تم الإعلان عن قيام اتحاد المغرب العربي في 17 فبراير 1989 بمدينة مراكش، و حينها إلتأم شمل قادة خمس دول هي: المغرب ،الجزائر ،تونس، ليبيا و موريتانيا. فظهر الأمل قويا في توطيد معاهدة السياسة المشتركة التي تهدف إلى تحقيق أمال الشعوب المغاربية ، و تحقيق الوفاق بين الدول الأعضاء و إقامة تعاون دبلوماسي وثيق بينها يقوم على أساس الحوار و صيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء. و بعد مرور 28 سنة، و في خطاب ألقاه خلال قمة الاتحاد الإفريقي بتاريخ 31 يناير 2017، أكد الملك محمد السادس على أن شعلة إتحاد المغرب العربي قد انطفأت ، و أن الحلم المغاربي يتعرض للخيانة. بل أنه إذا لم تتحرك البلدان المغاربية أخذة العبرة من التجمعات الإفريقية المجاورة، فان الاتحاد المغاربي سيَنْحَل بسبب عجزه المزمن على الاستجابة للطموحات التي حددتها معاهدة مراكش التأسيسية، و ذلك نتيجة لغياب الإيمان بالمصير المشترك. و اليوم، ها قد رسَّخَت معطيات الأزمة الليبية رَجَاحَةَ التحذيرات التي أشار إليها الملك محمد السادس. فالإقتِتال الداخلي و التدخل الأجنبي قد إجْتاحا ليبيا و باتت نوازلُهما قريبة على حدود دولتين مغاربيتين و هما الجزائر و تونس. بينما لم يستطع إتحاد المغرب العربي الوقوف بتضامن حاسم و فعالية حازمة أمام انتهاك دول عديدة لسيادة ليبيا و تدَخُّلها العسكري في شؤونها الداخلية، بل و سَعيِها لتقسيم الدولة الموحّدَة إلى ليبيا شرقية و ليبيا غربية. كل ما سبقَ يتمدَّد في ظل تضارب الرؤى و غياب التنسيق المغاربي إزاء الوضع في ليبيا، على الرغم من أن المعاهدة التي تجمع دول الاتحاد المغاربي تنصّ بصيغة صريحة على صيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء، و أي اعتداء على دولة من الدول الأعضاء يعتبر إعتداء على كل أعضاء الاتحاد.. إن وحدة المصير المشترك الذي يشدُّ الروابط بين شعوب بلدان المغرب الكبير ، كانت تفرض تفعيل الحد الأدنى الضروري من معاهدة اتحاد المغرب العربي بشكل يدفع إلى تبني مبادرة مغاربية موحدة تعمل على معالجة الأزمة الليبية باعتبارها تهديدا للإستقرار و الأمن المغاربي المُشْترك. غير أن مجريات الأحداث أثبتت عدم تمكن مكونات الإندماج المغاربي من تجاوز العوائق الراهنة، و المرتبطة أساسا بتبعات القرار السياسي للنظام الجزائري الذي تسبب في إفشال تفعيل الخطوات الوحدوية الضرورية بين الدول المغاربية الخمس، و في عرقلة تدشين حقبة التعاون المكين بين الدول المغاربية. و في ظل ما تشهده منطقة شمال افريقيا من تحولات عميقة، و مع تزايد بوادر الحرب الإقليمية التي سترخي بتبعاتها الهدامة على الوحدة الترابية للعديد من البلدان و على سلامة أراضيها و شعوبها. فإن دول اتحاد المغرب العربي باتت مطالبة بتحيين منظومة عملها و مراجعة أخطائها و لمْلَمَة تَمزُّقاتها و تدوير عجلة التعاون المغاربي، قصد التدخل المستعجل لتحويط الأزمة الليبية و درء خطر الحرب الدموية و تمدداتها المُحتَملة. علما أن الوقائع المستجدة تنذر بمزيدٍ من الخطب الجلل في ظل توغل قوى إقليمية و دولية داخل