يخرج علينا بعض نواب العدالة والتنمية بتصريحات نارية ضد نشطاء الفايسبوك، وباقي شبكات التواصل الاجتماعي، ومنهم بالذات الفاعلون في مجال التدوين والتقاسم ونشر الصور والكاريكاتير، كتاب الرأي بالكلمات الدقيقة والسريعة في القراءة، لا تنطوي الجمل على تعقيد وتأملات، بل قراءة أخبار ممزوجة بالصور، والتعبير بكلمات بسيطة تصل للكل، فيتحول الخبر كالنار في الهشيم ويعمم بالتقاسم، يمكنه صناعة رأي ما في قضية اجتماعية وسياسية، أو يمكنه التأثير في أشخاص من الدعاية السلبية، والبحث عن الفضائح، لا يعني أن الفايسبوك وسيلة للتثقيف بل أداة في التنبيه والتوجيه والضغط، رهيب في حملاته إذا وصلت الحد الأعلى من الاستجابة، ويمتلك شحنة سلبية في حالة التشهير والتحريض عندما تكون الأخبار مزيفة ومفبركة، الجانب المنير في شبكات التواصل الاجتماعية بناء الوعي الجمعي، والدفاع عن المكتسبات، والجانب المعتم يتعلق بالتضليل والنيل من الأشخاص، وتحريف الوقائع عن مسارها عند نقل الأخبار والحقائق الكاذبة، وهكذا يمكن اعتبار شبكة التواصل الاجتماعي سيف ذو حدين . هؤلاء النشطاء الجدد أصبحوا مؤثرين في رسم السياسات العمومية أو على الأقل قوة ضغط في صناعة الرأي والقرار، أو إرغام الفاعل السياسي على تعديل القوانين في غياب قوة الأحزاب في التأطير والمجتمع المدني . الفايسبوك تيار جارف وسيول من النقد والشتائم التي تعبر عن المستوى الثقافي والاجتماعي للنشطاء، ضبابية المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي نتاج للتحريض والنقد غير البناء من قبل أشخاص لا يمتلكون ثقافة حزبية ولا دراية بالعمل السياسي، اتهامات جاءت من قبل السيد إدريس الازمي وغيره من النواب المحسوبين على العدالة والتنمية بخصوص الصراع الفكري والنقاش الحاد عن معاشات البرلمانيين ، اختلاف بين الأحزاب السياسية من خلال اقتراحات عملية، كالصيغة التدريجية في أفق تصفيته وإلغائه، وصيغة الرفع من سن الاستفادة حتى 65 سنة وتقليص مساهمة النواب في الصندوق، والرفض النهائي لكل التعديلات من قبل اليسار الاشتراكي الموحد، باعتبار هذا المعاش نوع من الريع والفساد السياسي، والذي لا يستند للمنطق العقلي وغير دستوري، من منطلق أن العمل البرلماني تكليف بمهمة معينة ويعود المنتخب إلى عمله الأصلي، ليس مهنة أو وظيفة عمل، لكن مهمة شاقة في تفعيل القوانين وخدمة الوطن، وبالتالي تمنح الدولة البرلماني كامل الحقوق وتكرمه بأجر مناسب، وتعوضه عن سنوات العمل، وعليه مغادرة المكان إلى عمله السابق . أقوال الناس ومشاهد من الرفض والاحتجاج مشروعة من قبل نشطاء الفايسبوك والجمعيات والمحللين في مجال السياسة ، منطق القول أن الحكامة الجيدة، ترسي معالم الحكمة والتدبير بعيدا عن الشطط، ومراقبة صارمة للمال العام، وتصريف الضرائب في بناء الدولة والمجتمع، الريع السياسي كما يقول عبد الرحيم العلام مسألة بنيوية وأبلغ من النقاش المطوح، إنه ثقافة بالغة الخطورة تمتص جهد الشعب في التنمية، وترسي حقيقة العلاقات المشبوهة، والمصالح الأحادية للأفراد والجماعات، في غياب الكفاءة وتكافؤ الفرص على أساس الاستحقاق، حزب العدالة والتنمية يتنصل أحيانا من القرارات بالنفي، عندما يعتبر القرار جماعيا أو عدم الدراية بالموضوع، وتصدر القوانين أحيانا خارج نطاق سلطته وبالتالي لا يتحمل المسؤولية، ويقدم نفسه ضحية الآراء المغلوطة والشائعة، بل هناك من يلقي اللوم على"لوبيات"ضاغطة تريد الإجهاز على الحزب، لكن عندما يستفز الحزب في مصالحه يخرج علينا ملوحا بضرورة حماية المؤسسات، وتنبيه الناس لانزلاق السياسة نحو المتاهة . إنها الشعبوية وآراء العامة من الناشطين في شبكات التواصل الاجتماعي الذين يتهمهم الازمي بنشر الأكاذيب، والكلام في خصوصيات الناس، شعبوية مقيتة، لا تقدر العمل السياسي، ولا تدري