رغم بؤس الفكر السياسي، لا لدى الأحزاب سليلة الحركة الوطنية ولا لدى تلك التي تحايلت واستغلت المشترك من العقيدة وشيء من سذاجة الناخب ، لا أحد يجادل في أن حزب العدالة والتنمية فيه بعض من النزهاء وذوي السمت الحسن ما يشهد به القريب و البعيد، لكن عيبهم الوحيد هو انتماؤهم ودفاعهم الجنوني عن التنظيم ، ومصادقتهم التلقائية وغير المشروطة على مشاريعه التقشفية في حق عموم الشعب . الآن ، وبعد أن أصبح الكل يعي ويحس بوطأة التدبير السياسي وعبء الخيارات الإقتصادية للحزب ، بمن فيهم أعضاء التنظيم نفسه ، صار لزاما تحديد المسؤوليات ودرجات الإنخراط فيها ، بعد أن انكشفت عوارات التدبير المبني فقط على صلاح النية وليس هدى من الدراسات التوقعية والتمحيص العلمي ، وذلك على مستويات عدة. أول هذه المستويات يتعلق بالإنتماء للحزب وتحديدا بروفايلات المنتمين ، تلك التي ترجح الخلفية الدينية وتروج لحزب سياسي ذي خلفية إسلامية ، لكن هذا التحديد لا يخلو من مخاطرة حينما يلجأ خبراء وحكماء الحزب إلى إلى مجاراة الأحزاب المتمرسة انتخابيا والتي لها باع طويل في شراء الذمم والعبث بالخرائط الإنتخابية ، وتتنافس معها في تزكية أصحاب المال والنفوذ الإجتماعي، فتحدث كوارث، من قبيل تلك التي سجلها المغاربة بمرارة عندما تناهى إلى سمعهم أن برلمانيا " قد الدنيا " كما يقول المصريون ، ضبط غشاشا في امتحان الباكالوريا. ولأن الغش هو واحد من الموبقات التي يجدر بالحزب ذي المرجعية الإسلامية أن يتحاشاه، أو بالأحرى أن لا يزكي من يتخذه سبيلا لنيل المراد، فقد كان لزاما ضرب ألف حساب وحساب لتفادي التورط في هذا المطب وسائر المطبات المغرية بالنصر،لكن العمى الأخلاقي والإصطفاف الإيديولوجي من شأنهما أن يلبسا الحرام حلالا ويصيرا التحايل حنكة ومهارة. ليس هذا المعطى الجاهز في ذهني الآن هو الوحيد ، هنالك سقطات أخلاقية وسمت مسار هذا الحزب وتمت مواراتها خلف أسيجة التأويل وتفسيرات إبراء الذمة. وثاني هذه المستويات يمكن أن نتحسس ملامحه بوضوح في التوجه الذي تترجمه السياسة العامة التي ينهجها الحزب وفي التزاماته تجاه الكتلة الناخبة وعموم الشعب. ذلك أن هذا الحزب قد بنى مشروعيته على عجز وفشل مزمنين تواترته الهيئات السياسية في حكومات ما بعد الإستقلال ، فكان أن اتجه المغاربة أو على الأقل القابلون منهم للتعبئة إلى "تجريب" حزب يعتمد المرجعية الإسلامية الضامنة للإلتزام وحسن التدبير، فاندفع إلى واجهة الممارسة السياسية. ولن نخفي سرا إن قلنا أن أعضاؤه كانوا نسيا منسيا منزوين في أركان الجمعيات والزوايا ولا علاقة لهم بالنضال المتعارف عليه ، إلا أن نباهة بعضهم جعلتهم يفكرون في إفراغ الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية من مضمونها السياسي السابق عند الدكتور الخطيب وتعبئتها بعناصر حركة التوحيد و الإصلاح . وفي الوقت الذي كان فيه المغاربة ينتظرون فرجا ينتشلهم من البؤس الموروث وينعش طبقاتهم الإجتماعية ، جاءت النتائج عكس التوقعات، مزيدا من التفقير،مزيدا من التهميش للطاقات ومزيدا من ضبابية الأفق . خاب ظن المواطنين إذن ،خاصة منهم من خرجوا في 20 فبراير، المحطة التي استغلها التنظيم شر استغلال، بعد ركوبه عليها دون أن يؤدي ثمن الرحلة. أما ثالث المستويات فهو بدون شك تعلق الحزب بمبادئ التدبير الليبرالي حتى المتوحشة منها، وما اصلاح صندوق المقاصة وسن قانوني التقاعد والتعاقد إلا مقدمتين صارختين لهذا التوجه ، ليس هذا وحده، بل المثير للامتعاض هو المزايدة بالولاء للمؤسسة الملكية التي هي موضوع توافق المغاربة قاطبة ، علما أن الذي يصر على الولاء ويبالغ في ترديد آياته لا بد وأنه يتقي من خلال صنيعه تبعات شطط محتمل. تلكم بعض إشارات ، لم نتأكد بعد هل هي دالة على ذبول حزب أم على أفول نجمه . لكن من المؤكد أن غيرها كثير، متضمن في تلافيف التدبير اليومي . بقي عليه أن يحافظ على ضمان بقاءه على قيد الحياة عبر تحالفات تنعش راهنيته ،لمنها لن تحيي أمله في النهوض من جديد ،لان الشعب له ذاكرة قوية غير قابلة للصدأ ، وما قبول وضع يده في يد حزب الأصالة والمعاصرة إلا محاولة يائسة لفعل سيئ ما غير انتظار النهاية ، لأن الأمر ينكبق عليه مثل " استنجد غريق بمن هو ليس أحسن منه إجادة لفن العوم في بحر السياسة المائج.