يعيش العالم القروي منذ الأزل حالة من التهميش والحاجة والتفقير الممنهج والإقصاء في شتى مجالات الحياة دون تحرك الجهات المسؤولة على النهوض بأوضاع هذا العالم الذي يمكن أن نجله عالما خاصة إذا اعتبرنا الوطن عالما عاما بحسب استعمالات السوسيولوجيون لهذا المفهوم خاص، وعام كيف ذلك؟ يبقى العالم القروي مهمشا بقصد أو من غير قصد حتى تحقق الحواضر حاجتاها في كل خصاص تعيشه على حساب العالم القروي في مناسبات عديدة ولعل ما عاشه المغرب من احتجاجات السادة الدكاترة الرافضة للالتحاق بمقرات عملهم بالعالم القروي وتعييناتهم الجديدة به لدليل قاطع على التمييز الايجابي الذي يحصل عليه عالمنا القروي المهمش، وكذا الانتقالات التي يشهدها العالم القروي سنويا من طرف الأساتذة في هجرة معلنة من العالم القروي الذي يعيش على الهامش إلى عالم الحاضرة، كما لا يمكن أن ننسى سلوك بعض الوزارات المقزز الذي تمارسه بشكل قانوني وقانو تنظيمي في الأمر خاصة وزارة التربية الوطنية و وزارة الصحة وكذا الداخلية حين تبرر انتقال أحد أطرها من العالم القروي إلى العالم الحاضرة بسبب خصاص في المدينة وجب تغطية وإن على حساب ساكنة العالم القروي لا لشيء إلا لأنه عالم مهمش تهميشا ممنهجا وبشكل قانوني في نظرهم، أليس على العالم القروي رفض الصيغة التي تتعامل معهم بها بعض الوزارات خاصة عندما يترك أستاذ فصلا دراسيا يعاني الأمرين في صمت ليلتحق بفصل دراسي بالمدينة في أرقى صور تكافؤ الفرص التي تدغدغ بها الحكومات المتعاقبة علينا مشاعرنا بها، مبدأ يضع عند كل دخول مدرسي، أو ذهاب للمصحة أو رحلة في اتجاه الجماعات القروية التي تعاني خصاصا مهولا في اطرها، هذه المظاهر التي رصدناها ليست غير غيض من فيض من المعاملات التي باتت ساكنة العالم القروي تعيشها ناهيك عن المد بالماء الصالح للشرب ابذي لا يتحقق إلى في المدن وكأن أهالي القرى المغربية لا تعني الوزارة وتهمه في شيء خاصة في فصل الصيف حيث تترك القرى لمصيرها المجهول تواجهه كما تشاء دون إلتفاتة قد تكف الناس شر البحث عن منبع مائي، هذه المظاهر كلها ما رصدها عالم اجتماع ولا صورها باحث انتروبولوجي، في لحظات المعاناة الحقيقية التي يعيشها ساكنة العالم القروي هذا دون أن نحرج وزارة التشغيل والادماج المهني بالحيف الذي يعيشها أبناء العالم القروي إذ لا يمكن منطقيا تحقق النتيجة في ظل غياب المقدمات فكيف تطلبون من طفل حرم التعليم أن يتقدم للعمل بشهادات؟ كل هذه المعاناة يعيشها شباب العالم القروي في صمت دون أن يحرك الساكن، وكأنه طبّع رسميا مع الأمر وتقبّل فكرة أن أهل المدن أسبق عليه في كل شيء حتى في الحياة، شاب جُهل كي لا يطالب بحقه في الصحة والتعليم والعمل، شاب يعيش ويلاته بعيدا عن مؤسسات الدولة دون أدنى حركة قد ترعجهم في كراسيهم أو قد تجعلهم ينتبهون لأخطائهم التي يجني ثمارها ساكنة العالم القروي المحروم من أدنى شروط العيش والحياة ضاربين عرض الحائط كل خطابات جلالة الملك لتحقيق بعض المشاريع المهمة لساكنة هذا العالم المقصود تجهيله، وتمريضه، وتبطيله،.... لم يعد هذا الشاب قادرا على تقبل هذه المعاملة ولن يكون بعد اليوم لقمة صائغة في أيادي من هب ودب، ومن درج على سلم السلطة للقيادة والحكم، من عضو المجلس الجماعي الأمي الذي يتاجر احيانا في هموم الساكنة، ولا رئيس المجلس الجماعي الذي لا يهتم إلا لنفسه في أرقى صور الاستغلال السياسي للشباب والنساء، ولا البرلماني الذي يأتي إليه ب"شكارته" ليحقق النصر والانتصار ويستغل الجوع والحاجة والفقر والجهل ليصنع من نفسه بطلا قوميا لحظيا يوزع الاتاوات ويقدم الصدقات ويبرع في مساعدة المحتاج، ولا الوزير الذي يقرر في قانونه التنظيم فتح باب الانتقال من العالم القروي إلى العالم الحاضرة دون مراعاة لمشاعر ساكنة هذا العالم الذي قُصد تهميش وتفقيره وتجهيله، عالم المحكومين عليهم كما جاء في رواية كاتب تونسي راق استطاع أن ينقل معاناة هذه الساكنة بهدوء، عالم تنكر له حتى من ترعرع فيه منتقلا للعمل في المدينة معتبرا نفسه قد ترقى اجتماعيا. نعم إن شباب العالم القروي اليوم يعرف حجم المعاناة ويعرف خصوصية الاختيارت وأهميتها في تدبير معيشه اليومي وهو مجبر على الاختيار بين صاحب المال، وصاحب العقل والأخلاق، فالشباب إما أن يعقد قران السلطة بالمال والجاه فلا يجد نفسه من المعروضين للحفل فتراه يسب من هب ودب، أوتراه يعقد قران السياسة الجميلة بالأخلاق السمحة والعقل الرزين ليجد نفسه حاضرا متأنقا في العرس يرقص ويغني على أنغام همومه ومشاعره التي بالكاد سيتخلص منها ولو جزئيا. نعم يبدو القطع مع تبعية الخاص للعام أمر غير مقبول اليوم خاصة وأن هذا العام يبقى مهيمنا في كل شيء، لكن يمكن الحد من هذه التبعية على الاطلاق والحد من هذه التبعية هي ما يمكن أن نسميه اليوم ربيع الشباب القروي. * أستاذ وباحث في الفلسفة السياسية