواقع من جانب واحد…". ومن تم، فإن الإطار القانوني لترسيم الحدود البحرية للمملكة جاء في ظل تحيين وملائمة منظومة القانون المغربي، انسجاما مع الالتزامات الدولية للمملكة من جهة، كما أن الفلسفة العامة لهذه المنظومة تستند في مضمونها إلى مقتضيات اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار ، عبر تحديد المناطق البحرية ذات الخصوصية سواء تعلق الأمر بمنطقة بحرية متقابلة، أو تعلق الأمر بمنطقة بحرية تقتضي معها تطبيق قواعد الإنصاف أو مراعاة الظروف الخاصة عند التحديد، كما جرى بذلك العمل في إطار السابقة القضائية الدولية أو القانون والعرف الدوليين. وبالعودة للسياق الذي ذكرت فيه سابقا المحاولة الإسبانية، بترسيم حدودها البحرية من جانب واحد إلى ما وراء 200 ميل لدى لجنة حدود الجرف القاري بتاريخ 11 ماي 2009، نستنتج وبمفهوم المخالفة بأن إسبانيا مادامت تطلب تمديد حدودها الخارجية لما وراء 200 ميل، فهذا يعني بأنها قد حددت ورسمت مسبقا حدودها البحرية لما قبل 200 ميل، و أقصد هنا مياه البحر الإقليمي و المنطقة الاقتصادية الخالصة، و يمكن أيضا إدراج حدود الجرف القاري لأنها تحدد في 200 ميل بحري تحتسب من خطوط الأساس التي يقاس منها عرض البحر الإقليمي. كما أن مؤشر تقديم طلب تمديد الحدود البحرية من قبل لما وراء 200 ميل، وخصوصا لدى لجنة تحديد الجرف القاري بالأممالمتحدة، يفسر بأن الحدود البحرية الأخرى بالنسبة لإسبانيا مرسمة أو محددة بموجب قوانين داخلية. لأن طلب تمديد الحدود الخارجية لما وراء 200 ميل بحري لا ينصرف إلإ إلى الحدود المتعلقة بالجرف القاري، حيث أجازت اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار للدول صلاحية تمديد الحدود الخارجية للجرف القاري لمسافة 150 ميل بحري، وهذا يعني بأن إسبانيا أرادت من طلبها هذا تمديد الحدود الخارجية للجرف القاري لصبح ممتدا لمسافة 350 ميل بحري عوض 200 ميل. ومنه، فإن أي إعلان من قبل اسبانيا بشأن المبادرة المغربية لترسيم الحدود البحرية، سيكون عليلا ومردودا وموشوما بالنقص، لأنه لا ينبني على أسس قانونية متينة خصوصا وأن الأمر بالنسبة لهذا الترسيم وكما سبق أن أشرت، يتعلق بملائمة المنظومة القانونية البحرية للمملكة المغربية مع التزامات دولية، وفي إطار القواعد المحددة سلفا بموجب اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار. لكن، وفي هذه المساهمة المتواضعة. وإن حاولت اسبانيا تقديم طلب لدى لجنة حدود الجرف القاري بالأممالمتحدة لتمديد حدودها البحرية لما وراء 200 ميل بتاريخ 11ماي 2009، علما بأن البعثة الدائمة لدى المملكة المغربية بالأممالمتحدة عبرت من خلال الرسالة الموجهة للأمين العام للأمم المتحدة عن موقف المملكة المغربية من تلك المحاولة، بعد ستة أيام (6) من ذلك، أي بتاريخ 16 ماي 2009. وفي إطار قاعدة البرهان بالخلف، فإنني أتساءل؟ أليس من حق المملكة المغربية أيضا بأن تضع طلبا لدى لجنة حدود الجرف القاري التابعة للأمم المتحدة، للمطالبة بتمديد الحدود الخارجية للجرف القاري المغربي لما وراء 200 ميل أي 350 ميل بحري؟ و هل هناك حدود زمنية تترتب عنها آثار قانونية، قد لا تصب في مصلحة المملكة المغربية إن لم يتم تقديم هذا الطلب؟ هذين الهاجسين أو التساؤلين، سيشكلان مدخلا لتقديم الجزء الثاني من هذه المساهمة المتواضعة. (يتبع…). *باحث في الدراسات السياسية والدولية،مهتم بالقانون الدولي للبحار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- أكدال.