تتعدد القراءات في تحديد أصل الجريمة نظرا لتنوع الجرائم منها جرائم نهب المال العام و الفساد و الرشوة و الإغتصاب و القتل و غيرها من الجرائم، سنحاول التطرق إلى الجريمة في وسط المهمشين و المقصيين و المقهورين الذين يتزايد عددهم بسبب المخططات السياسية و الاقتصادية و التنموية الفاشلة، وهي الأسباب التي يحاول المركز و كل الأطراف المتورطة التستر عليها، لأنها كارثية. و من خلال معرفتنا البسيطة بدهاليز صناعة الجريمة بالمدينة والتي لا يمكن لأحد انكارها بفعل سياسات التهميش والاقصاء الممنهجة من طرف المركز، حتى أضحت الساكنة بمختلف اعمارها «تجني الثمار» من الجرحى و ذوي العاهات المستديمة و القتلى و المغتصبين من مختلف الاعمار. سياسات ترمي الى التفقير و التشريد و التجهيل و البطالة و الادمان على المخدرات، عدة اسئلة تطرح نفسها بحدة : من يصنع الجريمة ؟ و من يتحمل المسؤولية؟ ومن هم الضحايا؟ كيف يتم ادخال المخدرات الصلبة للمدينة ؟ هل من مقاربة غير المقاربة الامنية ؟ هذه محاولة لتنوير الرأي العام بلسان الحال لا بلسان المقال، الغاية منها تحديد المسؤوليات و كذا مكامن الداء. ننطلق في البداية من تحديد الفئات العمرية المستهدفة كضحايا من طرف أباطرة المخدرات التي تعتبر الوقود الاساسي لإنتعاش مروجي المخدرات على مآسي هذه الفئات وعائلاتها وكذلك أداة تنفيذ الجريمة. إن الفئة الشابة و القاصرون يحتلون صدارة الإدمان على المخدرات حيث ارتفع عددهم بشكل غير مقبول وغير مألوف، لن نحتاج الى دراسة لرصد عدد المدمنين يكفينا الوقوف ساعة واحدة فقط أمام مكان مروجي المخدرات ليتضح لنا و بالملموس خطورة الظاهرة. سنحاول التطرق للسلسلة التي تتم بها العملية انطلاقا من المنتجين مرورا بالمافيات التي تلعب دور الوساطة في تنقيلها وصولا الى المروجين و ختاما بالمستهلكين أي الضحايا. 1~المنتجون : *على المستوى الدولي : يعتبر المغرب نقطة عبور المخدرات و بصفة خاصة الصلبة منها، حيث تحول الى نقطة ارتكاز في عملية الترويج و الاستهلاك حتى أضحت جهة الشمال قبلة غاسلي الاموال بحكم موقعها الاستراتيجي (نموذج مدينة تطوان و طنجة) وامتدت الى معظم حواضر الشمال كمدينة القصر الكبير. و بالمحاذاة مع جهة الشمال لا تقل الجهة الشرقية حدة وخطرا عن نظيرتها مع اختلاف بسيط في نوع المخدر متمثلا في حبوب الهلوسة "القرقوبي" نموذجا، و المدمنين على مثل هذه المخدرات هم الاكثر خطورة و جنوحا لارتكاب الجريمة. *على المستوى الوطني : استنادا الى المتداول اليومي و الثقافة الشعبية بخصوص القنب الهندي او ما يعرف بالكيف و الحشيش خصوصا بجهة الشمال و بعض انواع الخمور (نموذج المعمل المتواجد بمدينة مكناس) هي صناعة محلية 100/100، و عدد كبير من المتعاطين لمثل هذه المخدرات يعتبرون الاقل جنوحا لارتكاب الجريمة. 2~الوسطاء : يقصد بهم الذين يسهلون عميلة التنقيل، هنا لا مجال للنقاش ان اصابع الاتهام توجه بشكل مباشر الى كبار وصغار رجال الامن و من يدور في فلكهم من سماسرة و رجال اعمال و سياسيين بارزين بحيث يشكلون لوبيات و مافيات منظمة للإغتناء الصاروخي على مآسي الشباب. 