تجدر الإشارة أولا, إلى أن مسالة ترسيم الحدود البحرية, تعد من أعقد المسائل على مستوى القانون الدولي, نظرا لما يمثله المجال البحري أهمية حيوية و إستراتيجية بالنسبة للدول و الشعوب. يظهر الأمر بشكل جلي في كثافة الخلافات و النزاعات التي نشبت على ممر التاريخ و ما تزال بين الدول, حول آستغلال المجال البحري و التصرف في ثرواته. دفع هذا الوضع المنتظم الدولي إلى سن أعراف دولية لتفادي النزاعات (مبدأ حرية أعالي البحار, مبدأ حسن الجوار, مبدأ عدم الإضرار بالغير…), و غيرها من الأعراف الدوية و التي تشكل النواة الأولى للقانون الدولي للبحار. مرحلة التقنين الفعلي, تم تدشينها من خلال تشكيل لجنة خاصة من طرف عصبة الأممالمتحدة سنة 1924 من أجل إعداد مشروع آتفاقية بشأن المياه الإقليمية والتي على أثرها عقد مؤتمر لاهاي سنة 1930. غير أن الخلافات و المصالح المتضاربة بين الدول حالت دون المصادقة على المشروع, و التالي فشل مؤتمر لاهاي لعام 1930 في التوصل إلى آتفاق لتحديد البحر الإقليمي. بعد الحرب العالمية الثانية, بادرت الأممالمتحدة من خلال لجنة القانون الدولي التابعة للجمعية العامة, إلى الدعوة إلى مؤتمر القانون الدولي للبحار عام 1958 بجنيف, تلاها مؤتمر دولي ثاني عام 1960. هذه الجهود الأممية المتواصلة تكللت بنجاح نوعي في مؤتمر دولي آسثتنائي لعام 1982, نتج عنه أول آتفاقية قانونية للبحار بتوافق دولي. دخلت حيز التنفيذ عام 1994. من المستجدات المهمة التي جاءت بها آتفاقية البحار لعام 1982, هو آعتمادها مبدأ الإنصاف لترسيم الحدود البحرية, حيث يستوجب مراعاة عناصر أخرى أهمها (البعد القاري, البعد التاريخي, الأهمية الديموغرافية..). قبلها, كان يقتصر الأمر على مبدأ المساواة فقط, أي ترسيم الحدود البحرية بناء على التحديد الوسطي. أحكام المحكمة الدولية بخصوص النزاعات البحرية بين الدول, آعتمدت مبدأ الإنصاف كقاعدة أساسية (النزاع البحري بين البحرين و قطر, الحكم المتعلق بالنزاع بين الهندوراس و نيكاراغوا…). و في هذا الصدد نتساءل. هل خالف المغرب مقتضيات القانون الدولي بتكييف قوانينه الداخلية مع آتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار؟ مصادقة البرلمان المغربي على مشروع القانونين 17.37 (المتعلق بالمياه الإقليمية للصحراء المغربية), و الثاني 17.38 (المتعلق بالمنطقة الاقتصادية الخالصة, تبلغ مساحتها 200 ميل تغطي جزر الكناري). يهدفان إلى ترسيم الحدود البحرية و تمديد الجرف القاري, لا يعد بأي شكل من الأشكال مخالفة للقانون الدولي للبحار. الخطوة التشريعية المغربية جاءت كنتيجة منطقية و موضوعية للإجراء الذي أقدمت عليه إسبانيا في 17 دجنبر من سنة 2014 بتقديمها لمشروع قانوني يهدف إلى تمديد جرفها القاري, و التالي بسط سيادتها على الموارد الطبيعية لمنطقة بحرية تبلغ مساحتها 296500 كلم مربع غرب جزر الكناري. هذا الإجراء الذي رفضته الدولة المغربية, و أشعرت الأممالمتحدة بذلك في 10 مارس 2015. هذا الرفض يتماشى مع مقتضيات القانون الدولي و التي تفرض سلك التفاوض مع الدول المجاورة في حالة وجود نزاع بشأن ترسيم الحدود البحرية. لقد صادق المغرب في 2007 على آتفاقية الأممالمتحدة للبحار لعام 1982, مما يخوله أجل 10 سنوات لملائمة قوانينه الداخلية مع مقتضيات القانون الدولي, لتحديد جرفه القاري. تتيح هذه الإتفاقية الأممية للمغرب حق آستغلال ثروات المنطقة الاقتصادية