لا بأس إن ظل المفكرون من مختلف المرجعيات يصيبون و يخطأون من حيث النظرية و التطبيق لما أنتجوه من فكر قابل دوما للأخد والرد و التطوير فيما بينهم،ولا بأس أيضا إن أعلنت التوبة السياسية و الفكرية والفلسفية من أمثال برهان غليون الذي لم يحالفه حظ المشاركة السياسية فيما آلت إليه أوضاع القطر السوري الشقيق،و المفكر عبدالله العروي الذي اعتزل المشهد الإعلامي،و الفيلسوف الإسلامي طه عبد الرحمان الذي ينظر إلى الواقع من بعيد دون أن ينخرط فيه،و الفقيه المقاصدي أحمد الريسوني الذي ألف الإتحاد للعالمي لعلماء المسلمين . إن العرب اليوم أضحوا في حيرة من أمرهم،ذلك أنهم يدركون أن رياح القيادة لهذا العالم المتغير في شد و جدب مستمرين بين القوى الصاعدة،و على ما يبدو فإن منطق الأقطاب المتعددة هو مستقبل العالم في العشرين سنة القادمة،خاصة إذا تأملنا المشهد الدولي جيدا الذي بزغت فيه بقوة دول أخرى كالصين و روسياوتركيا من جهة،و الإتحاد الإسلامي الناشيء بقيادة ماليزيا و تركيا من جهة أخرى . لكن،ماهو المصير المرتقب لأمة حباها الله بكل مقومات القيادة و النبوغ ؟، وهل ستستوعب دروس الماضي الذي أدى بها إلى أن تعيش ويلات الإستعمار و التبعية بعد الإحتقلال ؟. تبدو الإجابة سهلة للمتأمل للساحة السياسية والفكرية التي تعج بالعقول الإمعية التي لازالت تبرح مكانها من حيث التفكير التبعي الإستئصالي لكل ما يمت للإسلام بصلة،ذلك أنها لم تستوعب بعد أن هذا الدين تجاوب مع قناعاتهم و تعايش معها في ظل منطق قانون الدولة دون أدنى حرج . إن ما يحدث في فرنسا الحاقدة على الإسلام و نور تركيا المسلمة الساطع التي أضحت طرفا لا يستهان به عالميا،يقتضي آنيا من العقل العربي أساسا الذي ألف أن يظل ملحقا بالدول الإستعمارية أن يدافع عن وجود المسلمين فيها،لأن القانون الدولي يعترف أصلا بآختلاف الديانات في الوطن الواحد مع حسن تنظيم طريقة آداء شعائرهم دون حساسية مفرطة،و يقتضي أيضا من العقل الإسلامي أن ينفض عنه غبار التنظير الذي تعمق فيه دون أن ينتقل إلى المطالبة المنظمة لحقوق الشعب من طنجة إلى جاكرتا في أفق أن يجد العالم العربي مكانه في هذا العالم المتغير. إن بيان " التغيير الذي نريد " الذي وقعته شخصيات مغربية قبل تسع سنوات من الآن و غيره من التراكمات النضالية السابقة و الآنية تحتاج إلى رص الصفوف،و أيضا إلى تحالفات على مستوى القطر الواحد أساسا لقيادة سفينة التغيير الذي نطمح له دون خطوط حمراء أو زرقاء،و إلا فلنترك العقل الإسلامي يلتحق بالعقل العربي الذي يتغنى بالحداثة دون أن ينتبه إلى أنه أدمن منذ نصف قرن على الفشل. إن التغيير اليوم أضحت أسسه في ظل تعدد المرجعيات تبنى على القيم الوطنية،ذلك أن أصولها يهتف بها الجميع في شعاراته كالحرية و العدالة الاجتماعية و السياسية والفكرية في أفق التأسيس الفعلي لمفهوم الدولة المدنية الحديثة التي تستوعب الجميع دون أدنى حساسية . يجب أن نلقي بالا أكثر للتجربة الأردوغانية في تركيا ، فقد ابتعدت عنا بسنوات ضوئية لسبب بسيط هو أن قائدها أصلح النفوس والعقول معا بالواقع الفعلي المعاش يوميا،و دعاهما إلى ترك الضغائن و الأحقاد و المنطق الإقصائي الإستئصالي و تقبل نتائج الديموقراطية مهما كانت لما فيه مصلحة تركيا. فأين نحن إذن من تركيا الحديثة ؟، مع العلم أن السيد رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان و فريقه اعترفوا عن طيب خاطر أن ما أنتجته الرقعة الجغرافية الممتدة من الرباط إلى بغداد كانت نعم المرجعية الفكرية،لكن الفرق بيننا هو أنهم اشتغلوا حكومة و أحزابا و شعبا لصالح مستقبل تركيا،في حين أن غالبيتنا مارس السياسة بمنطق الحزب و المصلحة الشخصية البعيدة عن الوطنية الصادقة ، فمتى يستيقظ مفكرونا و قادتنا السياسيون ؟ .