يحيي الليبيون الذكرى الخامسة لثورة 17 فبراير وسط مخاوف مما آلت اليه بلادهم من انقسام سياسي حاد ومن اقتتال واحتراب على أسس جهوية وقبلية. هذه الفوضى الأمنية سمحت للتنظيمات الارهابية بالتمدد في كبرى المدن الليبية وهو ما بات يهدد الامن الاقليمي والدولي.. وأمام هذه التهديدات سارعت الدول الاوروبية والولاياتالمتحدةالأمريكية الى الضغط على الفرقاء في ليبيا من أجل التوصل لاتفاق ينهي الصراع من أجل بناء الدولة الحديثة المدنية التي انتفض من أجلها الليبيون بعد نحو اربعين سنة من الحكم الجائر على يد نظام القذافي البائد.. الذكرى الخامسة للثورة الليبية تتزامن أيضا مع الذكرى السابعة والعشرون لقيام اتحاد المغرب العربي بين خمس دول هي المغرب وتونسوالجزائر وليبيا وموريتانيا في ما يعرف بمعاهدة مراكش في 17 فبراير 1989لكن الذاكرة الجماعية المغاربية والعربية لم تحفظ هذا التاريخ ولا يعني لها الكثير لان هذا الاتحاد لم يحقق شيئا يذكر منذ تأسيسه منذ زهاء ثلاثة عقود. ففي ظل التحالفات الدولية والاقليمية في الميادين الاقتصادية والسياسية وحتى الأمنية لا تزال الدول المغاربية تنشد هذا النوع من الاندماج سعيا لتحقيق ما تصبو اليه شعوبها منذ ردح من الزمن، لكن قطار الوحدة أصيب بالشلل قبل أن يبدأ مسيرة الالف ميل. وبعد مجئ الثورات العربية التي أزاحت أنظمة استبدادية خصوصا في ليبيا وتونس استبشرنا خيرا بعدما أتت هذه الثورات بقادة يؤمنون بفكرة الاتحاد أمثال -الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي ورئيس الحكومة المغربية عبد الاله بن كيران - وتعهدوا بترك الملفات الخلافية جانبا من أجل العمل على ضخ دماء جديدة في الاتحاد عبر تقريب وجهات النظر بين الدول التي تشهد فتورا في علاقاتها وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بينها. لكن سرعان ما تبخرت هذه المنى بسبب تفجر خلافات قديمة جديدة خصوصا بين المغرب والجزائر حول الصحراء وعدم قدرتهما على تحييد هذا الملف الشائك بطريقة ايجابية ، إضافة إلى الموقف العدائي لحكام ليبيا الجدد من الجزائر بسبب موقفها من الثورة الليبية ومن نظام القذافي. التعاون والإندماج مغاربيا أصبح ضرورة لا مفر منها حتى وإن كانت في أدنى تجلياتها بسبب عدم و جود بديل آخر عربيا وإقليميا. الملفات المغاربية مثلا مغيبة في الجامعة العربية أو حين يتم التعاطي معها فتكون أحيانا بسلبية وأحيانا أخرى تستجيب للحسابات الإيديولوجية أو حتى المذهبية. منذ الانقلاب العسكري في مصر، وبدل ان تلعب الجامعة العربية دور الوسيط في بعض الملفات المغاربية قامت -بعض الدول المتنفذة- فيها بمساندة طرف على حساب طرف آخر. عملت مصر "السيسي" مدعومة من طرف الامارات على تأجيج الصراع في ليبيا بشن غارات جوية داخل أراضيها، كما قامت بمساندة وتسليح الجنرال حفتر. كما حاولت أيضا بعض دول الخليج ايجاد موطئ قدم لها في تونس من أجل لعب دور سياسي لكنها لم تنجح نتيجة نضج النخب السياسية التونسية رغم الاغراءات المالية الكبيرة وتحريضها ضد بعض القوى السياسية كحركة النهضة. كما شن أحد المسئولين الاماراتيين هجوما عنيفا على حزب العدالة والتنمية الحاكم في المغرب بل ذهب إلى حد التنبؤ بقرب سقوط حكومة بن كيران ...هذه التصريحات وغيرها تدخل في إطار استعداء دول الخليج- باستثناء قطر وسلطنة عمان - للربيع العربي والتيارات الاسلامية خصوصا محاربتها لجماعة الاخوان المسلمين داخل وخارج حدودها. يمكن حل مجموعة من المشاكل المغاربية في إطار الاتحاد لو توفرت الارادة السياسية دون الرجوع الى الاطراف الخارجية التي يمكنها أن تغلب مصالحها قبل أي شيء وبالتالي لا يهمها ايجاد حل للنزاع بل قد تستفيد هذه القوى الأجنبية من استدامة الصراع لصالحها. فلو كان الاتحاد يلعب الدور المنوط به لما احتاجت الاطراف الليبية للمبعوث الأممي السابق برناردينو ليون الذي انكشف أمره وكان يدعم حكومة عبد الله الثني في شرق البلاد المدعومة ماليا وعسكريا من طرف مصر والإمارات العربية وكان يأتمر بأوامر اماراتية وبالتالي عمل على تعميق الصراع بدل رأب الصدع بين الفرقاء ، ولم يقف على مسافة واحدة بينهم وهو ما أدى إلى فشله في مهمته وزاد من حدة الفرقة والاقتتال . ماذا لو كان المبعوث الدولي تحت اقتراح اتحاد المغرب العربي ؟ ماذا لو كان المبعوث مغاربيا وفي إطار الاخوة المغاربية دون اللجوء لتدويل الملف الليبي؟ ... كانت ستكون تجربة أولى لبعث الروح في جسم الإتحاد حتى وإن كتبت لهذه التجربة الفشل !. تواجه كل الدول المغاربية من دون استثناء تحديات أمنية كبيرة من طرف التنظيمات الإرهابية التي تنشط بشكل مقلق داخل أراضيها وفي دول الساحل والصحراء وبالتالي أصبح التدخل العسكري الدولي وشيكا وبات يعرض منطقة المغرب العربي كلها لمخاطر جمة. ورغم التحذيرات والتلويح الغربي بالتدخل العسكري في ليبيا إلا أن الدول المغاربية لم تعلن حتى على مستوى وزراء الداخلية أوالدفاععقد اجتماع طارئ لبحث تداعيات التمدد الارهابي في ليبيا مع العلم أن دولا كتونس والمغرب وموريتانيا تشارك في تحالفات اقليمية ودولية لمحاربة داعش في سوربا والعراق ؟ أليس تمدد داعش في ليبيا أقرب من حدود تونس والمغرب وموريتانيا وبالتالي يشكل خطرا محدقا لها؟وتبقى الجزائر الدولة المغاربية الوحيدة التي رفضت المشاركة في أي تحالف دولي رغم أن جيشها يعتبر من أكبر وأقوى الجيوش العربية عتادا وعددا, كما رفضت صراحة أي تدخل عسكري في ليبيا. ماذا لو كانت هذه المواقف تتخذ بشكل موحد مغاربيا؟ كان سيكون لها صدى أكبر على الساحة الدولية بل حتى على المستوى الاقليمي والعربي على وجه الخصوص. لماذا تسارع كل دولة مغاربية من أجل التنسيق الامني مع الدول الغربية ولاتفعل نفس الشيء وبالشكل المطلوب فيما بينها، مما كان سيجنبها عددا من الهجمات الدامية ؟ كيف تتعامل الدول المغاربية مع خطر داعش في ليبيا الذي أصبح يستقطب متطرفين من كل دول المغرب العربي؟ أليس من الضروري الإسراع في مساعدة ليبيا استخباراتيا وأمنيا من أجل صد تمدد التنظيمات الارهابية ؟. ماذا لو توفرت الإرادة السياسية وقامت الدول المغاربية بإنشاء قوات مشتركة لبسط الأمن في حال احتاجت إحدى هذه الدول للدعم العسكري كما هو الشأن بالنسبة لدول الاتحاد الإفريقي التي تجنبت تدويل عدد من الملفات عبر الوساطة الإفريقية - الإفريقية وتوفير قوات محلية لبسط الأمن استجابة لطلب بعض الدول الأعضاء كما هو الحال في الصومال وبوروندي. لا يمكن الحديث عن الجمود الذي يعيشه اتحاد المغرب العربي سياسيا دون التطرق ولو بشكل وجيز للضريبة الباهظة الثمن التي يكلفها اقتصاديا بالنسبة لشعوبها. التقارير الدولية تشير إلى أن الدول المغاربية تخسر مليارات الدولارات سنويا بسبب ضعف التبادل التجاري فيما بينها وغياب سوق مغاربية مشتركة ، وانسداد الافق السياسي لتفعيل آليات الاتحاد التي تمكنه من الرفع من حجم المبادلات التجارية وغياب حرية تنقل الرساميل والأشخاص، لهذا ارتأت بعض الدول إلى عقد شراكات أحادية الجانب مع الاتحاد الأوروبي و الولاياتالمتحدة وهو ما لم يمكنها من تحقيق نهضة اقتصادية لعدم اندماجها داخل منظومة أو تكتل يسمح له بتحقيق التنافسية في اقتصاد معولم لا يؤمن إلا بالتحالفات والتكتلات. تبقى العلاقات المتوترة بين المغرب والجزائر على وجه الخصوص العقبة الكأداء أمام قيام اتحاد مغاربي وما لم يتم تحييد ملف الصحراء والشروع في فتح الحدود بين البلدين فإن هذا الاتحاد يبقى مجرد مشروع ومولود هجين راود شعوب المنطقة لعقود ولم تكتب له الحياة لانه ولد أصلا ميتا . ولا شك أن الهاجس الامني والتهديدات الارهابية المحدقة بالمنطقة المغاربية ككل، تعتبر من أبرز العوامل في الظرفية الحالية التي يمكنها أن تعمل على تحقيق نوع من التقارب النسبي وتنسيق الجهود فيما بين هذه الدول لحماية حدودها. كما أن أي تدخل عسكري في ليبيا قد تطال نتائجه دول الجوار خصوصا تونسوالجزائر عبر تدفق آلاف النازحين خوفا وفرارا من الموت مما قد يجبر الدول المغاربية على تقاسم أعباء هذه الأزمة الانسانية ومساعدة الحكومة الليبية الجديدة المنبثقة عن اتفاق الصخيرات على بسط الأمن والقضاء على التنظيمات الارهابية. كما أن ليبيا إذا توفرت لها شروط الاستقرار السياسي والأمني يمكنها أن تكون سوقا كبيرة لاستيعاب الاف الشباب من العمالة المغاربية عوض تفكيرها في ركوب البحر لخوض تجارب الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.