حلت الذكرى السادسة لوفاة أحد أعلام النضال والتحرر والاستشراف المستقبلي الدكتور المهدي المنجرة الذي وافته المنية في 13 يونيو 2014، حيث خسر المغاربة والعالم أحد رموز الضمير الإنساني في العالم، سواء من خلال دوره المتعدد الأبعاد في عدد من القضايات النبيلة أو توقعاته التي ما فتئت تكشف صوابيتها مع مرور السنوات والعقود، وكذلك رؤيته فيما يخص الدعوة إلى التواصل الثقافي والحضاري بين الشعوب والحضارات بدل الصدام ومقاومته للاستعمار الجديد والميغا إمبريالية وهيمنة الحضارة اليهودية المسيحية على العالم. دور المنجرة كنخبة مثقفة لم تقف عند التشخيص أو دق طبول الماضي والغوص في آلامها، وإنما حاول تدقيق الوضع الحالي لبلده المغرب وإمكانياته وانتقد الوضع القائم في شقيه الديمقراطي والتنموي ورسم خريطة لنهوض المغرب اقتصاديا واجتماعيا وديمقراطيا، ويمكن أن نلمس ذلك جليا من خلال عدد من كتاباته ولقاءاته الإعلامية وإن كانت محدودة وكذا محاضراته التي جابت أركان الجامعات المغربية.. لقد آمن المنجرة بدور الشباب في التغيير واعتبرهم الحل المفصلي في تغيير الوضع القائم للأفضل لمغرب المستقبل وتحقيق سيادته الكاملة وفك ارتباطه بخيوط اللوبيات الصهيونية والفرنكفونية المتحكمة في جزء كبير من قرار المغرب . ولا ننسى أن المنجرة ساهم بشكل كبير في رسم خطوط النهضة الاقتصادية لعدد من الدول الأوربية سواء من خلال ترأسه للاتحاد الدولي للدراسات المستقبلية أو نادي روما للتفكير وكان بالمناسبة أصغر عضو سنا بالإضافة لعدد من الهيئات والمؤسسات الدولية، ومساهمته الكبيرة والمهمة في النهضة اليابانية والذي يعد من أعمدتها وروادها عند اليابانيين. في ظل كل هذا وغيره فقد ترك الراحل إرثا فكريا ونضاليا مهمّا، ينبغي في مقابله إحياءه عبر تجميعه وتدقيقه من جهة وتوريثه للأجيال المستقبلية من جهة أخرى ، أو عبر الاستمرار في هذه الدينامية ووضع اللبنات الأساسية من أجل تكوين وتأطير الشباب لإفراز كفاءات تسعى لتحقيق نموذج حي لما كان يصبو إليه المنجرة، ولعل ذلك ما يصبو إليه أيضا الأحرار في المغرب والعالم عبر نموذج ديمقراطي وتنموي ذو سيادة ذاتية وفتح حوار وتواصل بين الثقافات والحضارات بدل الصدام والحروب والفساد والدمار.. حملة معا من أجل تكريم المهدي المنجرة في أواخر سنة 2013 أطلق مجموعة من النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي وعدد من الطلاب والباحثين والأساتذة الجامعيين من بينهم الدكتور عبد الحميد بناني أحد رفاق الراحل المهدي المنجرة حملة إلكترونية واسعة تدعو إلى تكريم الدكتور المهدي المنجرة وفك الحظر والمنع وإزالة التهميش الذي يطاله بسبب مواقفه الوطنية، وذلك بعد دخوله في حالة صحية جد حرجة، وعرفت الحملة تأسيس تنسيقات في عدد من ربوع المملكة وحتى خارج المغرب لتجسيد هذه الدعوة، توجت بعدد من اللقاءات كان أولها لقاء بأحد مقاهي الرباط آنذاك جمع أربعة أسماء آنذاك لدراسة السبل الكفيلة بتفعيل هذا التكريم من بينهم منسق اللجنة التنظيمية للحملة آنذاك ورئيس مؤسسة المهدي المنجرة للفكر والإبداع حاليا الدكتور عبد الحميد بناني وعبد ربه. في 10 مارس 2014 عبر الدكتور سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية حاليا عن دعمه لحملة التكريم وكتب عبر حسابه الرسمي فايسبوك " حملة "مَعاً من أجل تكريم الدّكتور المهدي المنجرة بالمغرب" مبادرة يشكر عليها الذين أطلقوها، لأن الرجل أسدى خدمات جلى لبلده وكان صوتا متميزا في الدعوة للإصلاح ومواجهة التبعية والاستبداد"، الحملة أيضا عرفت دعم عدد من النخب الفكرية والسياسية والمدنية في المغرب وخارجه. في 12 مارس 2014 وبعد سلسلة من النقاشات والمقترحات المفتوحة في مجموعة تجمع بالفايسبوك تحمل اسم "معا من أجل تكريم المهدي المنجرةé تم عقد لقاء تشاوري بنادي الصحافة حول اللجنة التنظيمية للتكريم، انبثقت عنها لجنة تحضيرية خاصة بالتكريم ودعت إلى اعتبار يوم 13 مارس يوما عالميا لتكريم المهدي المنجرة، وهو نفس اليوم الذي يوافق ذكرى ولادته، بالإضافة إلى دعوة رجل التعليم إلى تخصيص وقت من الحصص الدراسية للتعريف بشخصية المهدي المنجرة، ودعوة النخب المثقفة إلى كتاب مقالات خاصة بفكر المنجرة، والفعاليات المدنية إلى أنشطة ثقافية خاصة بهذه المناسبة وتكثيف حضور المناسبة في فضاءات التواصل الاجتماعي، وهو ما لقي تفاعلا كبيرا آنذاك. ولا يفوتني التذكير بدور بعض أعضاء نقابة المحامين بالرباط وكذلك القيادي اليساري آنذاك المرحوم أحمد الزايدي؛ والذي يعد من أبرز من دعم هذه الحملة منذ بدايتها رغم أنه آثر عدم الظهور في الواجهة، وذلك بتوفيرهم الفضاءات لعقد اللقاءات الأولية التشاورية سواء بمقر نادي المحامين أو نادي الصحافة. في 26 مارس 2014 ثم الاجتماع الثاني للجنة التحضيرية للحملة بنادي المحامين بالرباط، تمت فيه مناقشة الأرضية العامة لمشروع التكريم وإطلاق صفحة خاصة على "فايسبوك" بالحملة والتي تحولت فيما بعد إلى الصفحة الرسمية لمؤسسة المهدي المنجرة للفكر والإبداع، ثم دعوة إلى إنتاج وثائقي تعريفي بمسار وفكر الدكتور المهدي المنجرة، وهو ما توج فيما بعد بإنتاج وثائقي بقناة الجزيرة وعدد من الوثائقيات والجنريكات التعريفية التي تلت ذلك، ثم توجيه رسائل شكر وتنويه لمختلف النخب الذين أشادوا بالحملة منذ البداية ومن قاموا بدعم هذه القضية النبيلة0 في 13 يونيو 2014 رحل الدكتور المهدي المنجرة بعد صراع ومعاناة مع المرض في وضع حرج مما ترك صدمة وسط محبيه خصوصا وأنهم دعوا إلى تكريمه ورد الاعتبار له، وفي 19 يونيو 2014 تم عقد لقاء تشاوري تمت قراءة الفاتحة على وفاته وخلص اللقاء إلى السعي لتأسيس مؤسسة تعنى بفكر المنجرة ومشاريعه أطلق عليها إسم مؤسسة المهدي المنجرة للفكر والإبداع وتم مناقشة الإطار القانوني وأهداف المؤسسة ورؤيتها. في 7 أكتوبر 2014 تم الإعلان عن مبادرة تأسيس مؤسسة المهدي المنجرة للفكر الحر في فلسطين والأردن وضم مكتبها التنفيذي عددا من المحامين ورجال القانون. وتواصلت عملية إنضاج فكرة تأسيس المؤسسة التي تعنى بفكر المنجرة طيلة هذه السنوات والانخراط الفاعل في عدد من المبادرات ووضع مقترحات وصياغة عدد من المعالم التي ممكن أن تكون مشروعا مستقبليا لفكر المنجرة. وفي شتنبر 2017 تم تكريم الراحل المهدي المنجرة خلال فعاليات الملتقى الخامس للثقافة العربية: دورة "المهدي المنجرة" المنظم من طرف "منتدى الآفاق