3~ المروجون : فهؤلاء المروجين يتاجرون بشكل علني على مدار 24 ساعة في كل احياء المدينة و حتى قرب المدارس العمومية و المقاهي و المنازل المخصصة لهذا الغرض و على قارعة الطريق على اعين المسؤولين المحليين منهم السلطات المحلية و رجال الامن و رجال الدرك و الفاعلين "السياسيين، الحقوقيين، المدنيين، الاعلاميين" و كذلك امام المواطنين، هذه الفئة أي المروجين و إن كانت هي الاخيرة في السلسلة إلا انها الأشد فتكا في المجتمع. 4~المستهلكون : يعتبرون هدف و ضحايا هذه السلسلة خاصة القاصرين و الشباب المعطل، و قولنا انهم ضحايا فذلك راجع الى اعتبارهم اداة التنفيد و الهدف الرئيس من العملية و آدائهم فاتورة السياسات الممنهجة للاقصاء و التهميش وصناعة الجريمة على حساب مستقبلهم و صحتهم و أموالهم و عائلاتهم … ان التطرق لموضوع الجريمة و المخدرات و مدى خطورتهما ليس وليد اللحظة بل هو تراكم نتيجة لسياسات تخريبية، و هنا يتعين القول و التصريح ان صنع الجريمة و الترويج للمخدرات ليس سهو او خطأ، بل يتعدى ذلك بشكل ممنهج و منظم يرمي الى استهداف الشباب و فئة القاصرين. وتجدر الاشارة هنا انه تم الاعلان و بشكل رسمي عن فشل كل السياسات العمومية من خلال "النموذج التنموي" في ايجاد فرص شغل حقيقية تليق بالشباب وضعف قطاعي التعليم و الصحة، محاولين البحث عن الحلقة المفقودة في كيفية صناعة الجريمة و تسليط الضوء على المطالب العادلة و المشروعة للساكنة كإجابة لمن يطالبون فقط بالأمن كمقاربة أثبتت فشلها تاريخيا. طالما صدح شباب المدينة بأعلى صوتهم خلال عدد من المحطات النضالية بشعارات لرفع التهميش و الاقصاء عن المدينة في مذكرة مطلبية وزعت في الشوارع و المقاهي و المحلات التجارية و الاسواق و غيرها من الساحات العمومية كما انها نشرت في المواقع الالكترونية وكانت الاجابة الوحيدة هي سياسة القمع و الترهيب و إهراق دماء المناضلين الاحرار في الشارع العام من طرف الاجهزة القميعة لا لشيء فقط لانهم طالبوا بمطالب عادلة ومشروعة، هنا سأذكر الجميع بالاحد الاسود بتاريخ 09/07/2017 لم تكن الرسالة موجهة الى المناضلين فقط بل كانت موجهة لسكان مدينة القصر الكبير عامة اي ان القمع هو الاجابة الوحيدة لكل المطالب العادلة و المشروعة. و بالرجوع الى اهم دوافع الجريمة وارتباطا بالملف المطلبي المتمثل في أربعة محاور رئيسة تم تفصيلها في المذكرية المطلبية : 1-على المستوى الصحي : الوضع يوصف بالكارثي و الواقع يشهد، فعدد كبير من المواطنين المرضى و الوافدين على المستشفى المحلي يتم تحويلهم الى المستشفى الاقليمي بالعرائش و هو بدوره يحيلهم الى المستشفى الجهوي بطنجة و هذا الاخير يقوم بنفس العملية بتحويل جميع المرضى الى مستشفى السويسي بالرباط وبين الطرقات و سيارة الاسعاف تزداد المعاناة لكثرة المصاريف من جهة و من جهة أخرى تسجيل حالات عديدة للوفاة لنفس السبب، وهنا لا داعي للحديث عن عدد الاسرة و الاطر الطبية و المعدات الشيء الذي يساهم في ارتفاع نسبة السخط لدى المرضى و عائلاتهم. 