المجال السيادي الليبي ، مما قد يسرع عملية تآكل المنظومة المغاربية و تفكك أواصر الوحدة الجغرافية و السكانية لشعوب المغرب الكبير، ذات التاريخ المشترك و المصير الواحد. و في ذات السياق و الظروف، يأبى النظام الجزائري التنسيقَ المغاربي المشترك و يمنع تقديم موقف مغاربي موحد من الأزمة الليبية. حيث أنه يرفض الفسح في المجال و إعطاء الفرصة للمبادرة المغربية الداعية إلى تشكيل فريق عربي مصغر و إغناء و تجويد اتفاق الصخيرات، بهدف لم شمل الأطراف الليبية و حقن دماء الليبيين و تأمين سلامة و وحدة الأراضي الليبية من كل أشكال التدخل الخارجي. هكذا إذن ؛ يُعيق النظام الجزائري تفعيل المبادرة المغربية الحاسمة بسبب انعكاسات مرضية لِعُقَد نفسية تلتَهِب خوفًا مما يعتبره دَهاقِنة هذا النظام المُتقادم خطرَ حيازة المغرب للزعامة المغاربية. و هي نفس العقدة التاريخية التي شكلَّت سوسة تنْخرُ اتحاد المغرب العربي و تمنع تطويره عبر التحول إلى اتحاد المغرب الكبير المتضامن ضد العدوان الذي يستبيح حرمات الفضاء المغاربي في ليبيا الجريحة. و هكذا تحَجَّر النظام الجزائري وفيًّا لعاداته السيئة، حيث عاش مُصِرًّا على تعطيل معاهدة إتحاد المغرب العربي من خلال رعايته لمخطط تقسيم المغرب، بشكل يفضح دبلوماسيّة المراء المُغلَّف بخطاب التآخي و حسن الجوار و الوفاء للروابط التاريخية، و إدعاء نهج السلام في العلاقة مع المملكة المغربية. و في الحقيقة الغالبة عليه يتعامل النظام الجزائري مع المغرب بصفة "العدو المحتل" و يواجهه باحتضان مخطط التقسيم الملعون ، و تنظيم مناورات الذخيرة الحية على الحدود المتاخمة لأراضيه. و ما يثير الريبة و الإستغراب ، أن هذه الأفعال تَتِّم بالتناغم مع مخطط دولي مشبوه يريد تفتيت دول شمال افريقيا. و منه أمضي للتأكيد على أن الوضع المُختَنق بليبيا يؤشر على دق المسمار الأخير في نعش اتحاد المغرب العربي الذي وُضِعَت أَلْواحُه منذ إعلانه التأسيسي. و أمام هذا المعطى المغاربي المقلق أجدني منافحا عن فضيلة السلوك الديبلوماسي المغربي الرصين الذي ما انفكَّ مادًّا يدَهُ باسِطًا كَفَّها للحوار البناء، مُتمسكا -رغم كل العجز الحاصل- بالحلم المغاربي الذي يجسد خيارا استراتيجيا و مشروعا تاريخيا لبلدان المنطقة و شعوبها. و ذلك بما يتيحه من قوة إندماجية متينة تستطيع مواجهة التحديات الإستراتيجية و العسكرية المطروحة، و تدفع بالشعوب المغاربية نحو التكامل الإقتصادي و التنمية و التقدم ،و توطيد مكارم التضامن بينها. و لأن كل تهديد يحمل بين طيَّاتِه فرصة للخلاص المشترك، فإن الشعوب المغاربية مطالبة بفعل جماعي يمكنها من إيقاد الشعلة المُطْفأَة. إذْ -و قبل تمام إنحلال إتحاد المغرب العربي و تحَلُّلِ مَوادِّ معاهداته- لا بد لنا جميعا من الوعي العقلاني بجدوى إيقاظِ و تحفيز الفعل المغاربي المشترك من أجل صيانة وحدة ليبيا و سلامة شعبها و حماية المنطقة برمتها. بعيدا عن نعرة الحزازت الشخصية و الحسابات الضيقة التي تهدد مستقبل أجيال صاعدة تتطلع إلى غد أفضل. و الله متِمُّ نورِه و لو كرِهَ النظام الجزائري!.