للثقافة و التنمية" تحت شعار "التنوع الثقافي في خدمة التكامل الإفريقي العربي"، بمدينة خريبكة ايام 22 و23 و 24 سبتمبر 2017. حيث تم تسليم درع التكريم آنذاك للدكتور عبد الحميد بناني رئيس اللجنة التحضيرية لمؤسسة المهدي المنجرة للفكر والإبداع. وبعد سنوات من النقاش تم الإعلان عن انعقاد الجمع العام التأسيسي لمؤسسة المهدي المنجرة للفكر والإبداع في ظل ظرفية جائحة كورونا، وانعقد الجمع يوم 14 مارس 2020 أي بعد يوم من تخليد الذكرى السادسة لإطلاق الحملة العالمية لتكريم المهدي المنجرة وتوج الجمع بانتخاب الدكتور عبد الحميد بناني رئيسا للمؤسسة وبانتخاب المكتب التنفيذي والمصادقة على القانون الأساسية للمؤسسة. وبعد غياب وتهميش لمدة عقود طويلة، وفي 18 ماي 2020 وخلال شهر رمضان المعظم، عرضت القناة الوطنية "الأمازيغية" فيلما وثائقيا عن مسار وفكر المهدي المنجرة ضمن برنامج "صناع التاريخ" "امسكيرن ن أومزروي"، شارك فيه عدد من أعضاء المؤسسة، ورغم الملاحظات حول مقدم البرنامج الأستاذ محمد عصيد الذي نكن له كل الاحترام والتقدير كشخص، وكما أنه قام فقط بعمله داخل البرنامج من غير زيادة أو نقصان، فإن تقديمه للبرنامج لاقى استياء عدد من محبي البروفسور المهدي المنجرة، خاصة وأن أفكار السيد عصيد تتناقض كثيرا مع فكر ومشروع المهدي المنجرة، كما أن أعضاء المؤسسة لم يتم إخبارهم بتفاصيل أكثر عن البرنامج بما فيها المقدم.. لكن تظل خطوة عرض برنامج خاص بفكر المنجرة مبادرة ينبغي التنويه بها ودعمها مهما كانت أبعادها خصوصا بعد تهميش لفكر المنجرة لمدة عقود رغم أنه أول من أشرف على إدارة الإذاعة والتلفزة المغربية في عهد الملك الراحل محمد الخامس رحمه الله ومن جميل الصدف أن البرنامج مدبلج بالأمازيغية ومترجم بالعربية، ونتمنى من باقي القنوات الوطنية السير على نفس النهج خاصة برنامج "الرواد" الذي يعرض بالقناة الوطنية الأولى ولحد الآن لم يعد برنامجا خاصا بالمهدي المنجرة رغم أنه تطرق لعدد من الشخصيات التي كانت ممنوعة من الظهور إلى وقت قريب، كما أن الشهادات المقدمة تتلمس فيها نوعا من الجرأة والمصالحة مع الذات خاصة فيما يخص الانتهاكات في حقبة زمنية معينة. وأخيرا وبعد 3 أشهر من انعقاد الجمع العام التأسيسي، ينتظر محبو الدكتور المنجرة رحمه الله عمل كبير ومهم، لأن المؤسسة ليست نخبوية أو رمزية أو إديولوجية أو متمركزة أو للحكماء والشيوخ حتى تظل متضخمة بالاسم ومحدودة في الأثر والفعل والتأثير، طبعا المقصود على مستوى التوعية والتحسيس، وإنما هي مؤسسة تركز بالأساس على فكر ومشروع المنجرة من أجل توريثه وتقييم أبرز نقاطه واستمراريته، وجعل الشباب مرتكزا أساسيا لأي تغيير، وجعل قضايا القيم والتحرر والديمقراطية والتنمية أحد الركائز المؤطرة للعمل، لكن في البداية ينتظرنا عمل أولي في جمع مشروع المنجرة والمساهمة في حلحلته لإيجاد بدائل حقيقية للنهوض الحضاري لبلدنا، ثم التلاقح الثقافي والحضاري مع باقي الدول والحضارات في مرحلة ثانية بإعادة الاعتبار، ومن أجل المصالحة مع الذات سواء على المستوى الرسمي أو المستوى المجتمعي. * فاعل حقوقي وعضو المكتب التنفيذي لمؤسسة المهدي المنجرة للفكر والإبداع