2-على مستوى التعليم : لعل الجميع اصبح يعلم واقع التعليم العمومي الى اي درجة وصل، وذلك يحيلنا الى النقاش الحقيقي و المسكوت عنه من طرف المؤسسات الرسمية بالمركز، و نخص بالذكر ضرب مجانية التعليم وتكديس التلاميذ في حجرات يصل عددهم الى 60 تلميذا في القسم الواحد و تحت اشراف اطار تربوي واحد، وتخريب و اغلاق مجموعة من المدارس العمومية في افق بسط السيطرة على الشعب عامة وذلك بتجهيله و إرهاق كاهل أولياء أمور التلاميذ اقتصاديا مما يعرض الاطفال للإهدار المدرسي، الشيء الذي يجعل التلميذ مطية للشوارع أو أداة لإعالة أسرته ماديا بين الاسواق و الحرف و المهن و الصناعات. أليس هذا سبب من اسباب صنع الجريمة ؟ 3-على مستوى الشغل : بعيدا عن لغة الارقام الرسمية المعلن عنها في الاحصاء الاخير لسنة 2014 الذي نعلم جيدا كيف كانت ظروف العملية التي تم بها، نجد ان المدينة يفوق تعدادها "مائتا الف" نسمة دون احتساب الضواحي، بهذا تدخل المدينة في طلائع المدن من حيث الكثافة السكانية كيف ذلك؟ عملية حسابية بسيطة تبرز لنا هذا المؤشر قسمة عدد السكان على المساحة الإجمالية لمدينة القصر الكبير 200000/25=8000 نسمة في كلم مربع. وبالرجوع الى عدد الشباب المعطل و بالاعتماد على لغة الواقع نجد عددا كبيرا من الشباب المعطل سواء من اصحاب الشواهد او السواعد "يعني لي قاري و لي مقاريش" قد بلغوا أرقاما إستثنائية لها مؤشرات قد تنعكس سلبا عليهم، وبالمقابل نجد المسؤولين على المستوى المحلي لم يقدموا إجابة حقيقية للمعطلين. وفي ظل غياب تنزيل مشاريع حقيقية طالما نادى بها الشباب ورفعوا شعارات من قبيل "بغيت نخدم باش نعيش منسرق من نبيع حشيش" … وغيرها من الشعارات إلا ان واقع الحال يبقى على ما هو عليه. أليس هذا سبب من اسباب صناعة الجريمة؟ 4-البنية التحتية : تتجلى في غياب شبه تام لمجموعة من المرافق الحيوية التي تعد الركائز الاساسية لاي تنمية على غرار : -غياب المركبات السوسيو ثقافية. -غياب مكتبات الاحياء. -غياب ملاعب القرب. -غياب فضاءات الترفيه. -غياب المناطق الخضراء. -غياب مؤسسات علاج الادمان. -غياب مؤسسات إعادة إدماج و تأهيل السجناء. و في ظل غياب هذه المرافق و غيرها ذات البعد الاجتماعي و الثقافي و التضامني، ستبقى صناعة الجريمة قائمة لا محالة. وتبقى البنية التحتية لب الصراع و جوهره، فعلى أساسها تستخرج الثروات وعليها تصنع السياسات و المواقف و البرامج و النظم و أن إغفال عنصر من عناصر المجتمع أو إقصائه أو تهميشه يؤدي لا محالة إلى صناعة الجريمة، و أن السبيل إلى تحقيق التنمية رهين بتوفر العدالة الإجتماعية و العيش الكريم و الحرية. ويبقى السؤال الجوهري المطروح على جميع القوى الحية ( سياسيا مدنيا حقوقيا واعلاميا ) وعلى المواطنين الأحرار والغيورين على المدينة وساكنتها حول مجموعة من القضايا التي تشغل الرأي العام المحلي على جميع المستويات : إلى متى ستظل هذه المدينة العريقة تعاني في صمت من الإقصاء و التهميش الممنهجين من طرف المركز؟