محددة في 200 ميل (360 كلم) بالساحل. و هنا يكمن مصدر الخلاف المغربي/ الإسباني, حيث تتصادم مصالح الدولتين خصوصا على مستوى جزر الكناري, خاصة و أن ما يفوق 90 في المائة من الثروة السمكية موجودة في هذه المنطقة, بالإظافة إلى النزاع حول من سيتمكن من آستغلال البركان الموجود عمق ألف متر تحت سطح البحر (طروبيك) و الذي يتموقع على بعد 269 ميلا من جزر الكناري (جنوبا), و غرب مدينة الداخلة على بعد 290 ميلا. تشير الدراسات إلى غنى هذه المنطقة البحرية بكميات مهمة من المعادن الإستراتيجية (التيليريوم و الكوبالت…). هذا الجبل البركاني الواقع خارج المنطقة الخالصة (200 ميل) سواء لإسبانيا أو المغرب, سيصبح جزء من الجرف القاري المفترض للدولة التي ستنال موافقة (لجنة الأممالمتحدة للجرف القاري), أو كنتيجة لآحتكامهما إلى (محكمة البحار بهامبورغ) أو محكمة العدل الدولية بلاهاي. مبدأ الإنصاف المعتمد من طرف الإتفاقية الأممية و كذا أحكام و آجتهادات المحاكم الدولية المختصة بفض النزاعات البحرية, تصب في صالح المملكة المغربية و تقوي ملفه القانوني, و تدفع إسبانيا إلى آختيار التفاوض و الحوار مع السلطات المغربية. نتساءل أيضا, هل تأخر المغرب بملائمة قوانينه الداخلية مع مقتضيات القانون الدولي للبحار, لا يحرمه من الإستفادة من بنودها؟ صحيح, أن الخطوة التشريعية المغربية جاءت آستدراكا للتأخر الذي وقعت فيه السلطات المغربية, ربما مراعاة للتسوية السياسية التي ترعاها منظمة الأممالمتحدة بخصوص نزاع الصحراء المغربية. حيث كان الأجدر أن يلائم المغرب قوانينه قبل متم سنة 2017. لكن, إجراء المغرب بوضعه طلبا أمام أنظار (لجنة الجرف القاري) للأمم المتحدة سنة 2017, يعبر فيه عن رغبته في توسيع جرفه القاري . على غرار الطلب الإسباني لسنة 2014. هذا الطلب يعتبر وسيلة من الوسائل القانونية المتاحة للمغرب, بالتالي فلقد آحترم من خلاله الأجل المحدد من طرف الإتفاقية (أجل 10 سنوات). هناك من يقول أيضا بأن المغرب خرق مبدئا أساسيا في القانون الدولي (مبدأ سلك الحوار و التفاوض لفض النزاع و عدم فرض الأمر الواقع). الإجابة بسيطة, حيث مصادقة البرلمان المغربي لمشروع القانونين لا يعد أبدا فرضا للأمر الواقع, فالقانون الدولي لا يعترف بالقوانين الداخلية كتشريعات قانونية ملزمة دوليا, بل بصفتها أفعالا للدولة ذات سيادة. القانونين يعتبران إجراء مهم سيتيح للجنة الأممية (لجنة الجرف القاري) رؤية قانونية أوضح للملف, كما يتيح للطرفين المتنازعين أرضية قانونية جيدة للتفاوض. إسبانيا تدرك أن بعض بنود آتفاقية الأممالمتحدة للبحار تعاكس مصالحها و تضعف ملفها, حيث أن جزر الكناري هي إقليم تابع للدولة الإسبانية و ليست دولة أرخبيلية, و هذا يحرمها من الإستفادة من مقتضيات القانون الدولي المتعلقة بالمناطق البحرية الأرخبيلية. أخيرا, إجراء المغرب, سيادي, داخلي, و يحترم القانون الدولي للبحار. و الأكيد أن مصلحة المملكة المغربية و الإسبانية تكمن في التفاوض و الحوار. و أعتقد أن سلطات البلدين واعية بذلك, فتصريح وزيرة الخارجية الإسبانية عقب لقائها بنظيرها المغربي السيد ناصر بوريطة, يؤكد تشبت إسبانيا بمبدأ التفاوض كمسلك لحل هذا الخلاف, خصوصا أن العلاقات السياسية و الاقتصادية…, القوية بين البلدين تدفع إلى آنتهاج الحكمة و الرزانة الديبلوماسية أكثر من أي شيء آخر. جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة