عاشت قضية الصحراء المغربية تطورات ومنعرجات سياسية ودبلوماسية متعددة، سواء على المستوى الأممي أو الوطني، ونذكر هنا وقف إطلاق النار لسنة 1991 بموجب قرار الأممالمتحدة الذي ظل المغرب يحترمه إلى حدود يومنا هذا، في حين شهد خروقات بين الفينة والأخرى من الطرف الأخر أكدت عدم التزامه (جبهة البوليساريو). وفي اطار هذا القرار دائما كحل سلمي بعيدا عن رفع السلاح، اختار المغرب المضي في سياسته الدبلوماسية المكملة للمفاوضات، من اجل تقوية موقفه أمام الأممالمتحدة و أيضا اتجه نحو الانفتاح على باقي الدول في إطار التعريف بموقفه، فبفضل هذه السياسة الدبلوماسية نجح الجانب المغربي في كسب حلفاء كانوا لعهد قريب داعمين للمعسكر الأخر و نتحدث هنا عن بعض دول أمريكا اللاتينية (كوبا وفنزويلا)، وإلى جانب هذا أيضا توسع إقليميا داخل القارة الإفريقية عن طريق نهج السياسية الخارجية جنوب-جنوب التي عززت تحالفات دولية جديدة وشراكات متبادلة جاءت تفعيلا لعدد من الاتفاقيات واستثمارات اقتصادية مهمة جاءت في إطار التعاون مع عدد من الدول الإفريقية. وعلى اعتبار أن موقف المغرب إفريقيا يجب أن يصبح أكثر قوة سياسيا بالدرجة الأولى، اختار المغرب التخلي عن سياسة الكرسي الفارغ، بعد أن قرر الملك الانضمام للاتحاد الإفريقي سنة 2016. يعتبر هذا القرار تحصيل حاصل فقط بعد أشواط قطعتها السياسية الدبلوماسية المغربية إفريقيا، فالمغرب هو الأولى بالتواجد على الساحة الإفريقية كبلد إفريقي له موقع استراتيجي مهم وسياسة خارجية متقدمة شمالا و جنوبا، فيعتبر تواجده داخل الاتحاد الإفريقي إضافة بين جميع دول القارة، من أجل العودة إلى القيام بالأدوار المنوطة به خصوصا ان للمغرب وزن سياسي مهم بين أهم دول العالم وهذا ما يثبته يوما بعد يوم عبر سياسته الخارجية التي اتسمت بالرزانة والخطوات المدروسة سلفا، وأخرها دوره المهم في الملف الليبي. إن العالم الذي نحن فيه اليوم عالم قطع أشواط مع الحروب ويتجه نحو السلام وليس السلاح، عهد لا يعترف بحرب العصابات كحل للازمات الإقليمية وعهد قطع مع سياسة البروباغاندا والتضليل الإعلامي بغرض تقوية موقف ما على حساب الأخر، فالتفاوض والخطاب الدبلوماسي هو السبيل نحو حل الأزمات بشكل فعّال وموضوعي. لذا كان توجه المغرب عن طريق وزير الخارجية ‘ناصر بوريطة' نحو فتح قنصليات جديدة في قلب مدينة ‘العيون'، خطوة ذكية و فيها نوع من الإبداع لصالح تعزيز موقف بلاده، إنما هذا الأمر أزعج ‘البوليساريو' واعتبرته الجزائر استفزاز لها، آخرها تدشين القنصلية الإماراتية التي جاءت مفاجأة غير سارة لكل عدو للوحدة الترابية المغربية. لقد فاق عدد القنصليات الخمسة عشر قنصلية في قلب العيون بعد تدشين القنصلية الإماراتية . وقد يظن قاصر النظر والتحليل أن افتتاح هذا العدد لا يعدو أن يكون بنايات مع موظفين إضافة إلى قنصل وعَلم دولة، وليس لها أي دور ولا تأثير في ملف الصحراء، إنما العكس هو الصحيح تماما، لما للقنصلية من أهمية على مستوى التمثيل الدبلوماسي و نحن نعلم ماذا تمثل السفارة أو القنصلية في القانون الدولي، حيث أن تلك الرقعة الجغرافية للقنصلية هي مكان سيادة لتلك الدولة و هذا ما يعد اعترافا ضمنيا بمغربية الصحراء من طرف تلك الدول هذه الخلاصة هي ما فطن بها ‘البوليزاريو' وانعكست على رد الفعل الذي دفع مجموعة من المغرر بهم إلى قطع الطريق وتخريبها على نقطة معبر ‘الكركرات' التي تربط بين المغرب وموريتانيا. وخطورة هذا الفعل يعكس فقط توجس وتخوف ‘البولزاريو' من تسارع خطوات المغرب دبلوماسيا، خصوصا ان هذا المعبر يعد بوابة مهمة في علاقة المغرب اقتصاديا بباقي دول الجنوب وخاصة موريتانيا. يعد الحدث الأخير المتمثل في تدشين القنصلية الإماراتية ، ضربة دبلوماسية موجعة خاصة أن وزن وثقل الإمارات سياسيا ودبلوماسيا تدركه جيدا عناصر البوليساريو والجزائر وهو ما اعتبروه جرأة كبيرة من المغرب وتهديدا لهم، فأسرعوا من أجل استفزاز جنود المغرب بمدنيين غير واعيين بخطورة أفعالهم وتصرفاتهم "البلطجية". إن رد الفعل هذا لا يمكن وصفه الا برقصة الديك المذبوح الذي لم يعد يرى أمامه سوى الظلام. ذبحت البوليساريو نفسها بنفسها باختيار الطريق الخطأ والحليف الخطأ، طريق بيع حرية مجموعة من الأبرياء والحق في عيشهم الكريم إلى جنرالات ومرتزقة، آخر همهم هو حقوق ساكنة الأقاليم الصحراوية، بل فقط دفن مستقبلهم وأطفالهم داخل مخيمات عنوانها العذاب والجوع، وهذا كله من أجل إرضاء مطامع العسكر في تحقيق أحلام استراتيجية احتلالية تسمح لهم بالوصول إلى منفذ على المحيط الأطلسي. ولنا أن نتساءل: أين مصلحة ساكنة الأقاليم الصحراوية وسط كل هذا العبث؟ فاليوم يصلون إلى مرحلة تحقير المرأة الصحراوية الشامخة طوال تاريخها العظيم، حيث نرى لأول مرة نساء بلباس صحراوي منحنيات يخربن في الطريق المعبدة لمعبر ‘الكركرات' في منظر مقزز ومذل. الحقيقة المُرة ليس منظر الطريق الذي خُرب، إنما صورة المرأة الصحراوية الحرة التي لا تقبل أن يغرربها أو تصبح وسيلة حقيرة لتنفيذ أعمال من هذا النوع، لا تليق بمستواها ومكانتها في ثقافة المجتمع الصحراوي. عموما إن السياسة الخارجية للمغرب موفقة الى حد كبير و نموذج يدعوا إلى الفخر، و لا يجب الاستهانة بحدث افتتاح سلسلة من القنصليات، بل على كل مغربي أن يدرك أهميته ويفخر بهذه الخطوات الدبلوماسية الناجحة التي تضيف نقاطا إضافية في قضية كل المغاربة؛ قضية الوحدة الترابية واستقرار البلاد وكل الدول المغاربية والإفريقية. ولا شك ان المستقبل يتجه نحو الوحدة و بناء التكتلات (الاتحاد المغاربي الجامد) سواء على المستوى ألمغاربي أو الإفريقي.