حذر الدكتور أحمد الكرعاني من تنامي خطر الهجرة الجماعية للأطباء إلى الخارج بعد كوفيد19، ما لم تعمل الدولة على العناية بمطالبهم البسيطة التي توفر لهم الظروف المناسبة لمزاولة عملهم وتضمن لهم العيش الكريم داخل وطنهم. وأبرز الكرعاني الذي يعمل بالمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش لجريدة العمق أن الهجرة أصبحت توجها عاما وسط طلبة الطب، حيث تجد طالب في السنة الثانية أو الثالثة في الطب ، قد حسم في أمر العمل في المغرب، فتجد مراكز اللغة الألمانية ممتلئة بطلبة الطب وبالأطباء الراغبين في الهروب. وأوضح أن الأطباء يهاجرون لأنهم يعملون في ظروف صعبة، وأحيانا لا يجدون اللوازم التي يحتاجها المريض، أو قد يتعرضون للإهانة بسبب عدم وجود خيط لرتق جرح. وأشار إلى أنه في أكثر من مناسبة، يعمل الأطباء والممرضون بصفة تضامنية على اقتناء لوازم طبية أو جراحية لمريض فقير، دون طلب الجزاء ولا الشكر ، متسائلا إلى متى سيستمر مثل هذا الوضع البائس؟ وأضاف الكرعاني أن طبيب القطاع يتقاضى راتبا هزيلا، يقل بكثير عما يكافئ عدد سنوات الدراسة التي تستمر ثمان سنوات للطب العام ، و12 إلى 13 سنة للتخصص، في مقابل 5 أضعاف هذا الراتب قد يتقاضاه في دولة أوروبية. وأكد الطبيب ذاته أن بقاء الطبيب في وطنه والعمل بنزاهة رهين يتوفير الشروط الملائمة وتمكينه من حقه كاملا، وصون كرامته وتحسين ظروفه الاجتماعية، فهو ينقذ حياة الناس، ويخفف آلامهم، ويفتح الله به كرب الناس وهمومهم. من جهة ثانية نبه الدكتور الكرعاني إلى ما يجده الأطباء والطبيبات المتزوجين من عراقيل وصعوبات في الانتقال من أجل التجمع العائلي وجمع الشمل، والتي تمتد سنوات، تنذر بعزوف كبير عن التحاق الأفواج القادمة بقطاع الصحة العمومية ، حيث أصبح معظم الأطباء الشباب يختارون العمل في القطاع الخاص كأطباء عامين أو اختصاصيين، وأصبحوا يخافون من سجن الوظيفة العمومية. وأشار إلى أن القطاع العام لم يعد جاذبا للأطباء، الذين أصبحوا يفضلون العمل بالقطاع الخاص لكي يتمكنوا من توفير لوازم العمل التي يفتقدونها بالقطاع العام ولكي يعيشوا حياة تليق بسنوات الشباب التي أنفقوها في الدراسة ، ويتجنبوا قصة الانتقال والالتحاق بالزوج التي لا تنتهي ، وإذا انتهت ، يكون الطبيب والطبيبة قد أصيبا بالاكتئاب أو شتات الأسرة. وختم قائلا إن أرقام الهجرة وتناقص الالتحاق بالقطاع العام أصبحت كلها مخيفة، فمتى يستفيق المسؤولون قبل فوات الأوان؟ يشار إلى أن المجلس الوطني للأطباء في فرنسا، أنجز دراسة أظهرت أن عدد الأطباء المولودين في المغرب والمزاولين للمهنة في فرنسا يصل إلى 6150، جلهم يعملون بشكل دائم، فيما تجد الأطباء المغاربة في العديد من الدول الأوروبية وفي كندا. ويقول الباحثون إن عدم أو ضعف اعتناء المغرب بموارده البشرية التي أنفق على تكوينها طيلة سنوات الدراسة، يفقده كل إمكانية لمساهمتهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، لاسيما أن الرأسمال البشري، عامل مهم من عوامل الإنتاج في الاقتصاديات الحديثة. ويؤكد هؤلاء على أهمية أن تنتبه الدولة المغربية إلى أن الدول الغربية تتصارع بقوة للظفر بأفضل الكفاءات في كل الميادين وخاصة عالية التأطير مثل الأطباء والمهندسين، معتقدين أن الهجرة تكون دائما مفروضة على هذه الكفاءات لغياب أو قلة المحفزات على المكوث في المغرب.