إمكانية الجمع بين المهمة الانتدابية في البرلمان ورئاسة الجماعات، يعج الفايسبوك بهؤلاء الناس الذين لا يقدمون قيمة مضافة للشعب والسياسة سوى التشويش والكلام النابي، والتهوين من عمل البرلمان كمؤسسة في التشريع وتدبير الشأن العام، المشكل هنا يتعلق بصك الاتهامات بحق نشطاء الفايسبوك ومنصات أخرى للتواصل، وعندما اتهم المغاربة حزب العدالة والتنمية والوزير بن عبد القادر بإعداد قانون تكميم الأفواه، وإلزام النشطاء بالكف عن التشهير والإساءة للمقاولات والشركات من خلال التحريض، وتأليب المواطن في قضية مقاطعة منتجات معينة ، تنصل الحزب من الفكرة، واعتبرها مجرد مسودة للنقاش والحوار، ولم تكن صيغة نهائية، والآن يدلي الناس في الفايسبوك واليوتيوب بآراء تنم بالفعل عن أجواء الديمقراطية، يضعون قضايا ومشكلات تستدعي حلولا عاجلة، يراقبون المشهد السياسي بعيدا عن الإعلام الرسمي والأحزاب السياسية، يرسمون ملامح أخرى للمغرب الجديد، يرسلون رسائل في الإصلاح، يريدون قطع الطريق على المنتفعين، ومحاربة سرطان الفساد بالكلمة، دور البرلمان التشريع للقوانين، وليس مؤسسة للكسب والبحث عن تقاعد مريح في ظرف سنوات، كل مواطن دخل قبة البرلمان من اللازم أن يتوفر على عمل ، وعند بداية المهام من حق الدولة أن تصرف له راتبا شهريا معقولا، وفي النهاية تمنحه تعويضا تقديرا للجهد والعمل، وليس راتبا شهريا قارا يعادل راتب إنسان قضى في خدمة الوطن مدة تزيد عن ثلاثين سنة، كما هو الحال في التعليم والصحة، وباقي القطاعات الحيوية، من هنا كانت يقظة الشعب المغربي في ظل الأزمة الحالية، وفي واقع استفحال الفساد والريع السياسي المطالبة بإنصاف الشعب من خلال الحفاظ على المال العام، الحبيب المالكي يعتبر إلغاء معاشات البرلمانيين، نوع من الشعبوية تهدف للتقليل من المؤسسات، وعندما نمنح البرلماني هذا الوضع الاعتباري، نحن نلقي عليه واجبات صيانة الحقوق والدفاع عن المكتسبات، ولا نجعل من البرلمان وسيلة للكسب والغنى، يخشى المالكي الانحراف السياسي وإتباع الأهواء، وذلك سيؤدي بالمغاربة نحو المجهول . هناك قضايا أصعب من معاشات البرلمانيين تتعلق بالظرفية الوبائية . إلغاء تقاعد الوزراء والبرلمانيين ليس بيد الحكومة كما يقول العثماني دائما، ويمكن توقيفه وإلغائه بقرار من مجلس النواب، حكومة بنكيران استطاعت إخراج قرارات صعبة همت قطاع التعليم والاقتصاد، والتسريع بقانون معاقبة المضربين من خلال الربط بين الأجرة والعمل، وتحديد سن التقاعد النسبي والكامل، لكنهم عجزوا عن الاستجابة للمطالب التي يراها المغاربة مشروعة في إلغاء المعاشات بسند قانوني يعيد الاعتبار للانتخابات، وتقديم الأحزاب للنخب المناسبة، هذا السخاء لا يتأسس على مبرر قانوني، أو جهد جسدي أو ذهني سوى ما يراه المنتفعين حق مشروع في استخلاص راتب من الدولة للسنوات التي قضاها البرلماني في عمله، الريع وسيلة للتدجين السياسي، والية في الاستقطاب، وتوزيع الغنائم، ضدا على الاستحقاق والكفاءة، وضد طموح المغاربة في مغرب ديمقراطي ، يستند في تدبير السياسي على ربط المسؤولية بالمحاسبة . فالسيد الأزمي وغيره من الأصوات المحسوبة على أحزاب معينة لا ترى في شبكات التواصل الاجتماعي إلا نوع من الشعبوية والغوغاء، أولئك الذين ينشرون الترهات، والأفكار السلبية، ويعملون ليل نهار على تبخيس العمل السياسي، وينكرون تضحيات المنتخب في العبور بالتجربة المغربية نحو الأمان، ضد ما يحاك عليها من دسائس وعداء من الداخل والخارج، قوى مضادة للحزب متباينة، تحاول خلق أجواء مشحونة بالصراع، تزيد في شرارة الاحتقان، ونحن لا نرى في شبكات التواصل الاجتماعي إلا الوجه الآخر الذي يعبر عن مغرب الحرية . المغاربة بوعي اجتماعي جديد ، يترقبون العبور نحو ديمقراطية حقيقية ، يتمنون الخير والسلام لبلدهم ، لا يركبون أمواج الأحزاب التي قدمت عهودا وتنصلت منها، يبحثون عن كل ما يقوي منطق السياسة، ويزيد جرعة في الإصلاح حتى القضاء على الفساد بأشكاله ، الفايسبوك " فاعل سياسي"، تيار كبير يهيمن على المشهد الثقافي، والنشطاء في الفايسبوك لا يملكون سلطة القرار، سلطة هؤلاء النشطاء، التحسيس بالأفق الصعب الذي يعيشه المغاربة، يعلقون ويتقاسمون المنشورات، ويباركون الفكرة، ويدافعون عن سلامة المجتمع من التهديد، ويكشفون بالصور والتعليق عن قضايا مختلفة، قضية الطفل عدنان، سخاء وزارة الثقافة في الدعم المالي للذين لا يستحقون، والمطالبة بإطلاق صراح بعض المعتقلين، الفايسبوك "ناشط حقوقي " ينقل لنا الأخبار الواردة من الأمكنة، وبالتعليق يحاول النشطاء توجيه المغاربة نحو قضايا بذاتها، تيار سياسي يجمع مختلف أطياف المجتمع، لا يبالي بالألوان الأيديولوجية، ولا يولي أهمية للتيارات السياسية، يركب على القضايا الاستعجالية، ويجعل الناس يشاركون ويعلقون ويبدون آراءهم، العالم الأزرق ، الفضاء الذي ساهم في نشر الوعي والمطالبة بالحق والحقيقة، وإذا كان للبعض مؤاخذات على الفايسبوك ومستعملي شبكات التواصل الاجتماعي، فإن الأمر ممكن لإعادة النظر في الأشياء التي تبدو غير لائقة، في فبركة الصور، ونشر الإشاعات، والتحريض على العنف، وتقاسم الصور المسيئة للآخر، فمن مزايا هذه الشبكات عندما تتحول بعض القضايا لرأي عام، إنها محاولة التأثير في القرار السياسي، ومعالجة ظواهر اجتماعية تهدد سلامة الناس، وتحليل الوضعيات الصعبة في مجال التعليم والصحة والقطاعات الحيوية، ونقل الأقوال والمواقف الخاصة بالمثقفين والناس حتى يتم تداولها بشكل أوسع وبالتالي نشرها وتعميمها، يعني الكشف عن خفايا الأشياء، كلها جوانب مضيئة للفايسبوك، أما حسن استخدام هذه الوسائل، فليس من أجل إفراغ البرلمان من قيمته في التشريع، أو إلغاء عمل البرلماني من دون أجرته، وما سماه الازمي "البيليكي"، بل هناك قضايا للنقاش العمومي تتحول من الواقع إلى العالم الافتراضي، ولا يجب على السادة النواب والوزراء التبخيس من قدرة المغاربة في الفهم والتحليل ، والحكم على قدراتهم بالهشاشة وضبابية الرؤية، بل هناك معارف يتغذى المواطن عليها في الفهم والإدراك، والواقع المادي دليل على ذلك، حكومتنا الحالية لا تلبي تطلعات وآمال المغاربة ، النخب المتمرسة في العمل السياسي والحزبي مآربها توزيع الغنيمة وتوزيع دائرة المنتفعين، والخروج بتأمين مصدر العيش أقوى من العمل لإسعاد المواطن، القرارات تأتي مفاجئة وفيها نوع من الإلزام والإرغام كما رأينا في القرارات المشتركة بين الداخلية ووزارة الصحة في تشديد العبور وسد المنافذ، في التعليم التعاقدي، الزيادة في الضرائب، صندوق المقاصة، الاقتطاع من الأجور. العمل السياسي نسبي، والمواطن لا يطلب المستحيل والكمال، إنه يحاول رسم الملامح العامة للتدبير المنصوص عليها في دستور 2011، أما الفايسبوك فهو آلية مفيدة في تعميم الفائدة على الناس، والنشطاء في هذه الشبكات لا يطالبون بإلغاء أجور الوزراء والبرلمانيين كما يقول السيد الازمي، ولا يوجد تجنيد لأطراف خارجية في تصفية حزب العدالة والتنمية كما يقول حامي الدين، وخطاب المظلومية أصبح من الماضي ، لأن الانجازات العملية مقياسها الواقع ومؤشر التنمية، التجربة الحكومية ضئيلة بالمقارنة مع الوعود الانتخابية ، ومن يدري أنها آخر الأوراق التي يلوح فيها حزب العدالة والتنمية للدفاع عن مصالح حزبية ضيقة، لأننا نعتقد أن الرأي الصائب يحب أن يكون في خدمة الشعب، أما المناصب فليست مكرمة أو هبة ، مسؤولية جسيمة، والتاريخ كفيل بإظهار الحقائق ولو بعد حين ، وبالتالي لا يمكن التقليل من الآراء المنتشرة في شبكات التواصل الاجتماعي التي غيرت أنظمة، وساهمت في تجديد الوعي السياسي والاجتماعي وصناعة الرأي في العالم .